31/10/2010 - 11:02

هل من دور لعرب الداخل في حل الصراع الفلسطيني الداخلي/ عوض عبد الفتاح

-

 هل من دور لعرب الداخل في حل الصراع الفلسطيني الداخلي/ عوض عبد الفتاح
تقدر بعض أوساط عرب الداخل، من القوى الوطنية، أنه بمقدورها التدخل والمساهمة في وقف الصراع الداخلي الدامي بين الإخوة في المناطق المحتلة عام 67 وإعادة اللحمة إلى الحركة الوطنية. وتتجدد هذه الرغبة كلما شهدت ساحة القطاع والضفة فصلاً دموياً جديداً بين الإخوة.

ويأتي هذا التقدير مدفوعاً بالشعور بالواجب تجاه أبناء جلدتنا وقضيتنا ومصيرها أكثر مما هو مدفوع أو نابعً من معرفة مؤكدة بالقدرة على التأثير على الطرفين المتقاتلين.

وقد شهدت ساحة عرب الداخل محاولات وتحركات منذ تفجر الصراع من أجل التدخل، ولكنها في الحقيقة لم تكن جدية أو لم تأخذ أي منها مداها. وكانت آخر المحاولات، تلك التي نظمتها لجنة المتابعة لشؤون المواطنين العرب، أوائل الشتاء الماضي، والتي اختزلت في سماع وجهة نظر رئيس السلطة الفلسطينية وفريقه دون الاستمرار أو التمكن في الاستماع إلى وجهة نظر الطرف الآخر، حماس، لأسباب موضوعية. ولم يُثر منذ يومها رئيس اللجنة أو أي من مركباتها موضوع التدخل والمساهمة في إصلاح ذات البين بين سلطة حماس وسلطة رام الله وقبلها كانت محاولات متواضعة باسم لجنة الوفاق. فما هو سرّ غياب المبادرة الجدية لدى القوى السياسية العربية في الداخل إزاء ما يجري من كوارث في البيت الفلسطيني، والذي يهدد المشروع الوطني برمته، ويلحق أضراراً معنوية وعملية وأخلاقية بالغة في أوساط عرب الداخل.
وكيف تدخلت لجنة المتابعة وساهمت في فك النزاع الدموي الذي نشب بين حركتي حماس وفتح في أوائل التسعينات أي قبل أوسلو ونشوء السلطة الفلسطينية.

هناك أسباب موضوعية وأسباب سياسية وراء غياب مبادرة جدية.
فيما يتعلق بالأسباب الموضوعية، هناك الإغلاق التام لقطاع غزة واستحالة الوصول إلى تلك المنطقة الفلسطينية المحاصرة إسرائيلياً، وبالتالي عدم التمكن من مقابلة أحد طرفي الخلاف الرئيسيين أي حركة حماس. ففي الضفة الغربية والقدس أقدمت إسرائيل على اعتقال جميع قيادات حماس المؤثرين وفي مقدمتهم أعضاء المجلس التشريعي. وبالتالي أصبح من الصعب من يريد أن يطرح مبادرة حقيقية لإنهاء الاقتتال ويعمل بنفس طويل دون أن يكون أحد الطرفين حاضراً.

والسبب الثاني، هو وصول الصراع الداخلي إلى درجة من التعقيد وفرض الحقائق على الأرض بقوة السلاح وعبر سفك الدماء، والأهم هو اتخاذ الصراع الذي بدأ أو ظهر كصراع واختلاف على طرق النضال والعقيدة الأيديولوجية، إلى اقتتال على سلطة، وللأسف على سلطة وهمية واقعة تحت الاحتلال.

وإذا كانت لجنة المتابعة قد ساهمت في فك الصراع في أوائل التسعينات، ذلك أنها كانت قادرة إلى الوصول إلى ميدان الاقتتال ومقابلة الطرفين، والأهم، لم يكن هناك، قبل أوسلو، سلطة وهمية يتقاتل عليها الطرفان.
وأيضاً ما يردع البعض منا عن المحاولة هو الشعور بالعجز عن التأثير في ظل إخفاقات دول عربية ذات وزن في تحقيق المصالحة. والأخطر هو ارتباط أحد طرفي الخلاف بشروط دولية تمنعه من الذهاب باتجاه تحقيق المصالحة.

أما الأسباب الذاتية فهي تتمثل في غياب الرؤية الموحدة لأسباب الأزمة، ومتطلبات الخروج منها. إن الأحزاب السياسية المنضوية في لجنة المتابعة هي أحزاب ذات توجهات فكرية وسياسية – مختلفة وهذا أمر طبيعي، ولكنها فيما يتعلق بالوضع الداخلي الفلسطيني، فقد أتسمت مواقفها بالتباين الحادّ، هناك من اصطف منذ البداية إلى جانب خيار سلطة أبو مازن باعتماد المفاوضات سبيلاً وحيداً واعتماد أمريكا مرجعية رئيسية لها والتهادن مع الحصار الدولي لحركة حماس بعد فوزها في الانتخابات، وهناك من وقف ضد هذا المشروع التفاوضي والحصار الدولي، ودعا إلى الوحدة القائمة على الثوابت الوطنية. ووقف في القطب الأول، إن صحّ التعبير، الجبهة بصورة أساسية، وفي القطب الثاني، غير المتجانس أيديولوجياً، التجمع الوطني الديمقراطي والحركة الإسلامية وحركة أبناء البلد.

