04/10/2009 - 16:50

الصعود إلى الهاوية../ أيمن حاج يحيى

الصعود إلى الهاوية../ أيمن حاج يحيى
لا يمكننا مواساة بسطاء غزه الذين تهاوت على رؤوسهم قنابل الفسفور الأبيض الإسرائيلي إبان الحرب على غزة، وأحرقت أحبتهم وبيوتهم وكل شيء عند سماعهم الموقف الفلسطيني الرسمي من تقرير جولدستون أو على الأصح الدور الفلسطيني في هذه الفضيحة، لما تحمل في طياتها من نكء للجراح وظلم ومن ذوي القربى، وقد قالت العرب قديما وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند. وقد يكون في هذه الحالة أشد من وقع القنابل الفسفورية على رؤوسهم وليس السيوف فقط.

وفي الحقيقة قد نكون جميعا بحاجه للمواساة إزاء هذا الموقف المخجل والمخجل هو الوصف الأدق لهذا التصرف الغريب والمستهجن والذي من الواضح للعيان أنه ليس قرارا فلسطينيا بل هو إملاء أمريكي إسرائيلي بحت لم يكن أمام رؤوس السلطة إلا ألامتثال له بكل خنوع مستفز دون أي محاوله مرئية لـ"لا" خجولة.

وعلى الرغم من إدراكنا أن فحوى التقرير للقاضي الجنوب إفريقي ريتشارد غودلستون اليهودي الأصل، والذي أعلن عن حبه وغرامه للصهيونية مرات عدة ليس هو ما يطمح له شعبنا من باب إنصافه كضحية مستمرة للإجرام الصهيوني منذ أكثر من عدة عقود، فالتقرير في فحواها ساوى بين الضحية والجلاد، واتهم الطرف الفلسطيني كالإسرائيلي بجرائم حرب قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، وبالرغم أن قتلى الطرف الإسرائيلي بالحرب (المدنيين) لم يتعد الثلاثة وقتلى الطرف الفلسطيني المعروفين (المدنيين) كانوا بالمئات إلا أن التقرير سار على هذا النهج مما دفع حركه حماس قبل أسبوعين وأكثر إلى مهاجمه التقرير واعتباره منحازا وغير منصف، إلا أنه يحمل في طياته ما هو جديد نسبيا.

فهو يضع إسرائيل ولأول مرة في دائرة المحاسبة على جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب طالما تصرف حكام إسرائيل وقادتها على أنهم معفون عن المساءلة عن هذا النوع من الجرائم. ومع معرفتنا التامة أن تقديم التقرير للجنة حقوق الإنسان لن يجعلنا في اليوم التالي نرى ولمرت وليفني واشك نازي يجرون بالأغلال في لاهاي، إلا أن مجرد التجرؤ على اتهام إسرائيل بمثل هذه التهم، ومحاولة إلزامها بتشكيل لجان تحقيق بهذه الجرائم والخضوع تحت طائلة القانون الدولي في حال رفضت هو بحد ذاته إنجاز للشعب الفلسطيني، وخطوة أولى في مسيرة طويلة لتجريم الاحتلال الإسرائيلي دوليا، وعزله ومعركة رأي عام كان لزاما كسبها.

وسط كل هذا يأتي القرار الرسمي الفلسطيني بالموافقة على تأجيل نقاش التقرير دون أي مبرر مفهوم حتى ممن نفذ القرار. وما البلبلة والفوضى الإعلامية في طرف السلطة في تعليقها على موقفها من التقرير إلا تعبير وانعكاس لكون القرار الرسمي مفاجئا حتى لقيادات الصف الأول في السلطة، فذاك ينفي وآخر يبرر، وثالث يهاجم. والأنكى ذلك الذي يحمل ممثل المنظمة في اللجنة المسؤولية عن الموافقة على تأجيل القرار.

حتى أن حركه فتح وقفت مصدومة أمام هذا الموقف، وهذا ما عبرت عنه فتح في بيان لجنتها المركزية الذي أكد على تبنيها لقرارات التقرير والإشادة به، واعتباره تقدما نسبيا لإنصاف الشعب الفلسطيني، ومما حدا بها في بيان لاحق، السبت، إلى مطالبة اللجنة التنفيذية بتشكيل لجنه تحقيق لمعرفه حقيقة اتخاذ القرار، وهذه هي المرة الثانية التي تفاجئ فيها فتح في أقل من أسبوع بموقف يناقض قراراتها، فقبل أسبوع وافق أبو مازن على القمة الثلاثية مع نتانياهو وأوباما في نقض واضح لقرارات فتح بعد المؤتمر بعدم العودة إلى المفاوضات العبثية أو اللقاءات التلفزيونية بدون تحقيق شروط حددها المؤتمر العام السادس وعلى رأسها وقف الاستيطان.

وبالرغم من عدم أمكانيه استيضاح حقيقة موقف فتح حاليا، والتناقض الواضح بين الأقوال والأفعال وعدم التأكد من أن موقف اللجنة المركزية المعارض للقمة الثلاثية ولقرار تأجيل نقاش التقرير هل هو فعلا تناقض في المواقف بين سياسة حركه فتح و قرارات مؤتمرها ولجنتها المركزية أم هو من باب تقسيم الأدوار ولامتصاص نقمة الجماهير على هذه المواقف وبالذات جماهيرها.

حركه فتح لا تستطيع أن تستمر على هذا النمط. وحان لها أن تدرك أنها تلعب بالوقت الضائع والحركة اليوم أمام خيارات ليست هينة بل مصيرية، وقد جاء وقت الحسم ما بين أن تسمح فتح للقيادة المتنفذة فيها بالاستمرار بالصعود بها إلى هاوية الانتحار والزوال كحركة تحرر وطني أو الثورة لنفسها ولكرامتها ولكرامه شهدائها وأسراها وجرحاها وتاريخها الثوري العريق وتتشبث بمكانتها الوطنية وسط جماهيرها وفي صدارة مواجهة الاحتلال مهما كان الثمن .

ليس أمام فتح التاريخية كرائده وحاميه المشروع الوطني إلا أن تستمر بأن تكون حامية هذا المشروع وحتى ممن تتدثروا بعباءتها إن لزم الأمر، ولا يمكن أن تقبل على نفسها بأن تكون مطية لمن يقودها ويقود المشروع الوطني كله إلى الهاوية.
.......
"انصر أخاك ظالما أو مظلوما.. قالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: تأخذ فوق يديه" (حديث شريف)

التعليقات