03/08/2010 - 11:24

القمة الثلاثية والشرط السابع المرجح../ محمد السعيد إدريس

القمة الثلاثية والشرط السابع المرجح../ محمد السعيد إدريس

وضعت القمة الثلاثية التي عقدت في بيروت يوم الثلاثين من يوليو/ تموز الفائت بين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري بشار الأسد والرئيس اللبناني ميشال سليمان بحضور رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ستة شروط لضمان استقرار لبنان ومواجهة الأمواج العاتية التي تهدد هذا الاستقرار هي: الاستمرار في دعم اتفاق الدوحة، واستكمال تنفيذ اتفاق الطائف، ومواصلة عمل هيئة الحوار الوطني، والالتزام بعدم اللجوء إلى العنف، وتغليب مصلحة لبنان العليا على أي مصلحة فئوية أو فردية، وأخيراً الاحتكام إلى الشرعية والمؤسسات الدستورية وإلى حكومة الوحدة الوطنية لحل الخلافات.

هذه الشروط الستة تخص، في الأساس، ما يمكن وصفه بـ“التهديدات الداخلية”، لذلك جاءت الإشارة إلى “التضامن مع لبنان في مواجهة تهديدات “إسرائيل” وخروقاتها اليومية لسيادته واستقلاله وسعيها لزعزعة استقراره”، ولكنها إشارة لا ترقى إلى مستوى خطورة هذه التهديدات، والتعبير عن مجرد “التضامن” لا يعكس تلك الخطورة التي تصل إلى مستوى وجود قرار “إسرائيلي” بشن الحرب على لبنان لا يعطله إلا مجرد وصول “الإسرائيليين” إلى قناعة باليأس من تفجير لبنان من الداخل واشتعال الحرب بين القوى اللبنانية الداخلية، وهو التفجير الذي تنتظره “إسرائيل” بفارغ الصبر على قاعدة صدور “القرار الظني” للمحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في جريمة اغتيال رفيق الحريري رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، والذي تعلم “إسرائيل” مضمونه قبل أن يصدر، وتعلن، من دون أي تحسب أو تردد أنه سيوجه الاتهام بقتل الحريري إلى عناصر قيادية في “حزب الله”.

الرهان “الإسرائيلي” على الفتنة الداخلية لم ولن يتوقف، بل يتصاعد، والانقسام على سلاح المقاومة هو الآخر يتصاعد، وامتداد الانقسام على المقاومة نفسها يتصاعد أيضاً، حتى إنها تحولت إلى “عدو” لدى قطاعات لبنانية حتى وصلت الحرب على المقاومة إلى أحد أهم ركائزها وهو قطاع الاتصالات والمعلومات، فكان قرار الخامس من مايو/ أيار عام 2008 القاضي بضرب شبكة اتصالات حزب الله الأرضية (اللاسلكية) وإنهاء نفوذ المقاومة في مطار لبنان حرباً حقيقية ضد المقاومة. وإذا كانت المقاومة قد أجهضت هذه الحرب وأفشلتها فإنها تتجدد الآن، لأن السيطرة “الإسرائيلية” على قطاع الاتصالات اللاسلكية عبر شركات الاتصالات والجواسيس أضحت كاملة حسب تأكيدات السيد حسن نصر الله في خطابه (16 يوليو/ تموز 2010) بمناسبة يوم الجريح المقاوم، وانكشاف أمر الجاسوس شربل قزي من جانب الاستخبارات العسكرية اللبنانية، وما توفر من معلومات جديدة تربط بين محاولات لتوريط المقاومة و”حزب الله” شخصياً في جريمة اغتيال رفيق الحريري عبر قرار اتهام يجري اعداده وفبركته تحت إشراف المدعي العام في محكمة الحريري القاضي دانيال بلمار، هذا كله، يكشف أن الحرب على لبنان أضحت وشيكة ما يفرض على كل الأطراف الحريصة عليه أن تعلن رفضها لهذه الحرب، وأن تعلن أنها ستكون إلى جانب لبنان وستدافع عنه ولن تكتفي بمجرد التضامن.

