12/06/2008 - 09:06

تموضع فرنسي جديد بشروط سورية؟../ فيصل جلول

تموضع فرنسي جديد بشروط سورية؟../ فيصل جلول
يقول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إنه استأنف الاتصالات مع سوريا لأنها لعبت دوراً إيجابياً في الأزمة اللبنانية من خلال اتفاق الدوحة، ويذكر بأنه اشترط عودة اتصالاته المقطوعة بدمشق منذ نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي بوجوب ألا تعرقل سوريا انتخاب رئيس للجمهورية وألا تتدخل في لبنان، وأن تعترف بسيادة هذا البلد واستقلاله، وأن تتبادل معه العلاقات الدبلوماسية.

الواضح أن دمشق لم تستجب لأي من الشروط التي تحدث عنها الرئيس الفرنسي ذلك أن انتخاب الجنرال ميشال سليمان قد تم بشروط المعارضة الموصوفة من قبل خصومها بالسورية الإيرانية، وانعقد اتفاق الدوحة حول مطالب المعارضين والمقصود بذلك حكومة الثلث الضامن وقانون انتخابي على قاعدة القضاء والبحث في قضية “السلاح” وفق تصور المعارضة. وليس في الأفق المنظور مسار جدي للتبادل الدبلوماسي بين بيروت ودمشق، أما مصطلحات السيادة والاستقلال والحرية والديمقراطية فهي قابلة للتأويل بحسب الجهة الغالبة في لبنان، وبالتالي من الصعب تحديدها بصيغة شرطية. يبقى التدخل السوري المباشر في القضايا اللبنانية وهو ما لا تحتاجه القيادة السورية طالما أن حلفاءها المفترضين يدافعون عن مصالحهم ومصالحها بطريقة فعالة تغني عن كل تدخل من خارج الحدود اللبنانية.

يعني ما سبق أن الحرص على الشروط الفرنسية كان يستدعي مواصلة “القطيعة” بدلاً من الاتصال بين قصري الاليزيه والمهاجرين قبل زيارة بيروت، ناهيك عن إرسال مستشار الرئيس الفرنسي ومدير مكتبه للقاء الرئيس الأسد والتلويح بزيارة ساركوزي قريباً لدمشق، وبالمصادقة على اتفاقية الشراكة الأوروبية السورية خلال الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي مطلع الشهر المقبل، هذا إن أردنا إهمال المشاركة السورية في قمة “الاتحاد المتوسطي” المزمع عقدها في أواسط الشهر المقبل في العاصمة الفرنسية وتأكيد ساركوزي على “حق سوريا الطبيعي في هضبة الجولان”.

البادي أن التفسير الإعلامي الفرنسي لاستئناف الاتصالات مع دمشق باستجابة الأسد للشروط الفرنسية لم يكن موفقاً خصوصاً بعد انهيار استراتيجية الموالاة اللبنانية المدعومة أمريكياً وفرنسياً خلال ساعات معدودة في المجابهات المسلحة التي اندلعت في بيروت والجبل في النصف الأول من شهر مايو/ ايار الماضي. ولعل التفسير المنطقي يكمن في القول المنسوب لمصادر رسمية فرنسية من أن دمشق “لا يمكن تجاوزها” في دبلوماسية الشرق الأوسط لدورها المؤثر في ملفات العراق وفلسطين ولبنان.

وفي السياق لم يكن مقنعاً أيضاً تفسير ذلك الحشد الفرنسي غير المسبوق في زيارة خاطفة لقصر بعبدا اللبناني حيث قيل انه برهان على الموقف الموحد بين المعارضة والأغلبية الحاكمة في باريس إزاء الأزمة اللبنانية، ذلك أن أحداً لم يشكك في هذا الموقف وان أحداً لم يراهن على اختلافات فرنسية فرنسية في هذا الشأن حتى يتم نفيها بهذه الطريقة. ولعل التفسير الأقرب لهذه الزيارة التظاهراتية هو شعور مكتوم بالخوف على مصير لبنان عموماً وبخاصة على تماسك الفريق الحاكم في بيروت واحتمال انفراط عقده مع ما يرتبه ذلك من آثار سلبية على وجود ودور القوات الفرنسية في جنوب البلاد.

