05/09/2009 - 11:51

الأمن بالإعارة والعدل بالإيجار ../ عصام نعمان

الأمن بالإعارة والعدل بالإيجار ../ عصام نعمان
ثمة سؤال: هل يستطيع العرب، في زمن الهيمنة الأمريكية والأزمة المالية العالمية، ان يحكموا أنفسهم بأنفسهم؟
السؤال معنيٌّ بالحكم، لا بالتحكم والتسلط والسيطرة، ومعني به في ظرف معين هو زمن الأزمة المالية العالمية وتحولاتها العاصفة باقتصادات الدول والجماعات والأفراد.
إذا توافقنا على ان الحكم هو القدرة على إدارة شؤون الناس بما يحقق لهم الأمن والعدل والعيش الكريم، فإن الجواب عن السؤال هو أن العرب، في معظمهم، يتبدون عاجزين عن ان يحكموا أنفسهم بأنفسهم.

إنهم في أزمة حكم بازغة في لبنان والعراق وفلسطين واليمن والسودان، وفي أزمة حكم كامنة في سائر الأقطار والأمصار.

لأننا نعيش في عالم متداخل، مترابط في أحواله وتحولاته، فإن أهل السلطة والتسلط في مجتمعاتنا غير متروكين لمواجهة مصائرهم. ذلك ان أهل الحكم والتحكم في الدول والمجتمعات المتقدمة والمقتدرة والنافذة، أي الأقوياء في عالمنا، يحرصون على التدخل في شؤون المجتمعات المتخلفة والمتراجعة والبائسة، أي الضعفاء في عالمنا، للحدِّ من انعكاسات التحولات لدى الضعفاء على الأوضاع لدى الأقوياء.

للتدخل أشكال شتى، لعل أبرزها اعتماد تسهيلات الإعارة والتأجير، لاسيما في حقلي الأمن والعدل، إذ يصار إلى رفد أهل التحكم والتسلط العاجزين عن توفير الأمن أو فرضه، بالأمن الأجنبي المستعار، والعاجزين عن توفير العدل بالعدل الدولي المأجور.

الأمن المستعار يتجلّى بالدعم العسكري المكشوف، كأن يرسل الأقوياء وحدات وفيرة العدد والعُدة إلى البلد المضطرب لمساعدة أهل السلطة والتسلط فيه على فرض الأمن بالقوة. كما يتجلى بأن يكفل الأقوياء امن البلد المضطرب بمعاهدة او حلف يضعه في “حمى” أساطيلهم البحرية والجوية وقواعدهم المنشورة في أربع جهات الأرض.

العدل المأجور يتجلى بنزع قسم من صلاحيات القضاء في البلد المضطرب وإيكالها إلى محكمة دولية خاصة تتولى، بدعم من الأمم المتحدة، النظر في قضايا جنائية ذات طابع سياسي. كل ذلك بقصد تخويف الأطراف المتمردة وإشعارها بأن أقوياء العالم لهم بالمرصاد وانهم لن يتوانوا عن التدخل لقمعهم بالقوة.

إن امن معظم دول المنطقة هو من طراز الأمن المستعار. ففي البلدان المضطربة كلبنان والعراق والسودان، ثمة قوات دولية او متعددة الجنسية نَشَرها الأقوياء من اجل دعم حلفائهم الضعفاء على نحوٍ يؤمّن مصالح هؤلاء وأولئك. وفي الدول التي واجهت حروباً “إسرائيلية” عدوانية، كمصر وسوريا، ثمة قوة مراقبة للإشراف على تجهيزات الإنذار المبكر أو ترتيبات وقف إطلاق النار.

في لبنان الذي عانى ويعاني من تداعيات جريمة نكراء أودت بحياة رئيس وزراء سابق وزعيم واسع النفوذ، حرص الأقوياء في مجتمع الدول على إقامة محكمة دولية خاصة لمحاكمة قَتَلَة الرئيس الراحل رفيق الحريري وقتلة شخصيات أخرى من أعلام المجتمع السياسي. غير ان قرار مجلس الأمن الدولي الذي اقر نظام المحكمة المذكورة بموجب أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، نزع قسماً وفيراً من اختصاصات القضاء اللبناني وأسندها إلى المحكمة الدولية.

في العراق الذي عانى في 19 اغسطس/آب الماضي من عمليات تفجير دموية متزامنة استهدفت وزارتي الخارجية والمالية في بغداد وأودت بحياة نحو مائة شخص وجرحت المئات، تتجه حكومة نوري المالكي إلى مطالبة مجلس الأمن بإنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة المخططين والمنفذين وسط جو سياسي وإعلامي محتقن باتهام عناصر مقيمة في سوريا بالمسؤولية عن ارتكاب الجريمة النكراء، وذلك بعد اتخاذ تدبير متسرع بسحب السفير العراقي من دمشق قبل امتلاك أدلة وازنة عن علاقة سوريا بالتفجيرات الدموية.

الغريب أن دعاة إقامة محكمة دولية لم تستوقفهم المجازر النكراء التي ارتكبتها القوات الأمريكية منذ غزوها العراق سنة 2003 حتى اليوم ضد المدنيين الأبرياء ولاسيما عمليات التعذيب المنهجية بحق المعتقلين في سجن أبو غريب. والأغرب ان الولايات المتحدة نفسها اضطرت الى إحالة بعض مرتكبي جرائم التعذيب على المحاكم الأمريكية المختصة في حين ان المسؤولين العراقيين لم يحركوا ساكنا لمساءلة ومحاكمة المسؤولين الأمريكيين عن تلك الجرائم وعن أعمال السرقة والنهب التي طاولت موارد العراق ومخزونه النفطي وماليته العامة ومتاحفه وموروثاته الحضارية.

يتحصّل من مجمل ما تقدم بيانه حقيقتان. الأولى أن الأمن المستعار كان وما زال سياسة ثابتة للولايات المتحدة خاصة ودول الغرب الأطلسي عامة، غايتها إبقاء دول العرب ودول الطوق على وجه الخصوص ضعيفة اقتصادياً وعسكرياً، وضمان تفوق “إسرائيل” عسكرياً وتكنولوجياً على العرب مجتمعين، وتقييد دول الطوق، لاسيما مصر وسوريا ولبنان، بترتيبات رقابية عسكرية للحؤول دون أي تهديد لأمن “إسرائيل” المعتدية والمحتلة أراضي العرب في فلسطين ومصر وسوريا ولبنان.

الحقيقة الثانية ان إقامة محاكم دولية خاصة أصبحت، هي الأخرى، سياسة معتمدة لدى الولايات المتحدة ودول الغرب الأطلسي، غايتها مشاركة السلطات المحلية صلاحياتها وتوجيهها وجهة معادية لقوى التحرر الراديكالية المعادية للغرب وترهيبها وتأمين تكامل سياسة البلد المعني مع متطلبات الأمن المستعار.

ذلك كله ما كان ليحدث لولا ضعف بنيوي، مادي وأخلاقي واجتماعي، في المجتمعات العربية أورث، من بين أمور كثيرة لدى العرب المعاصرين ولاسيما الموالين منهم للغرب، عجزاً عن حكم أنفسهم بأنفسهم وإرتهانهم تالياً لدول الغرب من خلال التبعية السياسة والاقتصادية والأمن الأجنبي المستعار والعدل الدولي المأجور.

من وعي هذه الحقائق تبدأ حركة المقاومة من اجل تحرير الإنسان العربي وإرادته وتحرير المجتمعات العربية المرتهنة والمقموعة.
"الخليج"

التعليقات