31/10/2010 - 11:02

أسلحة نووية للكبار.. وللصغار أيضاً../ عصام نعمان*

أسلحة نووية للكبار.. وللصغار أيضاً../ عصام نعمان*
هل أصبح استعمال السلاح النووي في القرن الحادي والعشرين خياراً سهل التطبيق؟

في القرن الماضي، لا سيما بعد قصف الولايات المتحدة مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين بالقنابل الذرية سنة 1945، أصبح الخيار النووي استحالة كاملة. السبب؟ لأن دولاً أخرى، كروسيا (الاتحاد السوفييتي آنذاك) وبريطانيا وفرنسا ومن ثم الصين و”إسرائيل” والهند وباكستان كسرت الاحتكار النووي الأمريكي وأصبح في وسعها، نظرياً، اللجوء إلى هذا الخيار ما كان سيؤدي، في الواقع، إلى حدوث كارثة كونية لا تبقي ولا تذر.

في ضوء هذا الاحتمال الكارثي القيامي تمّ اتفاق ضمني بين الدول النووية على عدم اللجوء الى الخيار النووي وذلك في إطار ما اصطلح على تسميته “توازن الرعب”.

أطراف هذا الاتفاق كانت، وما زالت، دولاً ذلك أن الدول وحدها كان بإمكانها صنع أسلحة نووية واستعمالها. اليوم تغيرت الأوضاع لأن دولاً متوسطة، مثل كوريا الشمالية، أصبح في وسعها صنع أسلحة نووية بل التهديد باستعمالها أيضاً. إنها دول “مارقة” في عرف الدول الكبرى ويجب محاصرتها لدفعها الى الالتزام بالمعاهدات الدولية.

أكثر من ذلك، ثمة من يعتقد أن تنظيمات لا تتمتع بمواصفات الدولة حسب أحكام القانون الدولي بات في وسعها، على ما يبدو، صنع أسلحة نووية ولو من الصنف البدائي كالذي استعملته الولايات المتحدة ضد اليابان سنة 1945.

أبرز التنظيمات المرشحة لامتلاك صناعة نووية هي “القاعدة”. فهل تراها تلتزم اتفاق “توازن الرعب” أم تعتزم استعمال “خيارها” النووي؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، لنرصد أولاً ظاهرة انتشار التكنولوجيا النووية التي ما عادت محصورة بـ“الكبار” من دول وتنظيمات بل عمّت “الصغار” أيضاً، وأي صغار.

ففي مدينة أولده من أعمال ولاية وستفاليا الألمانية قرر طفلان ألمانيان، بعدما تملكهما الملل، أن يلعبا لعبة “المفاعل النووي”، فاستخدما بعض أجزاء صناديق الكمبيوتر، ووضعاها على إحدى طرق المدينة، وكتبا لافتة تشير الى وجود نشاط إشعاعي قاما بتحميلها من شبكة الانترنت.

بعد استراحة قصيرة من اللعب ودخولهما الى المنزل، طوقت الشرطة المكان، وسط هلع السكان، وطلبت من المواطنين مغادرة منازلهم، لتمكين رجال الإطفاء من محاصرة مخاطر نشاطٍ إشعاعي!

هذا ما فعله “صغار” ألمانيا. ماذا عن “كبار” أفغانستان؟
مصطفى أبو اليزيد، قائد تنظيم “القاعدة” في أفغانستان، أعلن قبل أيام أن التنظيم سيستخدم، “إذا استطاع”، أسلحة نووية باكستانية في قتاله ضد الولايات المتحدة. قال لقناة “الجزيرة”: “إن شاء الله لن تقع الأسلحة النووية الباكستانية في أيدي الأمريكيين، وسيستولي عليها المسلمون ويستخدمونها ضدهم”.

القضية، طبعاً، ليست بهذه البساطة. فحكومة باكستان، وقبلها قيادة الجيش الباكستاني، حريصتان على عدم وقوع أسلحة نووية في أيدي “القاعدة” أو غيرها. لكن سؤالاً مفتاحياً يبقى قائماً: هل قرر قادة “القاعدة” فعلاً تجاوز المخاطر المعروفة الناجمة عن استخدام الأسلحة النووية والمباشرة تالياً في اعتمادها ضد الأمريكيين؟

يتضح من تصريح مصطفى أبو اليزيد أن تنظيم “القاعدة” لم يستولِ بعد على سلاح نووي من الجيش الباكستاني، ولكن ماذا لو تمكن التنظيم المذكور من تصنيع سلاح نووي بقدراته الذاتية أو الحصول عليه بأي طريقة أخرى؟

إن استدراك أبو اليزيد المتمثل بعبارة “إذا استطاع” يشي بشعور ضمني بأن ثمة قيداً أو قيوداً على حرية الحركة قد لا يستطيع تنظيم “القاعدة” تجاوزها. من هذه القيود المحبطة وجود تداخل بين الوجود العسكري البشري الأمريكي والسكان المحليين سواء في أفغانستان أو باكستان. بمعنى أن ضرب الأمريكيين قد يؤدي الى إصابة الكثير من السكان المحليين في جوارهم. وليس دقيقاً القول إن في وسع تنظيم “القاعدة” استهداف قواعد عسكرية أمريكية بعيدة عن التجمعات السكانية المحلية لأن ذلك يتطلب أجهزة ومعدات معقدة تكنولوجيا يصعب عليه اقتناؤها. أما إذا أمكنه اقتناؤها فإن معنى ذلك أن انقلاباً قد حدث في ميزان القوى وأن نتائج ومفاعيل جيوسياسية فارقة ستطفو الى سطح الواقع بقوة وفعالية.

أطفال ألمان في السادسة من عمرهم نجحوا، أو كادوا، في توليد نشاط إشعاعي أصاب السكان المحليين بالهلع. فعلوا ذلك بكل براءة. ترى، هل تبقى لهم هذه البراءة عندما يبلغون التاسعة، مثلاً؟

فهل تصبح الأسلحة النووية أسلحة “تقليدية”، مألوفة الاستعمال، في الحروب الأهلية؟

هذا ليس سؤالاً افتراضياً. إنه سؤال واقعي سيجد العالم نفسه مضطرا للإجابة عنه في يوم أو شهر أو سنة. ومع ذلك فإن الولايات المتحدة، أصل المشكلة النووية، تصرّ على تجاهله لأنها موقنة، أو هكذا تظن، أنها بمأمن من أي اعتداء، وأن الحروب تبدأ وتنتهي على أرض الآخرين.

أما الآخرون فيتذكرون أن مصطفى أبو اليزيد هو ابن “القاعدة” التي سوّت بالأرض برجي التجارة الدولية في نيويورك.
"الخليج"

التعليقات