بعبارة أخرى يمكن القول إن الحشد الماثل في الزيارة الفرنسية يفصح عن مخاوف جدية وليس عن مظهر فريد للقوة والنفوذ الفرنسيين في لبنان فهذا المظهر إن وجد يمكن أن يعبر عنه سفير أو مبعوث متوسط الأهمية وهو ما كان قائماً بالفعل في الأعوام الثلاثة الماضية عندما كان السفير السابق برنارد ايميه ونظيره الأمريكي جيفري فيلتمان يحتلان العناوين العريضة للأخبار اليومية اللبنانية.

وإذا كان صحيحاً أن الطبقة السياسية الفرنسية بكل أطيافها تعلق أهمية ملموسة على لبنان بوصفه درة الصناعة الكولونيالية الفرنسية، والدليل الأبرز على أمجادها الغابرة في العالم العربي وبالتالي أحد أركان السياسة الخارجية الفرنسية في الشرق الأوسط، فضلاً عن أسباب أخرى ثقافية وعاطفية، فالصحيح أيضاً أن هذا التعلق يحتاج إلى تكيف مع ميزان القوى اللبنانية المرشح للتغير خلال الشهور القادمة لصالح المعارضة وشركائها في سوريا وإيران وفلسطين. ولم تنعدم بوادر الاستعداد للتكيف في تصريحات الرئيس نيكولا ساركوزي ومساعديه عن صداقة فرنسا “لكل الطوائف” وتبني لغة الجنرال سليمان وتسريب أخبار عن امتعاض أمريكي مزعوم من التسرع الفرنسي في استئناف الاتصالات مع سوريا واعتماد لغة أكثر هدوءاً وحذرا تجاه إيران، وأقل التصاقاً بالخطاب الرسمي “الإسرائيلي”، وأخيراً قيام ساركوزي بزيارة رسمية هي الأولى من نوعها للأراضي الفلسطينية المحتلة ضمن جولته المقبلة في “إسرائيل” وبعض دول المنطقة.

ما من شك أن العد العكسي لعهد جورج بوش والمفاوضات “الإسرائيلية” السورية حول الجولان والاقبال الأوروبي على التصالح مع سوريا، كل ذلك يوفر أجواء ملائمة لمقاربة متوازنة للسياسة الخارجية الفرنسية في الشرق الأوسط وبالتالي التخلي عن الاصطفاف الصريح ضد سوريا وإيران والمعارضة اللبنانية والفلسطينية. ولعل هذا التوازن هو من مظاهر الحذر التي ما برح الرئيس ساركوزي يوحي بها منذ انتخابه في ربيع العام الماضي حين طوى الجانب الشخصي في علاقات الاليزيه مع أسرة الحريري والغضب الساطع الذي تحكّم بعلاقات سلفه جاك شيراك مع الرئيس بشار الأسد.

والراجح أن المقاربة المتوازنة لعلاقات فرنسا مع سوريا ولبنان وتعمد ساركوزي الاصغاء جيداً وطويلاً إلى ممثل حزب الله في غداء قصر بعبدا خلال الزيارة التاريخية الأخيرة بحسب الأوصاف الإعلامية اللبنانية الحماسية، يمكن أن توسع هامش المناورة أمام سيد الاليزيه وتجعله أكثر قدرة على استقبال التطورات اللبنانية والسورية وربما الشرق أوسطية بخيارات مفتوحة، بعيداً عن العواطف الشخصية وخاصة الكبرياء التي يعتبرها الفرنسيون المستشار السياسي الأكثر سوءاً.
"الخليج"

التعليقات