16/12/2009 - 08:25

العنف ضد المرأة: فلسطين والخليج../ منى عباس فضل*

العنف ضد المرأة: فلسطين والخليج../ منى عباس فضل*
العنف الذي تعانيه الفلسطينيات أشبه بالجحيم، إن لم يكن الجحيم بعينه. ففي الوقت الذي تكشف فيه الوقائع والدراسات عن الوجه القبيح للعنف ضد الخليجيات في ظل غياب القوانين التي تجرّمه، فإن ما ترزح تحت وطأته الفلسطينيات يأخذ بعداً مأساوياً مزدوجاً.

ويمكن تبين ذلك بمقاربة العنف على المستويين الخليجي والفلسطيني.

خليجياً سجلت الوقائع والدراسات غياب قانون يجرّم العنف ويوفر الحماية للنساء. يمكن ملاحظة انتشار العنف عبر مؤشر ارتفاع حجم الدعاوى المرفوعة في المحاكم البحرينية (من 950 إلى 3063 دعوى بين 1995ـ2008 أغلبها لقضايا أسرية)، وكذا استقبال مراكز الدعم الرسمية والأهلية نحو 1973 حالة عنف خلال السنوات الأخيرة.

أما في السعودية، فقد كشفت دراسة محلية عن شيوع العنف الاجتماعي (اللفظي) والاقتصادي ضد السعوديات، وأشارت نتائجها إلى أن المرأة المتزوجة غالباً ما تقع ضحيته، وهو يتمثل في منعها من العمل وتقييد حركتها، وتجاهل أخذ رأيها في اختيار الشريك، وتزويجها من شخص يكبرها سناً، والاستيلاء على دخلها وإنكار حقها في الميراث أحياناً رغم عدم إقرار المحاكم الشرعية بذلك.

الدراسة وجدت أن العنف الجنسي والبدني أقل انتشاراً، ووزارة العدل سجلت عام 2007 نحو (130) ألف حالة زواج مقابل (28) ألف حالة طلاق، أي بمعدل (357) حالة زواج مقابل (78) طلاقاً يومياً.

وفي الإمارات، استقبلت وحدة الدعم الاجتماعي في الشارقة (95) حالة عنف أسرية تمثلت في اعتداءات جسدية «ضرب، كدمات، اعتداء جنسي، ترهيب وإذلال» (منها 24 عائلية)، و(19%) انحرافات سلوكية، و(17%) خلافات زوجية، و(6%) تغيب عن المنزل، و(8%) عنف وإهمال أسري. اتضح أن البنات والفتيات ينلن النصيب الأكبر من هذه الحالات، (حوالى 63%) حسب إحصاءات الشرطة عام 2008.

ليس الوضع في قطر أحسن حالاً، إذ خلصت دراسة محلية عنوانها «العنف ضد المتزوجات» إلى غياب النصوص القانونية التي تعاقب على العنف المنزلي أو الجرائم التي تحدث في إطار الأسرة، وهذا النقص يفسح لممارس العنف مساحة أوسع على من هم تحت ولايته.

القانون لا ينص على «جرائم الشرف» التي تصل إلى حد القتل أو الحبس داخل المنزل، وبرغم حدوث هذه الجرائم، إلا أن أقصى عقوبة لها لم تزد عن سنوات عدة سجناً، وخوف الناس من «الفضيحة» أضحى أقوى تأثيراً من الخوف من القانون بسبب عدم فاعليته وإهماله هذه الجرائم التي تتزايد يومياً، علماً بأن الدراسة أجريت على (1117) قطرية متزوجة، وأبرز نتائجها أن 38% من المبحوثات غير راضيات عن حياتهن الزوجية.

أما على المستوى الآخر، فالفلسطينيات يتحملن نتائج الاحتلال الإسرائيلي بسبب الانتهاكات اليومية والتوسع في المستوطنات والحصار والقيود التي يفرضها جيش الاحتلال على كل الأراضي المحتلة وقطاع غزة، ما فاقم من ظاهرة الفقر والبطالة والمشاكل الصحية، فضلاً عن حظر التجول الذي يضطر العشرات من الفلسطينيات للولادة عند نقاط التفتيش وقارعة الطريق، وفقد أطفالهن بسبب منعهن من المرور، إضافة إلى عجز الآلاف منهن من الوصول إلى المرافق الطبية للحصول على الرعاية السابقة واللاحقة للولادة.

تتكشف المأساة أكثر فأكثر لدى النظر إلى دور الاحتلال في إضعاف آليات الحماية بسبب حصار الجيش الإسرائيلي وقيوده التي تحد من قدرة الفتيات المعرضات لخطر القتل أو الأذى جراء «جرائم الشرف» من اللجوء إلى الحماية، إلى جانب ظاهرة إفلات الرجال من المحاسبة على هذه الجرائم، مما شجع على ارتكابها.

