26/10/2009 - 11:15

الصَّدى المُكبََّل / اليف صباغ

-

الصَّدى المُكبََّل / اليف صباغ
لا يختلف اثنان أن تقرير غولدستون والمحاولات الفاشلة لتأجيل إقراره وتبنيه في المجلس الدولي لحقوق الإنسان، خلق، وما يزال، تفاعلات محلية ودولية أدت إلى إعادته لطاولة المجلس وإقراره رغم انف الولايات المتحدة واسرائيل. على الرغم من أهمية هذه النتيجة، وربما لحصول ما حصل، بات من الضروري التمعن بهذه التفاعلات والتعمق في دوافعها ومضامينها والقوى المحركة لها، هذه العناصر مجتمعة هي التي أوصلتنا إلى النتيجة المرجوة وإن كانت مرحلية فقط، أما التمعن بها فربما يشير الى اصطفاف دولي من نوع آخر قد يوصلنا الى تحقيق نجاحات اكبر بكثير، ليس على المستوى المحلي فقط، بل على المستوى الدولي.

أثبت الحراك المحلي والدولي أن قضية فلسطين ومعاناة الشعب الفلسطيني المشرد من وطنه والقابع تحت نير المستعمر والمحتل الإسرائيلي، ما تزال هي القضية رقم واحد دوليا، ليس على المستوى الرسمي فقط بل على المستوى الشعبي أيضا، وهي القضية التي تستطيع ان تستقطب اهتمام القوى العالمية على ضفتي نهر المعركة المتدفق عرقا ودماءً، واثبت الحراك الشعبي المحلي والدولي وخاصة من خلال منظمات حقوق الإنسان أن أي محاولة لتغييب جماهير الشعب الفلسطيني وهيئاته المدنية عن ديناميكية اتخاذ القرار سيفشل، طالما هناك شعب يقاتل لاسترداد حقوقه وطالما أن هناك مثقفون ابتعدوا عن فساد السلطة السياسية والتحموا بجماهير شعبهم وقوى صديقة في العالم تناضل من أجل الحرية وتقديم مجرمي الحرب إلى العدالة البشرية. واثبت هذا الحراك ان ما حرك هذه القوى ليس الدفاع عن الإنسان الفلسطيني وحده، بل كان الإنسان الفلسطيني، ضحية هذا الإجرام الممنهج، مثالا لضحايا الحروب الإجرامية التي تقودها الولايات المتحدة واسرائيل في هذا العصر. وكان موقف السلطة الفلسطينية المتواطىء مع القوى السياسية الكبرى مثالا لما يمكن ان تقوم به أي سلطة سياسية على حساب الضحايا بحجج مختلفة. لكن الاستنتاج الأهم، أنه مهما بلغت رغبة ومحبة وتضامن أنصار الحرية والعدل في العالم مع شعب الضحايا لن يستطيعوا تحريك العجلة دون حراك القوى الشعبية ذات الشأن.

لاحظنا خلال الفترة السابقة تناغما وتنسيقا بين القوى السياسية الرسمية ، الفلسطينية والعربية والدولية من أصدقاء وأعداء حتى وصل هذا التناغم إلى توافق مع المجرم نفسه لتأجيل تبني التقرير وربما كان هذا التأجيل يهدف إلى أبعد من ذلك وأقصد إهمال التقرير ودفنه في مهده. هذا التوافق لم يكن صدفة إذا وضعناه في ميزان المصالح للأنظمة السياسية وفي إطار النهج الحميري بين الدول: "حك لي بحك لك" او بكلمات شعبية أخرى "غطي علي وبغطي عليك". لقد اثبت الحراك الشعبي، بمساعدة ودية من وسائل الإعلام، ودخول قوى المجتمع المدني المشبعة بالمثقفين والمفكرين والناشطين إلى ميدان المعركة بقوة غير مسبوقة، قدرته على قلب الموازين وكأنهم يقولون للقوى السياسية: لستم وحدكم في المعركة، ولستم من يقرر ماهية الحقوق والعدالة في هذا العالم، وكان لهذا تأثير كبير حتى على بعض الأنظمة السياسية عند اتخاذ القرار في المجلس الدولي لحقوق الانسان. هذا يؤكد من جديد ضرورة العمل على تحرر المجلس كليا من قيوده لارتباطه بالأنظمة السياسية، وجعله مجلسا يمثل الإنسان وهيئاته ومؤسساته المدنية، أينما كان هذا الانسان، وبغض النظر عن انتماءاته القومية والعرقية والدينية ...الخ، لا مجلسا مقيدا بالمصالح السياسية للدول.

لوحظ أيضا تبلور نهج دولي من نوع جديد، بموجبه يمكن أن تتصالح القوى السياسية فيما بينها على اختلاف تناقضاتها، على حساب مصالح الإنسانية وحقوق الإنسان والعدالة والحرية، كل ذلك يمكن أن يحدث في الغرف المغلقة من فوق الطاولة او تحتها، وذلك عند تغييب الشعوب وقوى المجتمع المدني من محيط هذه الطاولة. بذلك تصبح حقوق الإنسان رهينة لمصالح القوى الكبرى والأنظمة السياسية الأقوى، وهذا ما يفقد المجتمع الديموقراطي قدرته على التأثير في الأحداث ونتائجها.

بهذه المفاهيم وهذه الروية يتوجب علينا متابعة تقرير غولدستون في المستقبل القريب إن كان في مجلس
الأمن حيث يمكن ان يدفن التقرير بالفيتو الامريكي على الأقل، أو في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. إن دفن تقرير غولدستون في أي من الهيئات الدولية بدوافع سياسية للأنظمة المتغطرسة والمتورطة في جرائم حرب في مناطق مختلفة من العالم، يحتم على قوى الحرية والعدالة هنا وفي العالم العمل على تغيير آليات تطبيق القانون الدولي الإنساني بحيث تتمكن الشعوب من تطبيقه بتقديم مجرمي الحرب إلى المحاكم الدولية العادلة. كل مراقب بعلم ان القانون الدولي الإنساني على أهمية مضمونه وأهدافه الا انه مقيد بآليات عمل تمنع تطبيقه في الواقع، هذه الآليات وضعتها القوى السياسية العظمى لحماية أنفسها، وهي التي تقوم بأبشع الجرائم ضد الإنسانية، ليس فقط في فلسطين، بل في العراق وأفغانستان وباكستان وأماكن أخرى في العالم، وبذلك يبقى "المجرم" الوحيد هو ذلك الذي لا إصبع فيتو له ترفع في مجلس الأمن. هذه المهمة ليست مصلحة فلسطينية فقط بل هي مصلحة انسانية لكل الشعوب المقهورة والقوى المحبة للحرية والعدالة البشرية.



البقيعة - الجليل الفلسطيني

التعليقات