31/10/2010 - 11:02

أنابوليس.. اليوم والمرحلة.. رابحون وخاسرون../ ماجد عزام*

أنابوليس.. اليوم والمرحلة.. رابحون وخاسرون../ ماجد عزام*
لقاء أنابوليس كيوم واحد كان سيفشل بالتأكيد ولم يكن بالإمكان إخفاء حصيلته البائسة، لتغطية وتجميل هذا الأمر تم الحديث أو التعاطي مع أنابوليس كمرحلة، احتفال اليوم الواحد لم يكن أكثر من تدشين أو انطلاقة للمرحلة التي ستمتد لعام كامل على الأقل أي إلى حين انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش في نهاية العام القادم 2008.

من الصعب تحديد الرابحون والخاسرون بنظرة على لقاء اليوم الواحد فقط غير أن التعاطي مع أنابوليس كمرحلة تمتد لمدة عام أو أكثر قليلاً يقدم فرصة أفضل لتقييم الرابحين والخاسرين حيث ان ثمة رابحين من أنابوليس اليوم، وخاسرين من أنابوليس المرحلة، والعكس صحيح ثمة خاسرون من أنابوليس اليوم ورابحون حتماً في أنابوليس المرحلة اللائحة الإجمالية للرابحين والخاسرين يمكن عرضها على النحو التالي:

الرئيس جورج بوش: الرابح الأكبر من أنابوليس اليوم، فبدون جدول أعمال واجندة وفي ظل الكوارث والإخفاقات من غزة إلى أفغانستان مروراً بلبنان والعراق وسوريا وإيران نجح جورج بوش في جلب ممثلي 49 دولة ومنظمة مهمة إلى لقاء أنابوليس. بوش أظهر نفسه في لقاء اليوم الواحد كزعيم للسلام وليس كمشعل للحرائق والأزمات، كما أنه استغل الاحتفالية في السجال الداخلي مع خصومه الديموقراطيين – والكونغرس المعادي وكذلك مع الرأي العام الأمريكي الناظر بريبة وشك تجاه الرئيس وسياساته الانفعالية والعصبية، غير أن بوش خاسر حتماً فى أنابوليس المرحلة ببساطة لأنه لا يستطيع – هذا إذا كان يريد أصلاً – إجبار إسرائيل على تقديم التنازلات المطلوبة للتوصل إلى اتفاق نهائي للسلام مع الفلسطينيين.

بوش الأيديولوجي والحاد لن يمتلك الصبر وطول النفس لمتابعة التفاصيل الشائكة والمعقدة للصراع في فلسطين وهو لا يمتلك الإرادة للتغلب على أفكاره المسبقة وقناعاته المعلبة - الجاهزة – ولن يكون باستطاعته كسر الإطار الذي وضع و حبس نفسه فيه عبر تقسيم العالم إلى محورين محور للخير ومحور للشر و عبر الإيمان المطلق بان المعركة بين المحورين لا تحتمل الحلول الوسط ولا بد من تحقيق النصر الحاسم والقاطع فيهما. عوضاً عن ذلك فإن الرئيس الأمريكي لم يظهر حتى الآن تمرداً أو رفضاً لطروحات بقايا المحافظين الجدد والذين ما زالوا يمسكون بنقاط بؤر مهمة ومركزية لصنع القرار – نائب الرئيس ومجلس الأمن القومي- وما زالوا يصرون على استحالة التوصل إلى حل للصراع في فلسطين ومتمسكين ومتشبثين لقناعتهم السابقة الطريق إلى القدس تمر حتماً ببغداد وباقي عواصم المنطقة الأخرى، وبدون توجيه ضربة وقاصمة لنقاط وبؤر الممانعة والرفض للسياسة الأمريكية لن يكون بالإمكان التوصل إلى حل للصراع في فلسطين.

كوندليزا رايس: كما رئيسها رابحة بالتأكيد من أنابوليس اليوم وخاسرة حتماً في أنابوليس المرحلة، كما بوش نجحت رايس في عقد اللقاء دون تحضير جيد – اللهم سوى جولات مكوكية سطحية واتصالات هاتفية – دون جدول اعمال واضح – دون هدف محدد نجحت ليس فقط في إظهار الإدارة الأمريكية كساعية ومصرة على التوصل إلى حل للصراع في فلسطين وإنما في جلب 16 دولة عربية كشهود زور إلى لقاء اليوم الواحد.

رايس تأثرت منذ البداية بالتصور الإسرائيلي وتساوقت مع المواقف الإسرائيلية وثابرت لجعل أنابوليس لقاء ليوم واحد ونقطة انطلاقة للمفاوضات وليس نهاية لها، وتصوير هذا الأمر كإنجاز عبر جلب أو إجبار الفلسطيني والإسرائيلي والجلوس معاً والتفاوض بعد سبع سنوات من القطيعة والتباعد.