لا شك أن استمرار الأزمة الداخلية زادها تعقيداً ودفع الطرفين إلى ارتكاب المزيد من الأخطاء. وظلت دعوات الوحدة محصورة في الإعلانات والبيانات وتحول اتفاق التهدئة الذي توصلت إليه إسرائيل وحماس بوساطة مصرية إلى مادة للمناكفة بين الطرفين وصولاً إلى تفجيرات الشاطئ ومقتل قيادات ميدانية لحماس، وردّ فعل حماس بالهجوم على حي الشجاعية وحصول الفرار الجماعي للعديد من أفراد عائلة حلـّس ولكوادر حركة فتح لنصبح أمام مشهد عبثي مُحزن لا تصدقه العين؛ فلسطينيون، منهم قياديون، يلجأون إلى عدوهم.

إذن ما هو مطلوب منا كقوى وطنية، أو كممثلين لهذا الجزء من الشعب الفلسطيني، "الأقلية الفلسطينية" داخل الخط الأخضر.
لا يستطيع جزء منا فقط القيام بهذا الدور، أي دور الوساطة، إذا كان هناك حافز لذلك.
لقد تأسست لجنة وفاق في الداخل ضمن غالبية القوى الوطنية، قبل عامين، ولكن نـُظر إليها باعتبارها قطباً داعماً لحماس وهذا ليس صحيحاً وهذا القطب رفض التساوق مع المشروع الأمريكي للتسوية والذي ينخرط فيه فريق رام الله. واليوم يتأكد هذا الموقف بعد وصول فريق رام الله إلى طريق مسدود وبعد تبديد وقت ثمين وسقوط ضحايا كثيرة.

لم يكن ولن يكون هذا القطب، أو على الأقل التجمع الوطني الديمقراطي إلا منحازاً للموقف الوطني ولحق مقاومة الاحتلال. وهذا ليس بالضرورة دعم أي صيغة للمقاومة أو بأي تكتيك. وللمقاومة أشكال مختلفة، منها أيضاً الشعبية والسياسية. وللتجمع وربما لباقي مركبات هذا القطب غير المؤطر، تحفظات كثيرة أيضاً على تكتيكات المقاومة المعتمدة، وأيضاً على الكثير من الممارسات الداخلية لسلطة حماس في قطاع غزة. ولست هنا الآن في شأن الخوض في هذا الموضوع لأن الدخول في تقييم الممارسات والمواقف شائك ولا يتم في هذه العجالة.

ولذلك، فإنه حتى لو كان لدينا شك في القدرة على التأثير، وحتى لو كنا نريد لأطراف عربية ذات وزن، أو لقوى عربية شعبية وازنة أن ترمي بثقلها مرة أخرى للتدخل، فإننا نحن كقوى وطنية في الداخل أو كلجنة متابعة، فإنه من واجبنا أن نؤكد موقفنا الداعي إلى الوحدة الوطنية الكفاحية وعدم اللجوء إلى السلاح بأي شكل من الأشكال، كموقف وطني أخلاقي باعتبارنا جزء من هذا الشعب وجزء من الحركة الوطنية الفلسطينية.
ولكن إذا ما أردنا الارتقاء بالمحاولة، وهو أمر ليس سهل، فعلينا أن نضع برنامجاً وخطة مدروسة وأن يخصص الوقت والجهد للقيام بذلك بصورة منهجية.

هذه المحاولة لا بد أن يشارك فيها ممثلون عن تجمعات الشعب الفلسطيني وأن تستند إلى الثوابت الوطنية المجمع عليها شعب فلسطين، أهمها: إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، ووضع إستراتيجية وطنية موحدة وبرنامج سياسي وطني؛ وخطة كفاحية لإزالة الاستيطان، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، والقدس عاصمة وطنية – والأهم التمسك بحق العودة للاجئين الفلسطينيين. والشرط الأساسي لذلك وهو له بعد هام، ليس فقط لما له من مصداقية تستند إليها المبادرة التوحيدية على ساحة الضفة والقطاع، ألا وهو اتفاق القوى السياسية العربية في الداخل على تصور مشترك، بل أيضاً له بعد هام بخصوص النهوض بوضع عرب الداخل ووقف التآكل الحاصل في التماسك الجماعي والقدرة على مقاومة المشاريع والمخططات الإسرائيلية.
نحن بحاجة إلى هذا الحوار والتفاهم بصورة ملحة فهل نحن مهيأون أو مستعدون لذلك.

التعليقات