14/08/2008 - 08:07

ماذا تبقى لكم؟!../ مصطفى إبراهيم*

ماذا تبقى لكم؟!../ مصطفى إبراهيم*
أن يكون الفلسطيني المقيم في الضفة الغربية وقطاع غزة منتمياً سياسياً لحزب سياسي غير حركتي "فتح" و"حماس"، فذلك ممنوع، وعليه أن يحسم أمره، وان يصطف إلى جانب أحدهما ضد الأخر، أما أن يكون في الوسط ويدافع عن القضية والمشروع الوطني مما لحق بهما والشعب الفلسطيني من أذى وتشويه جراء الانقسام السياسي والجغرافي والاقتتال اليومي بين الحركتين فهذا يعني أنه ضد الحركتين.

على الفلسطيني أن يقف على حد السيف ويراقب ذاته وسلوكه، ممنوع أن ينتقد أي من طرفي الصراع، فقط مسموح له أن يمتدحهما أو يكون مع احدهما ضد الآخر، فما يجري بين الفلسطينيين يثير في النفس الاشمئزاز من تدهور القيم والأخلاق والعادات والتقاليد، التي تربى عليها الفلسطينيون أجيالاً متعاقبة.

الأحداث متسارعة ومتشابكة ومقيتة، ويخجل الفلسطيني من الاستماع إليها أو مشاهدة مناظر مسيئة، أصبحت مألوفة، من مصادرة مؤسسات المجتمع المدني واعتقالات وتعذيب، في ضفتي الوطن، وهروب جماعي إلى الاحتلال.

على أرض فلسطين الضحية هي الجلاد: "فتح" الضحية في قطاع غزة هي الجلاد في الضفة الغربية، و"حماس" الضحية في الضفة الغربية هي الجلاد في القطاع.
منذ عام ونصف العام والساحة الفلسطينية تشهد انقساماً خطيراً ويتعرض الطرفان لحرب شرسة يقودها أحدهما ضد الآخر، ولم يذق الفلسطينيون منذ ذلك الوقت إلا المرارة والحسرة على الحال التي وصلوا إليها جراء الإجراءات القمعية، التي يقوم بها طرفا الصراع، وارتكاب الأجهزة الأمنية للحكومتين انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في شطري الوطن.

ففي قطاع غزة نفذت الأجهزة الأمنية والمسلحين التابعين لحركة "حماس" حملات اعتقال سياسي غير قانونية طالت المئات، وقامت بحجز وتعذيب المعتقلين، والاعتداء بالضرب الشديد والمبرح على بعضهم، ومنهم قيادات، والاعتداء على مؤسسات المجتمع المدني، ومصادرتها ومحتوياتها، وكذلك المقرات الحزبية التابعة لحركة "فتح".

ما جرى على شاطئ مدينة غزة من تفجير إجرامي راح ضحيته خمسة من كتائب القسام وطفلة ما يزال يثير الرعب في صفوف الفلسطينيين، وما تلاه من عمليات قمعية لحركة "فتح" أثار الخوف والقلق على الحقوق والحريات العامة.

الصورة لم تكتمل بعد، بل يجب أن يكون المشهد مكتملاً ومعبراً عن الحال السيئة للفلسطينيين، حركة "فتح" والأجهزة الأمنية التابعة لها في الضفة الغربية يجب أن تكمل الصورة، فتشن حملة اعتقالات واسعة في الضفة الغربية طالت عدداً كبيراً من قيادة حركة "حماس" وأنصارها، وبعض أساتذة الجامعات والكتاب والصحافيين، وما يزال عدد منهم قيد الاعتقال من دون أي إجراءات قانونية، وقام بعض المسلحين باختطاف القيادي في "حماس" د. محمد غزال، والتهديد بقتله إن لم تفرج الأجهزة الأمنية التابعة في غزة عن القيادة السياسية لحركة "فتح".

