31/10/2010 - 11:02

2007 عام الإنقسام../ د.جمال زحالقة

2007 عام الإنقسام../ د.جمال زحالقة
غير مأسوف عليه، ينقضي عام 2007، بما حمله من أحداث وتطورات كارثية فلسطينياً وعربياً. ونستقبل عام 2008، ونحن منهمكون في البحث عن فسحة أمل. وفي الوقت الذي يدفعنا العقل للتشاؤم، فإن مهمة اجتراح تفاؤل الإرادة تصبح أكثر إلحاحاً، مع العذر لغرامشي، الذي أورد هذه المقارنة منذ عشرات السنين.

لعل أبرز الأحداث المحلية عندنا في الداخل هو قضية الدكتور عزمي بشارة، التي لفقها الشاباك الإسرائيلي في إطار الملاحقة السياسية، ومحاولة تصفية القائد الوطني والمفكر العربي، الذي لم تعد المؤسسة الاسرائيلية تتحمله وتتحمل التحديات السياسية التي يطرحها، فقررت التخلص منه عن طريق حسم النقاش معه في غرف التحقيق، وأوكلت إلى جهاز مخابراتها مهمة تلفيق ملف أمني خطير ضده. خطير بما فيه الكفاية لزجه في السجن ما دام حياً. لكن عزمي بشارة لم يسلم نفسه لهم كما أرادوا وخططوا، واختار المنفى الاضطراري، ليستمر في عطائه المتميز في الفكر والسياسة والأدب.

لم يكن عزمي بشارة وحده المقصود في حملة الملاحقة السياسية، فقد صرح رئيس الشاباك بأن الفلسطينيين في الداخل يشكلون تهديداً استراتيحيا على كيان اسرائيل كدولة يهودية. وكان واضحاً ان الحملة ضد بشارة تستهدف، في ما تستهدفه، إخافة الناس وثنيهم عن الالتفاف حول الحركة الوطنية.

لقد فشلت هذه الحملة لأن رد فعلنا كان التحدي والتصدي لمؤامرة السلطة، التي ابتغت ضرب البعد الوطني في عملنا السياسي، فاستنفر التجمع بكوادره وقياداته واصدقائه وكل الوطنيين الشرفاء للوقوف صفاً واحداً في وجه محاولات الملاحقة والتصفية السياسية.

لقد اثبت التجمع، في هذه المواجهة، انه حزب التحديات وانه يجيد السباحة ضد التيار، ولم تنل السلطة مبتغاها، فالتجمع باق على مواقفه المبدئية ولا يحيد عنها، وراسخ في قاعدته الشعبية والتفاف الناس حوله وحول خطابه السياسي، الذي ترك بصمات واضحة في كل الهم الجماعي التي سطرتها مجموعات من المثقفين والمؤسسات وأثارت ضجة كبرى وردود فعل غاضبة لدى أبواق السلطة الاسرائيلية.

فلسطينياً، عام 2007، هو عام الانقسام. فقد اهتزت اركان النظام السياسي الفلسطيني بعد الحسم العسكري وسيطرة حماس على قطاع غزة، وجاء هذا التطور تبعاً لعدم احترام الحسم الديمقراطي في انتخابات حرة فازت بها حماس. وشهد العام قيام حكومتين بلا دولة، وصراعات دامية على الساحة الفلسطينية، أثارت مشاعر الاحباط لدى المواطن الفلسطيني، الذي يعرف تماماً، أنّ غياب الوحدة الوطنية يعني انسداد الافق امام اهداف التحرر والاستقلال والعودة.

اعتبرت الولايات المتحدة واسرائيل حالة الانقسام فرصة لا تعوض، فعرضت على حكومة رام الله مفاوضات في مقابل الأمن وتكريس الانقسام، فجاء مؤتمر انابوليس ليدشن مفاوضات عقيمة تتمحور حول محاولة ابتزاز التنازلات من الفلسطينيين وفرض الشروط الاسرائيلية عليهم. وحدد المؤتمر عام 2008، كعام مفاوضات مشروطة باستمرار حالة الانقسام، مما يعني أن عام 2007 لم يأت بالشرخ الكبير في الحركة الوطنية الفلسطينية بل وضع شروط دوامه في العام الذي يليه.

عربياً، لا يمكن الاشارة الى حدث دراماتيكي ميّز هذا العام، بل هي حالة التشرذم والتفتيت والصراعات الداخلية، التي طغت على المشهد العربي. فقد تعمقت مأساة العراق، وتفاقمت الفوضى الدموية. وفي مقابل تصاعد المقاومة ضد الاحتلال الأميركي، وإجبار الولايات المتحدة على اعادة حساباتها ليس في العراق فحسب، بل في المنطقة برمتها، فإن الشعب العراقي يدفع ثمناًُ غالياً للمغامرة المجنونة التي قام بها الاستعمار الامريكي باحتلال العراق ومحاولة هندسة مجتمع بأسره وفق المعايير الامريكية. وعصفت الصراعات الداخلية بكل من لبنان والسودان والجزائر وغيرها من الدول العربية، وكانت فضيحة النظام العربي بمجمله مدوية، بعد ان تبين فشل الرهان على العم سام.

دولياً، عودة روسيا إلى لعب دور قوة عظمى هو الحدث الابرز. صحيح أن هذه العودة ما زالت في أول طريقها، لكن إذا أخذنا بعين الاعتبار أعوام القطب الواحد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، فإن القطب الصغير حالياً، الذي بدأت القيادة الروسية في بنائه، قادر على أن يكبر بكل ما تملكه روسيا من مقدرات عسكرية وتكنولوجية وموارد طبيعية وبشرية. ولعل العلامة الفارقة في السياسة الروسية الجدية هي خطبة ميونخ، الغاضبة وذات الدلالات الواضحة، التي القاها الرئيس بوتين في شباط - فبراير والتي اتهم فيها الولايات المتحدة بالافراط شبه المَرَضي في استعمال القوة وزج العالم في جحيم من الصراعات.

كان علينا في هذه العجالة ان ان نختار الاحداث الاهم والابرز، وهناك الكثير من التطورات والاحداث التي لم نتطرق إليها ومن نافل القول انها ستلقي بظلالها على العام الجديد. وفي كل الظروف نتمنى لاهلنا وشعبنا وللجميع عاماً افضل من الذي سبقه، وكل عام وانتم بخير.

التعليقات