26/09/2009 - 08:33

سقوط مرحلة الرهان على أمريكا ماذا بعدها؟../ عصام نعمان

سقوط مرحلة الرهان على أمريكا ماذا بعدها؟../ عصام نعمان
هزيمتان أصابتا العرب في يوم واحد. الأولى سياسية ألحقتها بهم الولايات المتحدة في نيويورك. والثانية ثقافية ألحقتها بهم دول الغرب، وفي مقدمها الولايات المتحدة، في باريس. تاريخ الهزيمتين 22/9/2009.

الهزيمة الأولى موضوعها انهيار الرهان على الولايات المتحدة من حيث قدرتها على إلزام ربيبتها وشريكتها “إسرائيل” بوقف الاستيطان في القدس والضفة الغربية كشرط ومدخل لاستئناف المفاوضات حول قضايا الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967.

الهزيمة الثانية موضوعها إسقاط مرشح مصر وزير الثقافة فاروق حسني في المنافسة الحادة والطويلة على منصب المدير العام لـ“منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة” (يونسكو) بفوز مرشحة بلغاريا ودول الغرب إيرينا بوكوفا، سفيرة بلادها لدى فرنسا واليونسكو.

في كلتي “المعركتين” كان ثمة تضامن عربي استثنائي حول فلسطين ومصر من جهة ووعد من الولايات المتحدة والغرب بدعم الجانبين الفلسطيني والمصري من جهة أخرى. لكن الهزيمة النكراء في كلتي المعركتين ما كانت لتقع لولا نكوص الولايات المتحدة أو عجزها عن الوفاء بوعدها للفلسطينيين وللعرب “المعتدلين”، ولولا تراجع دول أمريكا وأوروبا عن وعود قطعتها للرئيس حسني مبارك بتأييد مرشح مصر لأعلى منصب ثقافي في العالم.

في إمكان العرب المتشددين والمقاومين أن يضعوا كلتي الهزيمتين في خانة من راهن على أمريكا وقدّم لها التنازلات على أمل قيامها بحمل “إسرائيل” على وقف الاستيطان حفظاً لماء وجه محمود عباس ولتشجيعه على استئناف المفاوضات معها. وليسوا هم من قدم التنازلات والتسهيلات للرئيس نيكولا ساركوزي من أجل ضمان تأييد دول الاتحاد الأوروبي للمرشح المصري.

ومع ذلك، ليس من اللائق أن يشمت العرب المتشددون من العرب المتساهلين بعد وقوع الهزيمتين لسببين: الأول، لأنهم سكتوا عملياً عن، بل أيدوا ضمناً، مبادرة أوباما والجهود المبذولة لتجميد الاستيطان، وذلك كي لا يقال إنهم فوتوا على الفلسطينيين فرصة كانت متاحة. الثاني، لأن الخسارة السياسية والمعنوية الناجمة عن الهزيمتين تصيب العرب جميعاً، وتأكل من رصيدهم وتنعكس سلباً على وضعهم وسمعتهم ومكانتهم في مجتمع الدول.

غير أن التعفف عن الشماتة لا يحجب انتصاراً غير مقصود تكشّفت عنه الهزيمتان وهو سقوط الرهان المزمن وغير المجدي على أمريكا. إن مرحلة كاملة لا يقل عمرها عن جيلين قد انتهت أو كادت ولم يعد من الممكن إعادة إنتاجها.

العرب المتساهلون ما عاد في وسعهم إغراء العرب الآخرين، سواء كانوا متشددين أو مستقلين، بجدوى الرهان على أمريكا في كل ما يتعلق بـ“إسرائيل”. فالحقيقة البازغة من كل ما جرى ويجري طيلة السنوات الستين الماضية أن الولايات المتحدة كانت حاضنة لـ“إسرائيل” وشريكة لها، وأنها، في حال ارتأت أن تحدّ ولو قليلاً من غلوائها، غير قادرة على ذلك لأسباب ذاتية وموضوعية.

