31/10/2010 - 11:02

أبعاد الغضب الأمريكي من لقاء عباس بالقنطار../ يونس العموري*

أبعاد الغضب الأمريكي من لقاء عباس بالقنطار../ يونس العموري*

لم يقتصر الغضب من لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وعميد الأسرى اللبنانيين سمير القنطار، على رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، بل تخطاه إلى واشنطن، ذلك أن معلومات صحافية قد اكدت أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس اتصلت بأبو مازن عقب عودته من بيروت وأبلغته (انزعاج الإدارة الأميركية من تصريحاته عن حق العودة وموافقة الأميركيين عليها، ومن لقائه الأسير المحرر).

وأشارت المصادر، إلى أن الرئيس الفلسطيني أبدى استغرابه من حديث رايس، وأشار إلى أن ما قاله عن موافقة أميركية على عودة اللاجئين هو ما وعدته به الإدارة الأميركية التي ضغطت عليه للقبول بتقديم تنازلات لإسرائيل في قضية القدس المحتلة...

وأشارت تلك المصادر أن أبو مازن طلب من رايس الكف عن التدخل في شؤون السلطة الفلسطينية بهذه الطريقة. وأبلغها أنه بوصفه رئيساً للشعب الفلسطيني يزور من يزوره ويلتقي من يلتقيه من دون إذن أو تصريح من أحد... وبذات السياق فقد اشارت ذات المصادر إلى أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، أبلغت رئيس طاقم المفاوضات الفلسطيني أحمد قريع، «غضب إسرائيل من اللقاء الذي جمع عباس بالقنطار في بيروت»... وتأتي هذه التوجهات والتصريحات في الوقت الذي ابلغ فيه اولمرت الرئيس عباس عن امتعاضه من لقاء الأخير مع القنطار .... وهذا انما يعكس طبيعة العقلية الإسرائيلية التي تحكم نمطية العلاقة والسلطة وكأنها علاقة الوصايه وعقلية السيد والعبد والرئيس والمرؤوس، وهو الأمر الذي بات مزعجا بل ومقرفا الى حد كبير بدليل طبيعة الرد الفلسطيني على لسان ابو مازن الذي ابدى بدوره امتعاضه من طريقة واسلوب التوجه هذا...

واعتقد أن من وراء هذه التوجهات اكثر من دلالة لعل أبرزها محاولة الإيحاء للرئيس الفلسطيني ان تحركاته ولقاءته لابد ان تكون محكومة بالسقوف الأمريكية، وبالتالي الإسرائيلية، مما يعني إظهار السلطة وبالتالي المشروع الوطني الفلسطيني برمته وكأنه تحت العباءة الإمريكية فقط لا غير، وهي الجهة الحصرية الوحيدة التي لها الحق المطلق بتحديد اولويات المسار الفلسطيني وتوجهاته ودائرة فعله وبالتالي منطلقات تحركاته، وان كانت على شكل لقاء كلقاء الأسير المحرر سمير القنطار... وكأن القنطار قد اضحى لا يستحق ان يلقاه الرئيس الفلسطيني او ملاقاته تهمة تستحق العقاب والملاحقة القضائية من قبل دوائر القضاء الأمريكي، وهو الذي قضى ثلاثين عاما في السجون الإسرائيلية وخلال هذه السنوات كان ان التقى بكافة قادة العمل الوطني الفلسطيني، وممن يتربعون الآن على عرش السلطة الفلسطينية بل أكثر من ذلك تدرك اسرائيل ويدرك البيت البيض ذاته أن القنطار شكل رمزا من رموز العمل الوطني الفلسطيني وان كان لبناني الجنسية شأنه بذلك شأن كافة الاسرى المحررين...