ما يجري على الأرض الفلسطينية خطير ليس على المستوى السياسي، بل على المستوى الأخلاقي والاجتماعي، وعملية الفرز والاصطفاف الواضح في صفوف الفلسطينيين كل خلف الحزب أو الانتماء الفصائلي والعشائري على حساب القضية الوطنية والمهنية والأخلاقية تجري بوتيرة عالية.

باسم التنظيم يختبئ بعض المشتبه بهم والمطلوبين للعدالة، وباسم العدالة وتطبيق القانون يُقتل الإنسان في بيته.
قتل 13 فلسطينياً في ساعات قليلة لا يحرك مشاعر الفلسطينيين، الذين أصابهم الاستسلام والدهشة مما يجري، لا حراك سوى التحريض وتبرير القتل والتشريد والهروب الجماعي في عمليات مفتعلة يدفع كل طرف الأخر لارتكاب الأخطاء والخطايا.

المشهد لم ينته بعد، يصر أولئك أن يكون الوطن مقسماً، ويريدون إدارة معاركهم بغيرهم من الفلسطينيين الأبرياء، ويطالبون غيرهم بان يكونوا في المقدمة للدفاع عنهم، ليس حباً في إعادة غزة إلى حضن "الشرعية"، كما يدعون بل لهزيمة "حماس".

لم يتركوا شيئاً إلا وهاجموه، فصائل العمل الوطني والإسلامي لم تسلم من انتقادهم وتشويههم، تركوا المجال لبعض المواقع الصحافية الالكترونية الصفراء لتشوه الكل الفلسطيني، هاجموا مؤسسات المجتمع المدني التي تدفع الثمن يوميا للدفاع عن الحقوق والحريات العامة، لم تسلم منهم مؤسسات حقوق الإنسان والعاملون فيها والمسؤولون عنها، ووجهوا الشتائم والسب لها من دون معرفة طبيعة عملها والدور الذي تقوم به في الدفاع عن الحقوق والحريات العامة أولاً وعناصر "فتح" ثانياً.

وأطلقوا العنان لبعض المواقع الالكترونية الصفراء لمهاجمة الشرفاء العاملين في مجال حقوق الإنسان في قطاع غزة في طريقة من الإسفاف والسخافة، والانحطاط الخلقي في دليل على تفكير فاسد ومشوه الغرض منه تشويه كل شيء لدى الفلسطينيين.

العاملون في مؤسسات حقوق الإنسان ليسوا أنبياء، هم بشر يخطئون، لكن ليست لديهم حسابات سياسية، أو أجندات، أو أغراض شخصية، ما جرى وما يزال يجري في قطاع غزة يثير الخوف والقلق والرعب، لكن مؤسسات حقوق الإنسان، ومعها مؤسسات المجتمع المدني التي بقيت على قيد الحياة، لم تتوقف لحظة في التعبير عن مواقفها ورفع الصوت عالياً، في فضح الانتهاكات من اعتقال تعسفي وتعذيب، وباقي أشكال الاعتداء على حقوق الفلسطينيين، خصوصاً ما جرى لحركة "فتح" وأعضائها، فهو مقيت ويثير الغضب والحزن، ويعمل على هدم الأسس والمقومات الاجتماعية والوطنية والأخلاقية لدى الفلسطينيين.

ما يجري في ضفتي الوطن يضرب ما تبقى من مقومات الأخلاق و الصمود لدى لفلسطينيين، في غزة يتم تكرار الاعتداءات على "فتح" بذريعة تفجير الشاطئ، وفي رام الله يعمل بعضهم على العودة إلى غزة بأي ثمن، من دون الأخذ في الاعتبار عدم المس بسمعة الفلسطينيين الشرفاء، الذين يدفعون الثمن كباقي أبناء شعبهم، فماذا تبقى لهؤلاء كي يفعلوا ما لم يفعلوه بعد؟!.

التعليقات