ولا تتوافر إحصائيات دقيقة لهذه الجرائم، حيث لا يُبلّغ عنها إلا كحالات وفاة عرضية أو انتحار. ويحدث أن مجرد وجود شكوك وشائعات بأن الابنة أو الشقيقة قد تصرفت بما يلطخ شرف العائلة، وإن لم تكن صحيحة، أو تعرّض النساء للاغتصاب يكفي لكي ترتكب بحقهن جريمة القتل.

هنا يبين استطلاع جرى عام 2007 وشمل (1200) شخص، أن لديهم موقفاً مرتبكاً تجاه العنف ضد النساء، إذ أبدى (36.8%) تفهمهم لبعض حالات ضرب المرأة التي لم تعتن بأطفالها، و(37.9%) منهم لخروجها من بيت الزوج من غير علمه و(30.5%) من المبحوثين تفهموا عملية القتل التي تحصل على خلفية ما يسمى «بشرف العائلة».

ثمة مشهد آخر يعكس هول معاناة الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال. فمنهن الأمهات اللاتي أنجبن تحت ظروف الأسر القاسية أو تركن أطفالهن دون رعاية، وبعضهن طالبات وفتيات قاصرات دون سن 18 عاماً، وأخريات يعانين أمراضاً خطيرة. ويُهدّدن وتُساء معاملتهن بممارسة الضغط على أزواجهن لتسليم أنفسهم أو للتوقيع على الاعترافات، فضلاً عما يتعرضن له من ضرب أو صفع أو لكم وتحرش واعتداء جنسي وتهديد بهدم منازل العائلات وإصدار أحكام طويلة ومؤبدة بالسجن عليهن وتهديدهن بجلب أطفالهن للاستجواب.

في هذا الشأن، تفيد بيانات منظمة العفو الدولية بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت منذ عام 1967 أكثر من (10,000) فلسطينية، (800) منهن تعرضن للاختطاف. وتقارير الأمم المتحدة تشير إلى تأثر الفلسطينيات الشديد جراء عمليات هدم المنازل، وإلى التوتر المتزايد داخل العائلات المتضررة، مما يزيد من العنف العائلي.

كما لاحظ دعاة حقوق المرأة اقتران مستوى زيادة العنف والتهديد الذي يتعرض له الفلسطينيون على يد الجيش الإسرائيلي بزيادة ممارسة العنف على المرأة الفلسطينية في المنزل، خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، وحتى أثناء العدوان الصهيوني على غزة. إذ بيّن مسح لصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة شمل (1100) أسرة في غزة بعد الحرب الأخيرة، وجود زيادة في حدة العنف خلال الحرب وبعدها، وارتفاع لحالات الطلاق.

وكشفت دراسة أخرى أجريت في غزة أن نحو (60%) من المبحوثات تعرضن للعنف الجسدي أو اللفظي، وأغلبهن يعشن في بيت العائلة الممتدة لأزواجهن بسبب تدمير إسرائيل منازل آلاف العائلات، فضلاً عن معاناة الكثيرات من الزيجات القسرية أو المبكرة، وتعدد الزوجات. وغالباً ما تتعرض الزوجات اللواتي استشهد أزواجهن للضغط عليهن من أجل الزواج من شقيق الزوج، لا سيما إذا كان لديهن أطفال.

إلى جانب ما سبق، هناك القانون الذي فرضته إسرائيل عام 2003 بمنع جمع شمل الفلسطينيين حاملي الهويات الإسرائيلية المتزوجين من فلسطينيات في الأراضي المحتلة، مما جعلهن يعشن مع أزواجهن الإسرائيليين أو المقدسيين بصورة غير قانونية، فأصبحن أسيرات المنازل خشية القبض عليهن وطردهن إلى الأراضي المحتلة، وبالتالي الانفصال عن أزواجهن وأطفالهن.

خلاصة القول، صحيح أن ظاهرة العنف ضد نساء الخليج تمثل ثقباً أسود، يتوجب على الجهات الرسمية والأهلية الاعتراف بوجوده والتصدي له ومواجهته، للتخفيف من حدة الظاهرة وتداعياتها، بل من أجل القضاء عليها، إلا أن الصحيح أيضاً أن مستوى المشكل فلسطينياً يأخذ بعداً مأساوياً، مما يفرض على الأنظمة العربية وشعوبها مسؤولية مزدوجة في أخذ زمام المبادرة لمواجهة واقع الاحتلال الصهيوني وما يفرزه من عنف وانتهاك لحقوق الفلسطينيين، لا التطبيع معه.
"الأخبار"

التعليقات