08/12/2009 - 10:19

القدس.. والدولة.. على صفحة من التلمود../ نزار السهلي*

القدس.. والدولة.. على صفحة من التلمود../ نزار السهلي*
إذا كان الإرهاب سمة أساسية من سمات الصهيونية، وإذا كانت الدوائر الصهيونية قد مهدت له إيديولوجيا منذ مؤتمرها الأول، وأنشأت له الأحزاب والمنظمات الإرهابية لترتكب أساليب الهمجية والوحشية للدفع بالفلسطينيين لترك أراضيهم وممتلكاتهم، تمهيدا لإقامة وزرع الاستيطان الصهيوني عليها، فان دولة الاحتلال المتمثلة بتلك الأحزاب قد طورت من أساليبها القمعية والوحشية ضد الشعب الفلسطيني، نتيجة لمقاومته كل أساليب الاحتلال وفضحها أمام العالم، فأي متابع لما يجري داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة في الأسابيع والأيام القليلة الماضية، يستطيع أن يلاحظ تصاعد وتيرة الاعتداءات على المقدسيين، استيطانا واستيلاء على منازل المقدسيين، كخطة خارجة من تعهد نتنياهو الأجوف بتعليق الاستيطان الذي لم يشمل القدس، وبعد تقديم الورقة السويدية للاعتراف بالمدينة عاصمة فلسطينية، كمبادرة تقدمت بها رئاسة الاتحاد الأوربي الممثلة باستوكهلم والتدخل الفرنسي لإدخال بعض التعديلات عليها لامتصاص غضب إسرائيل من هكذا خطوة، التي بالمقابل جوبهت بحملة إسرائيلية دولية تحول دون تبني فكرة تقسيم القدس، التي تؤكد إسرائيل على أنها عاصمتها الأبدية وخارج أي مفاوضات في المستقبل وعبر فرض وقائع التهويد والتغيير الديمغرافي والجغرافي.

إن أحد أهم التطورات التي حدثت بعد انطلاق عملية التسوية منذ مدريد إلى اليوم، هو تكاثر البؤر الاستيطانية في القدس ومحيطها مترافق مع عدوان متصاعد على سكانها بهدف تحويل الحلم الصهيوني إلى حقيقة واقعة في المدينة المقدسة، في الوقت الذي تشتد فيه الهجمة الصهيونية على الشعب الفلسطيني، وحصاره برا وبحرا وجوا.

يجري الحديث عن إمكانية الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية، والتأكيد الصهيوني على مواصلة عدوان الاستيطان في القدس والضفة. وبغض النظر عن انقضاء مهلة التعليق المؤقت التي تحاول دولة الاحتلال من خلاله الإفلات من مأزق الضغوط الدولية المطالبة بوقف وتجميد الاستيطان، لإنقاذ عملية السلام، يتحدث بنيامين نتنياهو، انه لا تعليق آخر للاستيطان سواء طالب الجانب الفلسطيني باستئناف المفاوضات أم لا بعد انقضاء الشهور العشر.

هذه النتائج تعكس بوضوح ذلك الميل المتزايد نحو العدوان ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة متزامن مع العدوان على مدينة القدس، والحصار والاستيطان والاعتقالات اليومية، وإجراءات الترهيب والهدم والملاحقة لعرب ال48، مع الاشتراطات الإسرائيلية للاعتراف بيهودية الدولة كنتاج لأية عملية " تفاوضية" في المستقبل، هو جواب واضح حول مستقبل وهوية الكيان الصهيوني في خريطة المنطقة، وهو عدم وضوح في المواقف الدولية، المنادية أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، دون مطالبة وإجبار إسرائيل على رفع الحصار والاعتراف بالقرارات الدولية ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي والانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة حتى خط الرابع من حزيران 67 وعودة اللاجئين وفق القرار 194 وإزالة كل المستوطنات والمستوطنين من الأرض الفلسطينية.

يبقى أن نشير إلى أن حالة الانتظار، التي تعيشها السياسة العربية إزاء الأحداث الجارية في فلسطين، من عدوان واستيطان وسلب للأراضي وفرض للأمر الواقع في القدس والخليل ونابلس وكل المدن الفلسطينية في الضفة وغزة وداخل الخط الأخضر، تؤشر إلى مستقبل لا مكان فيه للسلام في المنطقة في ظل وجود حكومة عنصرية في إسرائيل بأهداف واضحة، مقابل استراتيجية عربية وفلسطينية منقسمة على نفسها وعاجزة عن صد الاعتداءات الإسرائيلية، المستمرة منذ ستة عقود على الشعب الفلسطيني وعلى شعوب المنطقة، بقراءة عربية وفلسطينية مغلوطة لمسيرة الحركة الصهيونية وأهدافها وأطماعها في المنطقة العربية وبروز الفشل في الخيار العربي والفلسطيني من العملية السلمية التي استطاعت إسرائيل معها كسب الوقت والأرض

التناقض الواضح بين محاولة التمسك بخيار المفاوضات، ومواجهة الاعتداءات الإسرائيلية التي تستهدف نسف أسس أي عملية "سلمية" تشكل أساس المعضلة في التعاطي العربي والفلسطيني مع الخيارات التي ترسمها دولة الاحتلال للسياسات الرسمية العربية والفلسطينية عبر استقطابها من خلال شعارات تعليق الاستيطان والابتعاد عن الخوض في عمق الصراع المتمثل في إنهاء الاحتلال كاملا، و الإذعان للقرارات الدولية كرزمة واحدة على طاولة المفاوضات.

ومع استمرار الانقسام الفلسطيني والعربي في تقديم رؤية وموقف موحد من الصراع العربي – الإسرائيلي، تكون إسرائيل قد نجحت بالفعل في استكمال مخططاتها العدوانية القاتلة والمدمرة لأي كيان فلسطيني، روجت له إسرائيل مع حليفتها الولايات المتحدة عن الرؤية الأمريكية والإسرائيلية لدولة فلسطينية تعيش بسلام بجانب "إسرائيل " منزوعة السلاح ومقطعة الأوصال ولا حدود لها ولا سيطرة لها على أي من مقومات الحياة في الحدود والأمن والمياه وخروج القدس واللاجئين من أية معادلة، لتقدم لنا دولة على صفحة من التلمود.

التعليقات