23/05/2009 - 09:37

الفلسطينيون في إسرائيل بعد انتخابات الكنيست الأخيرة../ مطانس شحادة

الفلسطينيون في إسرائيل بعد انتخابات الكنيست الأخيرة../ مطانس شحادة
لا يخفى على أحد أن إسرائيل، ومنذ انتفاضة الأقصى وهبة أكتوبر وحرب لبنان، لا ترى في المواطنين الفلسطينيين مواطنين متساوي الحقوق مع المواطن اليهودي، بل أعداء في معظم الحالات. كما لا يخفى أن هذا التعامل يعكس إجماعا يشمل متخذي القرارات في الدولة، والسواد الأعظم من شرائح المجتمع الإسرائيلي.

تعكس حالة الإجماع هذه نفسها على محاولات المؤسسة الحاكمة، منذ هبة أوكتوبر، فرض قواعد تعامل جديدة على المواطنين العرب تهدف إلى تكريس حالة „اللا مواطنة” الكاملة المشروطة والمهددة، وتؤسس لفرض قواعد صارمة لقواعد „الديمقراطية” المتاحة أمام الأقلية العربية، يُحَدد فيها سقف المطالب الجماعية المتاحة للأقلية الفلسطينية وفقا لاحتياجات وضروريات المشروع الصهيوني. فقد قامت الدولة في سنوات التسعينيات، بتكثيف استعمال „الجزرة” بغية احتواء الأقلية الفلسطينية دون التنازل عن آليات التبعية والإقصاء. وسادت في بداية سنوات التسعينيات قناعة لدى صناع القرار في إسرائيل بشأن الأقلية الفلسطينية، مفادها أنه يمكن احتواء „مشكلة الأقلية الفلسطينية” بدفع „ثمن” معقول، دون المساس بالطابع اليهودي للدولة ودون المساس بطابعها „الديمقراطي”.

ومع اندلاع انتفاضة الأقصى وهبة أكتوبر وتنامي التيار الوطني داخل الأقلية الفلسطينية ؛ ونشر وثائق الرؤية المستقبلية في أواخر العام 2006 وبداية العام 2007 وإبداء عدم رضا على صيغة النظام القائم والمطالبة بإقامة دولة كل مواطنيها، بدأت إسرائيل بتشديد شروط المواطنة الممنوحة للأقلية، وحدود المسموح والممنوع لوسائل العمل السياسي. بل ان عدداً من صناع القرار السياسي والأمني أعلنوا بشكل رسمي أن العرب في إسرائيل باتوا يشكلون خطراً استراتيجياً على دولة إسرائيل كدولة يهودية.

تحت هذه المستجدات تغيرت القناعات لدى صناع القرار في إسرائيل، وباتت قضية „الأقلية الفلسطينية” تتطلب حلولاً جذرية، تتركز أكثر على زيادة جرعات الاحتواء المباشر وغير المباشر، بالترافق مع زيادة وتيرة استعمال „العصا” وتفعيل صارم لآليات التبعية، خاصة الاقتصادية. ومن الممكن إجمال مجموعة من تجليات تحول العلاقة مع العرب من خلال:

1. سياسة عدائية أكثر وضوحا تجاه الأقلية الفلسطينية.

2. قضم مستمر في صيغة المواطنة الممنوحة للأقلية الفلسطينية.

3. تَحديد سقف مطالب الأقلية الفلسطينية بحيث يمكنها، في أفضل الحالات، المطالبة بحقوق فردية ومطالب بتحسين الأحوال المعيشية دون ربطها بالبعد السياسي القومي.

4. تنامي المطالبة بالتعامل مع ما يسمى التهديد الديموغرافي للأقلية الفلسطينية على الطابع اليهودي للدولة، وباتت مشاريع تهجير الأقلية أو قسم منها أكثر رواجا وشرعية.

تميزت الفترة الممتدة من العام 2000 وحتى بدايات 2009 بمحاولات الاحتواء والترغيب المعمول بها من قبل الدولة تجاه الفلسطينيين في إسرائيل، وتجلت من خلال العمل على تفعيل برنامج الخدمة المدنية وربطه بإغراءات مالية، بالتوازي مع استخدام آليات الترهيب والملاحقات السياسية والأمنية وسن قوانين تمس بالفلسطينيين. غير أن تلك السياسات لم تشمل محاولة فرض قبول المضمون والطابع اليهودي للدولة على المواطنين الفلسطينيين بواسطة القوانين أو ربط الولاء بالحقوق. ولعل هذا التغيير هو الميزة الأبرز للعام 2009.

يمكننا الادعاء أن العام 2009 وفي ظل حكومة نتنياهو، سوف يشكل مفصلا في تعامل الدولة والأغلبية اليهودية مع الفلسطينيين في إسرائيل، نتيجة لعدة عوامل ومتغيرات تراكمت في السنوات الماضية، ابتداء بانتفاضة الأقصى، مرورا بحرب لبنان ونشر الوثائق المستقبلية وانتهاء بالحرب على غزة، ونتائج الانتخابات الأخيرة لدى المجتمع الإسرائيلي والفلسطيني. يمكننا في هذه المرحلة استشراف الإطار العام لتعامل الدولة مع الفلسطينيين في السنوات القادمة، وذلك بالارتكاز على الفرضيات التالية:

1. بات واضحًا لصنّاع القرار في إسرائيل، أنّهم لم ينجحوا في طمس الهُويّة الوطنيّة والانتماء الفلسطينيّ للفلسطينيين في إسرائيل، ولم ينجحوا في صقل وعي سياسيّ يفرض على الأقلـّيّة أنماط تصرّف سياسيّ مقبول على المجتمع الإسرائيليّ. وهذا يعني فشل مؤسّسات الدولة وسياسات العصا والجزرة في أسرلة الفلسطينيّين في إسرائيل.

