03/06/2009 - 12:22

عن اليمن الواحد والوحدة المصرية - السورية../ فيصل جلول

عن اليمن الواحد والوحدة المصرية - السورية../ فيصل جلول
يعود البعض الى الوحدة المصرية السورية (1958 1961 ) لتفسير سياق الوحدة اليمنية وتخلص المقارنة بين التجربتين الى القول: ما دامت التجربة الأولى قد انتهت الى الفشل فإن التجربة الثانية قد تنتهي الى مصير مماثل، فهل تستقيم المقارنة بين التجربتين وهل يحكمهما مصير واحد؟ يستدعي هذا السؤال العودة الى أصول التجربتين لمعرفة دوافعها وظروفها وبالتالي الحكم الموضوعي على مصيرها.

الناظر عن كثب الى ظروف ودوافع الوحدة المصرية السورية يخرج بالخلاصات التالية:

* أولاً: تمت الوحدة بين القاهرة ودمشق في سياق ايديولوجي قومي عربي كلاسيكي هو من اثر الايديولوجيات القومية الأوروبية المنتشرة منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى النصف الأول من القرن العشرين ومثالها الوحدة الاندماجية الإيطالية والوحدة الاندماجية الألمانية.

وقد ورث العرب هذا المشروع الاندماجي في خريف الامبراطورية العثمانية واستخدم كرافعة للقتال ضدها وتفكيكها بحماية ووعد أوروبيين، وإذ أخفق الهاشميون في تشكيل مملكة عربية متحدة وانتهوا الى حيث هم اليوم، تولى الأمر من بعد التيار البعثي والتيار الناصري وقد توج الزخم الايديولوجي العربي بعد فشل غزو السويس عام 1956 ووصول شعبية جمال عبد الناصر إلى الأقاصي وتوج ذلك بوحدة اندماجية بين قطبين عربيين في آسيا وإفريقيا.

* ثانيا: قامت الوحدة المصرية السورية على حدود مشاريع قومية حادة ومهددة للعرب سواء في الحركة الصهيونية المسلحة بـ“القومية الدينية” رغم التناقض البادي في التعريف، أو القومية التركية المنخرطة في الحلف الأطلسي أو القومية الفارسية المعمرة والنازعة في عهد شاه إيران لتكون شرطي الخليج. هكذا ولدت الوحدة المذكورة كرد على التحديات الماثلة في منطقة عامرة بالقوميات الهجومية.

* ثالثا: رفضت القوى العظمى صراحة أو مداورة تلك الوحدة فقد اعتبرتها الولايات المتحدة الامريكية مشروعاً يهدد وجود الكيان الصهيوني، ولم يكن الاتحاد السوفييتي راغباً بقيامها كما أسرّ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للضباط السوريين الذي جاءوه بعرض الوحدة، وكان من الطبيعي أن تثير هذه التجربة مخاوف الشاه الإيراني وورثة أتاتورك.

* رابعا: رغم الشعبية العربية الكاسحة لهذه التجربة الوحدوية الاندماجية إلا أنها لم ترق لمجمل النخب العربية الحاكمة أو الموعودة بالحكم بعد رحيل الاستعمار فكان أن حاربتها بقوة وعملت على الإطاحة بها.

* خامسا: تمت الوحدة المصرية السورية بعد مضي عقد واحد على تولي السوريين لزمام الحكم في بلادهم للمرة الأولى بعد غياب 400 سنة في جبة الدولة العثمانية وبعد 4 سنوات من تولي عبدالناصر الحكم في بلاده بوصفه العربي الأول الذي يحكم شعبه منذ مئات السنين، فضلاً عن أنه كان قد باشر لتوه قلب نظام الحكم وخوض مجابهة عالمية مع “إسرائيل” و الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية. وفي المثالين السوري والمصري كان العرب يتعلمون الحكم في عصر حديث وعبر نخب تشكلت للتو وعلى عجل.

أما الوحدة اليمنية فهي تختلف اختلافاً جذرياً عن الوحدة المصرية السورية ذلك أنها تمت بطرفة عين في بلد واحد مندمج منذ بدء التاريخ لا يعرف أبناؤه أنفسهم بغير الصفة اليمنية ولا ندوب لغوية او أثنية أو دينية تفرقهم ولا يفصل بينهم ذوق عمراني أو نمط حياة أو انتماء اجتماعي وهم قحطانيو الأصل بنسبة 99 في المائة، ويمثل العدنانيون بينهم أقل من واحد في المائة، بل هم أكثر تجانساً من الألمان والفيتناميين والكوريين والفرنسيين والصينيين.

وقد تمت الوحدة الاندماجية اليمنية برضى الجميع وبموافقة القوى العظمى ولم تشكل تحدياً لأحد، بل ساهمت في ترسيم الحدود في شبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر ووضعت حداً لمسلسل الحروب الأهلية في اليمن وفي المنطقة، وصادفت ترحيباً شاملاً من الجامعة العربية والمؤسسات الدولية، وأعادت الاعتبار لفكرة التوحد العربي بعد انهيار الوحدة المصرية -السورية وهي المثال المناقض لمايدور في القرن الإفريقي والعراق ولبنان وأفغانستان ولأنها على هذا النحو فهي لا تتحمل انفصالاً أو “فك ارتباط” فكل انشطار فيها هو أشبه بمبضع يعمل في اللحم اليمني الحي.
"الخليج"

التعليقات