12/10/2010 - 09:43

دستة خيارات تعني: صفر خيارات../ زكريا محمد

-

دستة خيارات تعني: صفر خيارات../ زكريا محمد
لدى الرئيس مشكلة: هو غير قادر على أن يقر بأن مشروعه قد فشل، وأن طريقه أغلقت.
 
 جاء الرئيس عباس كي يصحح الرئيس عرفات. إذ اعتقد من كل قلبه أنه كان بإمكاننا أن نحصل على دولة فلسطينية، لكن عرفات، بأفعاله وممارساته، هو من أضاع الفرصة. وكان رمز هذه الممارسات عند الرئيس عباس الانتفاضة الثانية. فهذه الانتفاضة في رأيه دمرتنا وأدخلتنا في مسارات مرعبة من العنف، وأبعدت عنا هدف الدولة الفلسطينية. وكان الرئيس عباس راغبا في أن يقرب موعد حصول الدولة المأمولة. لذا فقد كان مصمما على أن ينهي طريق عرفات. وقد فعل ذلك، وبنجاح يحسد عليه.
 
 لكن طريق الرئيس عباس لم تنجح أيضا.
أخذ فرصة ست سنوات حاول فيها الحصول على شيء ما، لكنه فشل.
أنهى الفوضى والمقاومة والإرهاب، وبني سجونا مثل السجون العربية، وقوى أمن مثل الدول العربية، لكنه لم يحصل على شيء. لقد قبض على الريح لا غير. بالطبع، حصل انتعاش اقتصادي في الضفة في السنتين الأخيرتين، لكن هذا كان ثمن إنهاء طريق عرفات. كما أن (الحل) الاقتصادي ليس عبقرية تنسب إلى أي أحد منا. فقد كان بإمكان (روابط القرى) ذاتها أن تحقق هي أيضا ازدهارا اقتصاديا في السبعينات لو أننا منحناها الفرصة. كان بإمكانها أن تحقق السلام الاقتصادي كما تراه إسرائيل.  
 
بذا فقط اتضح أن المشكلة لم تكن عند عرفات من حيث الجوهر. لقد كانت عند الإسرائيليين. أي أن الفكرة المركزية للرئيس تحطمت. لكن الرئيس لا يستطيع، للأسف، أن يراجع نفسه. هو مصر على السير في الطريق ذاته.
 
 ولا يستطيع الرئيس أن يراجع نفسه وطريقه لأنه في العمق رجل أيديولوجي. أما الرئيس عرفات فكان قادرا على مراجعة نفسه، وعلى تغيير المسارات، لأنه رجل براغماتي. للرئيس عباس طريق واحد هو: المفاوضات. أما الرئيس عرفات فقد كانت كل الطرق عنده ممكنة. ليس ثمة فضل لطريق على طريق. الطريق تحددها الظروف. أما الرئيس عباس فأسير طريق واحدة. والاجتهاد في الطرق محظور عنده.
 وحتى عندما يهدد بالاستقالة، فهو لا يستكشف طريقا جديدا، بل يضغط ويحتج من أجل تثبيت الطريق ذاته الذي لا يتزحزح عنه.
 
   وحتى عندما يبدو الرئيس كما لو انه يطرح خيارات فهو في الواقع لا يطرح خيارات. خذ الخيارات الأربعة مثلا. إنها بالتأكيد ليست مثل "التحديثات الأربعة" الصينية، التي أخرجت الصين من التخلف، بل هي "رزمة حيرة" أكثر منها خيارات. ففي السياسة لا توجد (دفعة) خيارات تطرح هكذا مرة واحدة. دفعة الخيارات دليل على أنه لا توجد خيارات بالفعل. يمكن للمرء أن يطرح أمام شعبه عدة خيارات من أجل نقاشها، كي ينتهي إلى خيار واحد. لكن أن يذهب للقمة العربية ومعه كل هذه الخيارات فهذا يعني أنه لا يملك خيارات. هذا يعني أنه يترك للقمة أن تتهرب من الخيار، وأن تستمر في الخيار الذي فشل. أربعة خيارات تعني: صفر خيارات. هذه هو جوهر الأمر.
 
 الرئيس عباس بلا خيارات. لا يستطيع أن يفكر بالخيارات. (الخيار) الوحيد لديه هو التهديد بالاستقالة. والاستقالة خيار شخصي وليست خيارا يطرح أمام الشعب. وفي الحقيقة فإن في هذا (الخيار) استهانة بالشعب. إذ يوحي وكأن المسألة تتعلق بالرئيس شخصيا، في حين أن المطروح هو البحث عن خيارات عامة للشعب. 
 
 الرئيس عباس لا يستطيع البحث عن خيارات. تركيبته الشخصية لا تمكنه من ذلك. هو فقط يناور كي يبقي الخيار الوحيد الذي اختاره لنفسه ولنا: المفاوضات، ولا شيء غير المفاوضات. لكن لأن هذا الخيار انكشف تماما، فإن الرئيس مربك ومضطرب. يقطع المفاوضات ثم يعود إليها، ثم يقطعها ثم يعود إليها. بالتالي، فالسياسة الفلسطينية أصبحت ملاطشة لا سياسة. 
 
 قد يقول الرئيس في بعض اللحظات كلمات تعبر عن الأزمة، لكنها تظل كلمات فقط. مثلا، في القمة قال عن السلطة أنها (أكذوبة). وفي أحد الاجتماعات قال لمن خاطبه باسم الرئيس: (لا تقل رئيس. نحن روابط قرى فقط). إنه يحس بالحقيقة المرة على جلده وجلودنا لكنه لا يستطيع أن يستكشف طريقا جديدا على هدي ذلك. 
 
 يستطيع المرء أن يحس بورطة الرئيس عباس. يستطيع أن يفهم اضطرابه. ويستطيع أن يفهم لم يصعب عليه أن يقول: لقد فشل طريقي، وعلي أن أغادر، أو أن أبحث عن طريق آخر. هذه الجمل صعبة جدا عليه، فهو رجل مبادئ أيديولوجية. والأيديولوجيا قيد مر وصعب. فوق ذلك: إنه لصعب شيء على الإنسان أن يقول: لقد فشلت. فهي كلمة تشبه الموت حقا.
 
 لكننا مع ذلك نظل نتمنى أن يقف الرئيس أمام شعبه ليقول: يا شعبي، لقد حاولت لكنني لم أنجح. فعلت كل ما بوسعي لكي أجنبكم الويلات وأحصل لكم على شيء من حقوقكم، لكنني لم أنجح. عليكم، إذن، أن تبحثوا عن خيارات جديدة. وأنا أطلب منكم جميعا أن تنخرطوا في نقاش واسع وعقلاني للبحث عن هذه الخيارات.
 لكن مثل هذا السيناريو غير محتمل الحدوث. وما هو محتمل الحدوث أن يُعلّق الاستيطان لشهرين أو ثلاثة، وبثمن هائل ندفعه، ثم نعود إلى ما كنا فيه: المفاوضات، ولا شيء غير المفاوضات.
 لقد علقنا هنا، ولن نخرج إلا عبر معجزة فقط!

التعليقات