01/09/2009 - 12:48

مبادرة السلام الأمريكية../ هاني المصري

مبادرة السلام الأمريكية../ هاني المصري
منذ أن تولى باراك أوباما سدة الحكم أولت إدارته اهتماماً ًمركزاً بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، وأعلنت أنها ستعطيه أولوية وتعمل على حله والتوصل إلى اتفاقات لإنهائه خلال مدة عامين.

وعينت الإدارة الأميركية جورج ميتشل ليكون مبعوثاً أميركيا للسلام، وحاولت منذ 20/1/2009 أن تحصل على موافقة إسرائيل على تجميد الاستيطان وحل الدولتين مقابل خطوات تطبيع عربية، ولم تستطع حتى الآن أن تحصل على الموافقة الإسرائيلية. إن أقصى ما وافقت عليه حكومة نتنياهو المتطرفة هو:

أولا: الموافقة على قيام دولة فلسطينية بعد أن وضعت سلسلة من الشروط التعجيزية على قيامها تبدأ بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وإسقاط حق العودة ولا تنتهي بأن تكون دولة منزوعة السلاح.

ثانياً: الموافقة على تجميد الاستيطان لمدة مؤقتة (9ــ12 شهراً) مع استثناء القدس والوحدات الاستيطانية قيد البناء والمرافق العامة والإصرار على سلسلة خطوات عربية تطبيعية وفرض عقوبات دولية اشد على إيران مع الاحتفاظ "بجواز مرور" يسمح لإسرائيل بالتنصل من الاتفاق إذا لم يلتزم الفلسطينيون والعرب بما يتعلق بهم بهذه الصفقة.

إن تجميد الاستيطان إذا تم وفق هذه الشروط سيكون مكلفا جدا، بحيث يكون عدم تجميده مكلفاً اقل بكثير. فالتجميد المؤقت وفق الشروط الإسرائيلية زائف كلياً، ولن يشمل في أحسن الأحوال سوى تجميد عشرات الوحدات الاستيطانية مقابل حصول إسرائيل على شرعية لاستئناف الاستيطان بعد انتهائه.

إن الخلاف حول تجميد الاستيطان، الذي يعتبر جزئياً، يعطينا نموذجاً عن حجم الصعوبات التي تعترض استئناف المفاوضات وإحياء عملية السلام، وكيف أن إسرائيل هي العقبة وليست جاهزة للسلام على الإطلاق. فإذا كان تجميد الاستيطان، لم يتحقق رغم مرور أكثر من سبعة أشهر على تولي أوباما الحكم؟ فكيف ستتمكن الإدارة الأميركية من إقناع إسرائيل بإزالة الاستيطان او جزء كبير منه.

كيف ستقتنع إسرائيل بالانسحاب من القدس المحتلة عام1967؟
كيف يمكن إقامة دولة خلال عامين؟
إن أوباما وعد بإطلاق مبادرة للسلام، وكان هناك استعداد لإطلاقها في بداية شهر حزيران الماضي خلال خطابه الذي ألقاه في جامعة القاهرة ولم يفعل. وتم تأجيل إطلاق المبادرة أكثر من مرة.

الآن هناك أنباء أنها ستطلق خلال الشهر الجاري، وربما خلال الخطاب الذي سيلقيه الرئيس الأميركي في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

إن الجميع بانتظار المبادرة الأميركية، فهل سيتم إطلاقها؟ وإذا تم إطلاقها ما هو مضمونها؟ هل ستكون مجرد خطوط عامة لا تغني ولا تسمن من جوع؟ أم ستكون خطة تفصيلية تتضمن مواقف ملموسة ومطالب محددة تترافق مع رزمة حوافز في حال الموافقة عليها، ورزمة عقاب إذا تم رفضها.

إذا اختارت إدارة البيت الأبيض التصرف مع إسرائيل مثلما تصرفت حتى الآن، فان المبادرة إما لن ترى النور أو ستكون عامة فضفاضة أو مختلة لصالح إسرائيل.

بدون ضغط حقيقي ومتعاظم أميركي ودولي على إسرائيل يؤدي إلى التزامها بشكل حقيقي بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة كمرجعية ملزمة لعملية السلام، وبأن المفاوضات تهدف إلى تطبيق الالتزامات التي تتضمنها هذه القرارات، والتي تقوم على إنهاء الاحتلال والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني بما فيها حقه بالعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 67 وعاصمتها القدس، لن تساعد المبادرة الأميركية القادمة بل ستلحق ضرراً بالغاً بالجهود الرامية لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة، وستعطي لإسرائيل الوقت اللازم لاستكمال تطبيق المشاريع والخطط العدوانية والتوسعية والاستيطانية والعنصرية.

وإذا نجحت الإدارة الأميركية في طرح مبادرتها، وفقا لما تسرب حولها، وحصلت على موافقة عليها من الأطراف المعنية، فإنها ستولد حلاً تصفوياً أقصى ما يمكن أن ينتج عنه سلطة حكم ذاتي أفضل قليلاً من السلطة القائمة، ولكنها يمكن ان تسمى دولة، ويمكن أن تكون ذات حدود مؤقتة، مع وعد بأن يتم التفاوض على حدودها الدائمة وبقية القضايا العالقة خلال مدة زمنية محددة، ولكنها طبعاً مدة سيتم تجاوزها وفقاً للقاعدة التي أرساها اسحق رابين "بطل السلام" الذي قال عبارته الشهيرة :"لا مواعيد مقدسة".

