04/12/2009 - 11:59

القدس أولا../ د.جمال زحالقة

القدس أولا../ د.جمال زحالقة
تواردت الأنباء عن نية الاتحاد الأوروبي اتخاذ قرار رسمي بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة فلسطين، ولحقتها أخبار عن تقرير سري أعدّه الاتحاد الأوروبي، يفضح الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في المدينة ويوصي باتخاذ إجراءات أوروبية ضد المستوطنين في القدس ودعم الوجود الفلسطيني السياسي والاجتماعي فيها.

ويبدو أنَّ أوروبا توصلت إلى استنتاج بأنَّ الإجراءات الإسرائيلية في القدس قد تغلق الباب تماماً أمام أي إمكانية لحل الدولتين، لذا بدأت تحركات لتدارك الأوضاع من جهة واستغلال منفذ القدس حتى تقوم أوروبا بدور ما في القضية الفلسطينية، حتى لو كان هذا الدور يجري بتنسيق مع الإدارة الأمريكية الجديدة، التي أعلنت أنَّها لا تريد أن تكون اللاعب الوحيد في الصراع.

المعلومات التي كشف عنها التقرير الأوروبي السري ليست جديدة، والمهم فيها هو أن أوروبا بدأت تعي حجم وخطورة مشروع تهويد القدس. إذا أخذ الاتحاد الأوروبي بالتوصيات التي تضمنها التقرير والتي تتضمن مقاطعة أوروبية شاملة للمستوطنين في القدس ومصالحهم وحتى منعهم من دخول الأوروبية، وإذا أرفق الاتحاد الأوروبي ذلك باعتراف رسمي بالقدس عاصمة لدولة فلسطين فسيكون ذلك تحركاً فعلياً يتجاوز لغة الاحتجاج ولغة "التعبير عن القلق" اللتين تعودنا عليهما ولم يكن لهما أي تأثير وأُثر.

هناك مجال للشك فيما إذا كان الأوربيون جديين فعلاً في التعامل مع قضية القدس، ولكن حتى ولو أخذوا بالتوصيات، وهي لم تتحول بعد إلى قرارات، فإن السؤال يبقى ما هي القدس التي تتحدث عنها أوروبا والولايات المتحدة وحتى بعض الأطراف العربية. هل هي القدس بحدود عام 67، أم قدس خطة براك كامب ديفيد أم قدس مبادرة جنيف.

لا يعترف أحد في العالم بضم القدس إلى إسرائيل، والموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبقية دول العالم يقر حدود الرابع من حزيران كحدود القدس. الموقف العملي والفعلي لهذه الدول مختلف تماماً، فهو يستند بشكل أو بآخر إلى المعادلة المسماة "معادلة كلينتون"، والتي اقترحها الرئيس الأمريكي السابق عام 2000، غداة فشل مؤتمر كامب ديفيد الثاني. وتقول المعادلة "ما هو عربي لفلسطين وما هو يهودي لإسرائيل"، وبكلمات أخرى تبقى المستوطنات مثل جيلو والتلة الفرنسية وجبعات زئيف وغيرها مع إسرائيل في حين تكون الأحياء العربية مثل شعفاط وبيت صفافا ووادي الجوز جزء من الدولة الفلسطينية العتيدة. بالطبع لا كلام عن الأملاك الفلسطينية في القدس الغربية في أحياء مثل الطالبية والبقعة والشيخ بدر والقطمون وغيرها.

عملياً، تعتمد الاستراتيجيات الإسرائيلية بالنسبة للقدس على التعامل مع معادلة كلينتون. وبالمجمل فإن المؤسسات والهيئات الإسرائيلية التي تعمل في القدس الشرقية، وهي كثيرة وفعالة جداً، في سباق مع الزمن لفرض الأمر الواقع وتهويد أكبر مساحة ممكنة، حتى إذا جاء وقت فرض معادلة كلينتون تكون إسرائيل قد سيطرت على معظم ما تريده في القدس. بموازاة ذلك، هناك منظمات وقوى سياسية مؤثرة تعمل من أجل إفشال معادلة كلينتون من خلال خلق بؤر يهودية في قلب الأحياء العربية وتوزيع المستوطنين في كل مكان في القدس، مما يجعل تطبيق المعادلة عصية بل مستحيلة التطبيق. ما تقوم به أوروبا، عملياً هو محاولة لانقاذ معادلة كلينتون من محاولات إفشالها أو إفراغها من مضمونها.

لا تكمن المأساة فقط في الموقف الأوروبي والأمريكي الذي يقبل عملياً بتقسيم القدس الشرقية وليس فقط بتقسيم القدس بين شرقية وغربية. هناك قيادات فلسطينية وافقت على اعتماد مبدأ كلينتون، وأجرت مفاوضات رسمية وغير رسمية حول تقسيم القدس الشرقية، بما يضمن بقاء المستوطنات الإسرائيلية الكبرى فيها.

كيف يمكن ان نطالب أوروبا بالإصرار على حدود الرابع من حزيران في القدس، في حين قبلت قيادات فلسطينية بالتنازل عنها؟ أضعف الإيمان أن يكون هناك موقف فلسطيني وعربي رسمي يثبت الحقوق كما نصت عليها الشرعية الدولية بالنسبة للقدس، وهو عدم الاعتراف بكل ما قامت به وبنته وسيطرت عليه قوات الاحتلال الإسرائيلية في القدس وخاصة المستوطنات، حتى لو بلغ عدد سكانها مئات الألوف، والإصرار على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بالكامل لأي جزء من القدس الشرقية، وليكن ذلك أولاً وليس آخراً كما نصت اتفاقيات أوسلو.

يجب أن يكون هناك رفض فلسطيني واضح لمعادلة كلينتون، فلا يعقل القيام بتنازلات فعلية في مفاوضات وهمية، لا يبقى منها سوى أن بعض القيادات الفلسطينية وافقت على استبدال تقسيم القدس بتقسيم القدس الشرقية.

يجدر الترحيب بالتوصيات الأوروبية بالنسبة للقدس ونأمل أن تتحول إلى قرارات وعمل، ولكن الخطوة القادمة هي الضغط حتى يكون الموقف ليس فقط الاعتراف بالقدس عاصمة، بل أيضاً التأكيد رفض تقسيم القدس الشرقية وعلى إنهاء الاحتلال عنها بالكامل بما في ذلك المستوطنات التي يسمونها أحياء.

التعليقات