31/10/2010 - 11:02

انتفاضة البقيعة والأسئلة الكثيرة والكبيرة../ عوض عبد الفتاح

-

 انتفاضة البقيعة والأسئلة الكثيرة والكبيرة../ عوض عبد الفتاح
كيف نتناول أحداث قرية البقيعة، هل نتناولها كانتفاضة "درزية" صغرى قد تكون مقدمة لانتفاضة درزية أوسع قادمة، أم كإرهاصات لانتفاضة عربية شاملة داخل الخط الأخضر؟ أم كحدث عابر ومنعزل قد يجري خصيه إنسجاماً مع تاريخ العلاقة مع الدولة العبرية.

ثم هل هذا هو السؤال الوحيد الذي ينبغي الإنشغال به جدياً الآن أم الأهم هو هل نحن جاهزون بصورة كافية لإدارة سليمة للمواجهة القادمة (بين الدولة العبرية والمواطنين العرب) التي لا تنفك أوساط عديدة داخل المؤسسات الإسرائيلية تتحدث عنها وكأنها أصبحت أمراً مفروغ منه.

الى أي مدى تتقارب مشاعر الإضطهاد السلطوي بين العرب الدورز وبقية المواطنين العرب، وهل قاربت الحدّ الذي يسمح باندماج الجزء بالكل والكل بالجزء ويُستعاد البيت القومي العروبي الموحّد.

هل يكفي التعويل على المقدمات الموضوعية وظروف الإقصاء والتهميش التي قد تهيئ لتقارب واندماج من هذا النوع. وماذا مع التعويل على العامل الذاتي، أي على القوى الواعية المحركة التي من المفترض أن تؤطر هذه التحولات العميقة الجارية، في هيئات قومية مؤهلة لإدارة الصراع بأقل الأضرار وبأقصى الفوائد.

ثم كيف يكون هذا الصراع؛ شكله، مستواه، ومن سيتحكم به وبأساليبه وضبطه. هل السلطة معنية بأن يحصل هذا الإنفجار بصورة عشوائية، كما يفترض البعض، لتسويغ ترجمة قلقها ومخاوفها من النمو المضطرد لمشاعر الغضب لدى العرب والتي تتمظهر في طموحات عربية وطنية وديمقراطية لا تحتملها الدولة العبرية التي تميل كل يوم الى التشديد على هويتها اليهودية – الصهيونية مدعمة بالقوة العسكرية وبالقوانين الجائرة.

تتجمع كل المعطيات والمؤشرات التي تقود الى التسليم بأننا موعودون بانفجارات أو بهبات شعبية محدودة أو واسعة قادمة. تنطلق التقديرات بهذا الخصوص من واقع تراكم الجور المستمر بحق أبناء البلاد الأصليين. ومن نمو منسوب الكراهية والعنصرية وتحولها الى خطاب شرعي في أوساط المؤسسة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي ومن ضجر المؤسسة الأمنية من " تراخيها " تجاه العرب. الذين " يسرقون " أرض الدولة، ويطالبون بالمساواة الكاملة ويقفون الى جانب نضال شعبهم وأمتهم العربية.

حتى فترة قريبة كانت اسرائيل مرتاحة من عبء جزء من المجتمع العربي الفلسطيني داخل اسرائيل، وهم الفلسطينيون الدروز الذين ألحقت بهم ظلماً شنيعاً عبر فرض التجنيد الإجباري عليهم وبسلبهم أراضيهم وبعدم مساواتهم مع المواطنين اليهود في كافة مجالات الحياة وفصلهم عن هويتهم القومية.