إن الأنباء المتوفرة حتى الآن حول المبادرة الأميركية لن تقدم خشبة الخلاص وإنما ستدخلنا في ملهاة جديدة فهي ستشمل:

*التركيز على إقامة "دولة الضفة الغربية" دولة الأمر الواقع وتأجيل موضوع قطاع غزة إلى أن تتوفر ظروف تسمح بضمه للدولة.

* إعطاء الأولوية للاتفاق على الأراضي ورسم الحدود على أن تكون المستوطنات خارج إطار هذه الحدود حتى يعرف كل طرف ما سيبقى لديه، وهذا يسمح لإسرائيل بالاستمرار بالاستيطان في المناطق التي ستكون ضمن حدودها المستقبلية بعد الاتفاق، وذلك طبعاً بدون التزام إسرائيلي واضح وقاطع بالانسحاب إلى حدود 1967

* ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة لإسرائيل، والتفاوض حول المستوطنات الصغيرة والاتفاق على الترتيبات بشأنها خلال ثلاثة أشهر، وإقرار مبدأ تبادل الأراضي وإقامة أنفاق وجسور إضافية لربط الضفة بعضها ببعض حتى لا يكون هناك احتكاك وتداخل بين الفلسطينيين والمستوطنين، وتقسيم القدس الشرقية بين إسرائيل والدولة الفلسطينية، بحيث تضم الأحياء اليهودية والمستوطنات لإسرائيل، ومنطقة المقدسات تكون تحت سيطرة وسيادة عربية وإسلامية.

* أن تستوعب الدولة الفلسطينية الجديدة أعدادا يتفق عليها من اللاجئين الفلسطينيين وإقامة صندوق مالي دولي لتوطين هؤلاء في مناطق الأغوار بين نابلس ورام الله

* إحضار قوات دولية في عدد من مناطق الضفة، وبشكل خاص في منطقة الأغوار التي تطمع إسرائيل لإبقاء السيطرة عليها من خلال استئجارها لفترة طويلة مرشحة للتمديد الإلزامي

* المناطق المتبقية من أراضي الضفة الغربية ستكون مناطق منزوعة السلاح مع سيطرة إسرائيلية على الأجواء، وتمنع السلطة الفلسطينية من توقيع معاهدات أمنية وعسكرية مع دول أخرى، في حين يتواصل التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية

* الإعلان عن الدولة الفلسطينية في صيف عام 2011 مع ضمانات أميركية، والسماح ببناء مطار مدني بالضفة الغربية.

* إقامة ترتيبات خاصة بمشاركة دولية بشأن الأماكن المقدسة في القدس والخليل.

* البدء بإطلاق سراح المعتقلين فور التوقيع على معاهدة السلام، وان تستمر هذه العملية لمدة ثلاث سنوات، مع تحديد لأعداد عناصر الأمن في السلطة.

إن هذه الخطة إذا صحت الأنباء حولها، لا تعطي دولة فلسطينية حقيقية على حدود1967 عاصمتها القدس وإنما "دولة البقايا" في الضفة في المرحلة الأولى، وتصفي قضية اللاجئين، أي تحقق جوهر المطالب والأهداف الإسرائيلية. ومع ذلك يمكن أن ترفضها الحكومة الإسرائيلية لأنها تريد أكثر من ذلك.

كما ان هذه المبادرة، ستكرس الانقسام الفلسطيني القائم وتسعى لتوظيفه للحصول على اتفاق يحصد من الضعف الفلسطيني لانها تركز على إقامة "دولة الضفة" وتأجيل غزة حتى إشعار آخر.

طبعا ستتضمن المبادرة اقتراحات لعقد معاهدة سلام سورية ــ إسرائيلية وأخرى لبنانية ــ إسرائيلية، ورزمة خطوات عربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل لمجرد قيامها بتجميد مؤقت ومحدود وشكلي للاستيطان.

ومن أخطر أهداف المبادرة عزل المسارات العربية عن بعضها البعض وقضايا التفاوض الأساسية الفلسطينية عن بعضها البعض وتفكيك كل قضية على حدة لأجزاء وتفاصيل والسعي للانتهاء من كل قضية على حدة سواء بالاتفاق عليها بشكل منفصل عن القضايا الأخرى أو بالعمل لتطبيقها بعد الاتفاق عليها بدون علاقة بالقضايا الأخرى، وما لم يتم الاتفاق عليه يتم تأجيله لكي يحل لاحقاً، وعلى أن يتم إنهاء الصراع بالكامل وعدم تقديم أي مطالب جديدة.

فمثلا قضية اللاجئين يتم السعي لإجمالها على قاعدة المبادئ الخمسة المتفق عليها في كامب ديفيد وطابا، على أساس التوطين والتعويض والعودة إلى الدولة الفلسطينية العتيدة وليس لإسرائيل، ويمكن أن تبدأ "العودة" من اللاجئين في لبنان لتخفيف الاحتقان هناك حول هذه المسألة، وبدون انتظار الاتفاق الشامل حول كافة القضايا.

السؤال هو: ما هو الموقف الفلسطيني والعربي إذا طرحت إدارة أوباما هذه الخطة أو خطة شبيهة بها؟
هل سيتم القبول بها على أساس أن "ليس بالإمكان أبدع مما كان!"

التعليقات