مما لاشك فيه أن هذا النمط من التعاطي والرئيس الفلسطيني من قبل الإدارة الأمريكية وبالتالي الطرف الإسرائيلي وحتى تسريبه للإعلام يشكل انتقاصا لمكانة الرئيس المعنوية وتدخلا سافرا بالشأن الداخلي حتى على المستوى الشخصي في تحديد أجندة اللقاءات. وقد يكون الجانب الأمريكي قد أراد ومن خلال هذه الأسلوب التمنطق بمنطق الإمساك بزمام السيطرة اللوجستية على تحركات الرئيس الفلسطيني، والذي كان قدة افلت منها عندما أصر على حضور القمة العربية الأخيرة في دمشق رغم المحاولات الأمريكية لمنعه من التوجه الى العاصمة اسورية آنذاك ... وحتى توالي زيارته الى سوريا ولقاءاتها مع مختلف قادة فصائل العمل الوطني وهو الأمر الذي ازعج تل أبيب وإدارة البيت الأبيض ... ويأتي لقاء الرئيس مع الأسير المحرر سمير القنطار في سياقه الطبيعي والأقل من العادي لولا هذا التوجه الأمريكي والإسرائيلي والذي أعطى لمثل هذا اللقاء أهميته..

اعتقد أن الاحتجاج الأمريكي على لقاء القنطار يعيد الى الأذهان طبيعة وحقيقة علاقة السلطة الفلسطينية والإدارة الأمريكية وماهية حيثيات هذه العلاقة، حيث أنه من الواضح أن هذه العلاقة لا تراعي بالأساس خصوصية الآخر أو هوامش الإستقلالية التي من المفروض أن يتمتع بها أي نظام سياسي قائم في المنطقة، وإن كان هذا النظام يفتقد للحد الأدنى من سيادته واستقلاليته، وهو الأمر الذي ندركه تمام الإدراك في حالتنا الفلسطينية. ولكن أن تصل الأمور لحد التدخل بأجندة لقاء هذا أو ذاك فهو الأمر الذي تصبح فيه السلطة مجرد ديكورات هيكلية لها أدواتها الوظيفية في إطار السياسات الإقليمية وبالتالي الدولية بمعنى استخدامها وتوظيفها في بنك أهدافها الإقليمية الأمر الذي يعني أن البيت الأبيض يتعاطى والسلطة الفلسطينية كونها إطارا عمليا لتوظيف السياسات الأمريكية في المنطقة... وليس أدل على ذلك سوى طبيعة السياسات المتبعة من قبل دبلوماسية رايس تجاه السلطة الفلسطينية وازدواجية معاييرها وتعاطيها اللامعقول واستحقاقات المرحلة ومعطياتها وتداعيات العملية السلمية التي اصبحت مجرد نهجا تسوويا يتم استثماره في المعارك الإقليمية للإدارة الأمريكية وبازارا في مزيدات العملية الإنتخابية في أتون السياسات الإسرائيلية الداخلية..

أعتقد أن على السلطة الفلسطينية اعادة حساباتها من جديد جراء هذا النهج الأمريكي والتعاطي ورئيسها بشكل خاص والتعاطي وشؤونها بشكل عام، بل لابد للسلطة من وقفة تقييمية حقيقية وفعلية لطبيعة علاقتها والإدارة الأمريكية الأمر الذي يفرض عليها حوسبة العلاقة من جديد خصوصا في ضوء التغيرات المتصارعة على المسرح الدولي وعودة البوادر الأولى للتجاذبات الأمريكية الروسية على خلفية أزمة جورجيا والنجاح السوري بفك عزلة الحصار من خلال التقارب الفرنسي السوري .... والتورط الإسرائيلي المتزايد في أزماتها الداخلية، والنجاح الإيراني في مواصلة برنامجها النووي والغرق الواضح للجيش الأمريكي في المستنقع العراقي .... أعتقد أن كل هذه المعطيات وكل هذه المؤشرات لابد من أن تؤهل السلطة الفلسطينية للفكاك ولو نسبيا من القبضة الأمريكية وتحررها على مستوى القرار والتحرك وعقد اللقاءات بما يتوافق ويتناسب والمطلوب فلسطينيا اولا تحقيقا للمصلحة الوطنية العليا وإن باتت هذه المصلحة محل خلاف وتشكيك في ظل الحالة الفلسطينية السائدة بالظرف الراهن ...

التعليقات