مؤخراً تتفاقم مشاعر الإستياء والإحباط لدى هؤلاء، وتنشأ من بينهم أوساط أكثر تمسكاً بالهوية القومية وأكثر استعداداً للمواجهة السياسية والثقافية مع الدولة والتي تحولت في أكثر من حالة الى مواجهة فعلية محدودة كالزابود في بيت جن عام 1987، وغيرها وأحدثها المواجهة على ارض قرية البقعية التي يشكل العرب الدروز فيها الأغلبية. على أية حال من السابق لأوانه إستقراء حجم ونوعية تداعيات أحداث البقيعة بالنسبة لمجمل الطائفة العربية الدرزية. ومدى قدرة الأوساط الموالية للسلطة على لجم التحولات الجارية بإتجاه مناهض لنوع العلاقة القائمة مع المؤسسة الرسمية – الصهيونية.
موجز الكلام: الهبة الشعبية قادمة، عنيفة أو سلمية. وهذا يتوقف على نوعية ردّ المؤسسة السياسية والأمنية الصهيونية. وتبين من طريقة ردّ وسلوك ا لشرطة الإسرائيلية وقيادتها في البقيعة أنها لم تتعلم الدرس من هبة أكتوبر (القدس والأقصى). شيء مذهل وجنوني أن تتخذ قرار ببرود أعصاب بإرسال مائتين من رجال الشرطة والوحدة القمعية الخاصة مدججة بالسلاح الى قرية عربية وأهلها نيام بعد منتصف الليل لاعتقال بضعة شباب ويستعمل الرصاص الحيّ ضد المواطنين الذين احتجوا على هذا العدوان. والأنكى من ذلك أن وزير الأمن الداخلي، آفي ديختر (رئيس الشاباك السابق) يبرق من الولايات المتحدة الى قائد شرطة الشمال يشدّ على يديه ويتوعّد بإنزال أشدّ العقوبات بكل من "رفع يده على رجال الشرطة".

لم يستعمل المواطنون العرب في مظاهراتهم العنف ضد سياسات الدولة العبرية طيلة حياتهم. كانت احتجاجاتهم دائماً سلمية، ولا يجوز وصف إغلاقهم الشوارع في بعض الأحيان ورمي الحجارة سياسة عنيفة. هذه الأساليب كانت دائماً شكلاً من أشكال الإحتجاج وليست أسلوباً لإصابة رجال الشرطة ( الذين يصابون عادة في مظاهرات من هذا النوع ). إنما الذي يستعمل العنف الحقيقي والقاتل هو المؤسسة وأجهزتها الأمنية والقمعية. ولا يوجد هناك شعب يعاني الظلم والإضطهاد إرتدع عن النضال بسبب عنف الشرطة أو الدولة. قد يؤخر مسيرة النضال ولكنه لا يوقفه. بل أكثر من ذلك فإن عنف الدولة المتكرر دفع وقد يدفع الى تكرار مظاهر العنف الفردية بدوافع قومية وبسبب إشتداء مشاعر الإهانة والحرمان.

عودة الى السؤال الأهم؟
هل نحن جاهزون لإستقبال الإنفجار القادم. الذي حذرت منه لجنة أور وأوساط سياسية وأمنية إسرائيلية؟
واجب القوى الواعية أن لا تنتظر الإنفجار الفجائي العفوي المتوقع. ينبغي التهيء له وإستباقه بعمل واعي ومنظم. للإنفجارات الشعبية الفجائية العفوية إفرازات سلبية في حالة غياب قوة سياسية مشتركة منظمة أفضل تنظيم، إذ تذهب معظم نتائجها الهامة سدى.

لا تزال حتى الان الأداة التنظيمية العربية الموحدة غائبة عن الشارع العربي في الداخل. وهذا ما حال حتى الأن دون إستثمار نتائج هبة القدس والآقصى التي عمّقت الوعي الوطني بين صفوف الأجيال الشابة وعمقت الكراهية لسياسات إسرائيل الصهيونية دون أن يتحول ذلك الى نتائج مادية ملموسة في بنى هياكل سياسية وثقافية ومهنية قومية تستأنف النضال بصورة واعية وفاعلة ومؤثرة. فتوقف هدم البيوت وحصار القرى والبلدات العربية ( إستيطانياً ومالياً ) وتمأسس الهوية والذات القومية.

ولذلك فإننا مدعوون جميعاً، او كل من يقرأ سيناريوهات المستقبل على هذا النحو الى التعجيل في تفعيل الجهد الجماعي قبل فوات الأوان.

التعليقات