وإذا كانت القمة الثلاثية قد أعطت الاهتمام الأكبر لمواجهة التهديدات الداخلية، ووضعت شروطاً ستة لذلك، فإن المدخل الأنسب للتوجه نحو توفير هذه الشروط يجب أن يبدأ بنزع فتيل الانفجار الداخلي وهو اتخاذ موقف جماعي من الأطراف الثلاثة المشاركة في القمة من ذلك “القرار الظني” الذي يجري الترويج له ويوجه الاتهام إلى عناصر من “حزب الله” باغتيال رفيق الحريري، موقف يتجاوز كل مضمون القرار ولا يؤجله أو يجمده، بل ويمتد إلى خلفياته أيضاً التي هي جوهر القضية، وهي الموقف من المقاومة والسعي “الإسرائيلي” الدؤوب المدعوم أمريكياً، والذي يجد استجابات داخلية لبنانية وأخرى عربية للتخلص من المقاومة باعتبارها العقبة التي تحول دون انخراط لبنان، منذ سنوات، في تيار التطبيع، في وقت كان يأمل “الإسرائيليون” بأن يكون لبنان بمثابة “سوق الترويج”، الأساس لعملية التطبيع على المستوى العربي كله.

مثل هذا الموقف المطلوب من المحكمة وقرارها الذي يبدو أنه جرى تفصيله على مقاس المقاومة بعد التراجع عن تفصيل آخر كان قد أعد على مقاس سوريا، يجب أن ينبع من قناعة مشتركة لكل الأطراف بأن هذا القرار ليس إلا مجرد قرار سياسي هدفه المقاومة . وإذا كان الرئيس السوري قد أجاد التعبير عن هذا الموقف، فإن ما تبقى هو قناعة السعودية ورئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بالموقف ذاته، انطلاقاً من وعي بأهمية الحفاظ على وحدة لبنان واستقراره والأخذ في الاعتبار أن المؤامرة “إسرائيلية”، وأن “حزب الله” يعي هذه المؤامرة وخلفياتها وأطرافها ولن يقبل بأي مساس به أو بالمقاومة.

فالمعلومات المنقولة عن القمة الثنائية السورية السعودية التي عقدت في دمشق، ثم القمة الثلاثية السورية السعودية اللبنانية التي عقدت في بيروت، تكشف أن التوجه الواضح للرئيس السوري من هذه القضية هو “إنهاء المحكمة الدولية” من منطلق أنها أضحت عبئاً سياسياً ثقيلاً على لبنان وعلى استقراره، وأن التجربة التي خبرتها سوريا مع هذه المحكمة، عندما وجه التحقيق الدولي شبهات إليها ثبت بطلانها رغم تعاون سوريا معها، لا تبرز عناصر مشجعة على المضي في المحكمة والتيقن من عدم تسييسها . أكثر من ذلك أن الرئيس السوري على يقين بأن “حزب الله” لن يقبل بتأجيل “قرار الاتهام” أو “القرار الظني” الذي جرى الترويج، على الأقل “إسرائيلياً”، إلى أنه يتهم الحزب باغتيال الحريري، ولن يقبل بتسويات تقع في هذا النطاق.

وتأكيداً لهذه القناعة السورية، فإن “حزب الله” أبلغ المعنيين في لبنان وخارجه أنه غير معني بأي بحث يستهدف إبقاء التهمة موجهة إليه، وأن من يريد معالجة الأمر عليه الانطلاق من إزالة الظلم القائم خلف الاتهام، كما حرص الحزب على تزويد جهات محلية وأخرى اقليمية بمواد ومعلومات تعد كافية لتبرير موقفه برفض مجرد الاتهام، كما أنه لن يطلب من أي جهة مطلباً محدداً، لكنه يرفض جره إلى تسوية تقوم على قاعدة تأجيل صدور القرار الاتهام، لأنه يرى في ذلك ترحيلاً للأزمة، وتأجيلاً لإعلان الاتهام كي يبقى سيفاً مسلطاً على رقبة المقاومة لابتزازها داخلياً وإرباك استعدادها لحرب مع “إسرائيل” يدرك الحزب أنها أضحت شبه مؤكدة وليست مجرد محتملة.

بهذا المعنى، فإن الشروط الستة التي أقرتها القمة تبقى في حاجة إلى شرط آخر سابع، وهو اتخاذ موقف واضح وصريح من المحكمة الدولية وقرارها، وإلا فإنها ستبقى شروطاً افتراضية لواقع لم تتأسس قواعده بعد، وبالذات واقع يدرك أن “إسرائيل” مازالت وستبقى هي العدو، وأن المقاومة هي درع لبنان وليست عدواً له كما يريد أنصار الواقع البديل أن يؤكدوا.
"الخليج"

التعليقات