غير أن هذا الاستنتاج المنطقي لن يحمل بعض العرب المتساهلين على إعادة النظر بعلاقته بأمريكا أو على الانفتاح على نهج سياسي مغاير للنهج الذي يسير فيه حالياً. السبب؟ لأن هذا الفريق لا يحسب حساباً إلا لمصالحه المحلية الضيقة، ولا ينظر إليها من منظور مستقبلي من جهة، ومن جهة أخرى لأن التهديد الأخطر الذي يواجهه إنما ينبع في رأيه من خصومه السياسيين المحليين. إلى ذلك يعتقد عرب آخرون أن إيران، لا “إسرائيل”، أصبحت الخطر الأول على الأمة، وأنه يقتضي تالياً التركيز على مجابهتها بالدرجة الأولى وتقبّل العون السياسي والأمني من أية جهة قادرة على توفيره، سواء كان دافعها المصالح المشتركة أو المخاوف المشتركة.

أياً كان دافع العرب المتمسكين بالتحالف مع أمريكا، وأياً كان أيضاً حجمهم وتأثيرهم، فإنهم سيواجهون مشكلة في الداخل مع القوى السياسية المعارضة والمتربصة بهم التي لن تفوّت فرصة كهذه لاستثمارها في عملية مواجهة الفئة الحاكمة.

أكثر الفئات الحاكمة تضرراً من سقوط الرهان على أمريكا تبقى، بلا ريب، جماعة محمود عباس وسلام فياض. هذه الفئة ليست ضحية نكوص أمريكا وعجزها عن لجم “إسرائيل” فحسب، بل هي أيضاً ضحية العرب “المعتدلين” الذين طالما أغروها وشجعوها على هجر الخط المقاوم والسير في النهج المساوم.

على مفترق انتهاء مرحلة وابتداء مرحلة أخرى، ينهض سؤال خالد: ما العمل؟

تأسيساً على سقوط الرهان على أمريكا وثبوت شراكتها لـ“إسرائيل” أو، على الأقل، عجزها عن لجمها، فإن من المنتظر والمنطقي أن يسارع العرب المعتدلون، بالتعاون مع العرب المتشددين، إلى إعادة النظر في النهج السياسي المتبع حالياً والمتمثل في “مبادرة السلام العربية”، وذلك سعياً إلى إرساء نهج جديد يحفظ حقوق الفلسطينيين، ويساعد على استخلاصها من براثن العدو الصهيوني، كما يؤمّن المصالح العربية العليا. إعادة النظر هذه يجب أن تضع في الحسبان تعثر وضع أمريكا في العراق وأيضاً تعثر حربها في أفغانستان ما قد يؤدي الى انسحابها من البلدين المذكورين وتراجع سطوتها ونفوذها في المنطقة.

إذا أخفق العرب المعتدلون في إدراك حقيقة علاقة أمريكا بـ“إسرائيل” من جهة وأرجحية انحسار هيمنة أمريكا في المنطقة وربما اضطراها إلى الخروج منها من جهة أخرى، فإن قوى المقاومة العربية، لا سيما في فلسطين والعراق ولبنان، تبقى مدعوة دائماً إلى وعي التحديات والتحولات المستجدة ومواجهتها بتسريع الوحدة بين مختلف أطرافها كي يكون في وسعها تشكيل قوة سياسية وكفاحية متكاملة ومقتدرة في سعيها ونضالها لتحقيق هدفين استراتيجيين: الأول، الاعتماد على النفس بالدرجة الأولى. الثاني نسج علاقات وإقامة تحالفات مع قوى الممانعة والقوى المستقلة عن الهيمنة الأمريكية في المنطقة وذلك بقصد بناء اصطفاف جديد للقوى يساعد على توليد ميزان قوى مائل لتنظيمات التحرر والديمقراطية.

أما في فلسطين، فإن نجاح “إسرائيل” من جهة، “وقوات الأمن الوطني” التي دربها الجنرال دايتون ومعاونوه من جهة أخرى على شلِّ المقاومة المسلحة في الضفة الغربية، يجب أن يكون دافعاً لإعادة تنظيم قوى المقاومة وهيئات المجتمع المدني من أجل شن مقاومة مدنية طويلة النَفَس والأمد وإبقاء جذوة التحرر والتحرير نابضة، ومن أجل تعطيل عمليات الاستيطان والتهويد بكل الوسائل المتاحة.
"الخليج"

التعليقات