2. بروز شبه إجماع بين الأحزاب الصهيونيّة الأساسيّة على قبول خطاب ليبرمان وحزبه “إسرائيل بيتنا” الذي يطالب بسَنّ قانون يقرن بين قَسم الولاء للدولة -من جهة-، والمواطَنة -من جهة أخرى-، ويدعو لتبادل مناطق بين دولة إسرائيل والدولة الفلسطينيّة المستقبلية.

وبالإمكان التكهّن بأنّ حكومة نتنياهو لن تكتفي باستمرار الوضع القائم والإبقاء على محاولات كبح المَطالب القوميّة والسياسيّة للأقلـّيّة الفلسطينيّة، بل ستنتقل إلى التهديد المباشر والمساومة على المواطَنة الممنوحة للأقلـّيّة. وسوف تطالِب الأقلـّيّةَ الفلسطينيّةَ بحسْم موقفها على نحو نهائيّ في مسألة قبول الشروط الإسرائيليّة للإبقاء على المواطَنة، بل إدراج هذه المطالب في برنامج عمل الحكومة. في المقابل يمكن أيجاز المَطالب من الفلسطينيين في إسرائيل على النحو التالي:

1. القبول بمواطَنة تحت سقف الشروط الإسرائيليّة، والتخلّي عن الهُويّة القوميّة الجماعيّة ومطالب الحقوق الجماعيّة لأقلـّيّة وطن أصليّة، والاكتفاء بالحقوق الفرديّة المنتقَصة.

2. التصريح بقبول إسرائيل كدولة الشعب اليهوديّ.

3. قبول الادّعاء الإسرائيليّ أنّ تحقيق المَطالب القوميّة للفلسطينيّين في إسرائيل سيكون فقط بواسطة إقامة دولة فلسطينيّة في المناطق المحتلة، اي في اطار حل “دولتين لشعبين”.

4. قَوْنَنة نهائيّة للمكانة الدونيّة للفرد الفلسطينيّ في إسرائيل في جميع المجالات.

5. في حال عدم الرضوخ للشروط الإسرائيليّة، سيأتي التهديد بحلّ تبادل الأراضي أو السكّان مع السلطة الفلسطينيّة، وبفرض الاحتواء بواسطة قانون الجنسيّة.

من هنا يمكننا الادعاء ان صيرورة العلاقات بين الدولة والمجتمع الفلسطيني تسير في مسار قد يكون تصادميا. وذلك نتيجة الخطاب الإسرائيلي السياسي الذي ترافق مع الحملة الانتخابية ومحاولات التضييق القانونية والاعتداءات والمضايقات التي يتعرض لها أبناء الأقلية الفلسطينية وقادتهم من جهة ورفع سقف المطالب السياسية للعرب في إسرائيل من جهة أخرى.

وكما يبدو فان الحكومة الإسرائيلية الحالية ستعمل بجدية على مطالبة الفلسطينيين في إسرائيل بحسم قضية المواطنة وربطها بـ”الولاء للدولة” والتأكيد على أن الحل هو إقامة دولتين واحدة فلسطينية في الأراضي المحتلة منذ 1967 والثانية دولة يهودية بصيغتها الحالية. وفي حال رفض العرب في إسرائيل قبول هذا فمن المتوقع أن تزداد الأصوات الإسرائيلية التي تطالب بتبادل أراض وسكان مع السلطة الفلسطينية حيث من المتوقع أن يكون لهذه المطالب شرعية لا باس بها داخل المجتمع والأحزاب اليهودية.

بالمقابل لا يبدو المجتمع الفلسطيني، وممثليه من أحزاب وقيادات مستعدين -او على الاقل جزء من هذه القيادات-، لقبول الشروط الإسرائيلية. لكننا كمجتمع وقيادات غير جاهزين تنظيميا واقتصاديا لمواجهة هذا التحدي. فنحن لا نملك الأدوات الاقتصادية لمقاومة الاملاءات الإسرائيلية، ولا التنظيم السياسي القومي الجامع. من هنا أضحى موضوع إعادة بناء لجنة المتابعة للجماهير العربية في إسرائيل وانتخابها بشكل مباشر من قبل المواطنين شأنا ملحا، بل واجبا وطنيا. بالإضافة إلى الحاجة الملحة لتطوير الاقتصاد العربي وبناء جسور تواصل مع بقية الشعب الفلسطيني والعالم العربي، تساهم، فيما تساهم، في صمود الفلسطينيين في إسرائيل.

بالتوازي للاستنتاج الاول، واستنادا إلى طرح حزب „اسرائيل بيتنا” الذي يزج الفلسطينيين في إسرائيل ليعودوا كمركب أساسي من القضية الفلسطينية العامة، واستنادا إلى قبول هذا الطرح من قبل الأحزاب الصهيونية الأساسية، وقراءة التحولات داخل المجتمع اليهودي وتنامي الكراهية والعداء تجاه الفلسطينيين في إسرائيل، يمكننا التكهن أن الفلسطينيين في إسرائيل سوف يتحولون في السنوات القريبة إلى جزء هام ومركزي من الحلول المطروحة لإنهاء القضية الفلسطينية، ولن يبقوا بمثابة جزء مهمش من الشعب الفلسطيني.

التعليقات