غير أن رايس ستخسر حتماً في أنابوليس المرحلة وحتى مع تصديق زعمها برغبتها الصادقة في الوصول إلى دولة فلسطينية قابلة للحياة إلا أنها خضعت للشروط الطلبات الإسرائيلية بالولوج لحل الصراع من المدخل الأمني، عبرت عن هذا الأمر عبر بتعيين جنرال سابق كمنسق ومراقب للمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

رايس ستلمس على جلدها نتائج مساعيها و وساطتها عندما يتضح أن المدخل الأمني للحل يعني تأبيد الإحتلال وانعدام أي ضوء حقيقي في نهاية النفق الظالم والمعتم أمام الفلسطيني.

إيهود أولمرت: الرابح الأكبر من أنابوليس اليوم وحتى أنابوليس المرحلة. فقد كان النجم في احتفال اليوم الواحد وقد صفق له كل الحضور من الدول العربية الإسلامية، كما ان رئيس السلطة قال أمام المسؤولين العرب والمسلمين والدوليين كلاما طيباً – حسب تعبير أولمرت – حيث قال إن رئيس الوزراء الإسرائيلي يريد السلام، كما أن مجرد جمع وحضور هذا العدد من الوزراء والمسؤولين – العرب في ظل غياب حماس وفي ضوء استمرار الحصار وجرائم الحرب ضد قطاع غزة بمثابة نجاح شخصي لأهود أولمرت الذي تبجح بعد عودته من أنابوليس بعدم تقديم التنازلات والاكتفاء بالعموميات وحتى السقف الزمني تنصل منه قائلا: "إننا سنبذل الجهد من أجل التوصل إلى حل في نهاية 2008 ولم نقل أننا سنصل او يجب أن نصل إلى حل بحلول هذا التاريخ".

أولمرت ضمن بذلك استقرار ائتلافه الحاكم حتى النصف الأخير من عام 2008 وإذا ما نجح في استهلاك الوقت مع الفلسطينيين خاصة أن الثرثرة لا تهم والحكم على الأفعال وليس على الأقوال حسب تعبير حزبي "إسرائيل بيتنا" و"شاس"، فإن أنابوليس اليوم وأنابوليس المرحلة سيقوي وضع رئيس الوزراء الداخلي، ويحصنه في مواجهة قضايا وملفات الفساد، وكذلك تقرير فينوغراد النهائي.

ولذلك، لم يكن مصادفة أن يعلق زعيم حزب العمل اهود باراك بقاءه في الائتلاف ودعمه لأولمرت لأن ليس من المنطقي أن ينسحب حزب العمل – حزب التسوية – في ذروة المفاوضات مع الفلسطينيين معنى ذلك أن أولمرت سيستمر في السلطة حتى النصف الأول من عام 2009 – أكثر من باراك ونتنياهو – وربما أبعد من ذلك خاصة إذا ما عجز الفلسطينيون عن استخلاص العبر من أنابوليس المرحلة إذا لم يمتلك قادتهم الشجاعة للقول إن خيار التسوية خيار بائس وإن الفلسطيني بحاجة إلى إدارة الصراع واستنزاف إسرائيل لإجبارها على تقديم التنازلات دون التنازل أمامها ودون إعطائها الفرصة للبطش والتنكيل بهم.

تسيبي ليفني: كما اهود أولمرت رابحة أساسية من أنابوليس اليوم والمرحلة فرغم أنه بعض العرب تعامل معها كجرباء إلا أنها أصرت على عقد اللقاء بالتعاون مع كوندليزا رايس، وجلبت 16 دولة عربية وعددا من الدول الإسلامية لتشجيع أبو مازن ليس على المفاوضات ولكن على تقديم التنازلات للإسرائيليين.

ليفني تزعم كذلك أنها حققت نجاحاً مشتركا مع رايس عبر تقوية او إعادة اطلاق، جبهة المعتدلين في مواحهة إيران وحماس، غير أن الإنجاز الأهم لتسيبي ليفني يمثل في انتزاع التنازلات من الفلسطينيين حتى قبل بداية التفاوض عبر القبول بالعودة إلى خارطة الطريق وبندها الأول قبل تنفيذ أي اتفاق قد يتم التوصل إليه، علما أن ليفني – بالتواطؤ أيضاً مع رايس – صاحبة ومخترعة مصطلح اتفاق رف الذي يعني التفاوض مع الفلسطينيين بالشروط الإسرائيلية. وابقاء الاتفاق على الرف إلى أن يثبت الفلسطينيون جدارتهم وقدرتهم على تنفيذ أو بالأحرى فرض الاتفاق بالقوة على الشعب الفلسطيني.

ليفني قد تكون رابحة أيضاً في أنابوليس المرحلة فهي ستفاوض بشروطها، ولن تتخلى عن الجرأة وحتى الوقاحة في مواجهة المسؤولين الفلسطينيين والعرب، وستصر على التطبيع مقابل كل لفتة أو مبادرة يتم تقديمها للفلسطينيين وستنتظر عند الزاوية سقوط أولمرت – إذا ما جاء تقرير فينوغراد قاسياً جداً – في جميع الأحوال ستكون منافسة جدية له على زعامة حزب كديما في حالة إجراء الانتخابات الداخلية التمهيدية قبل إجراء أي انتخابات عامة.

اهود باراك: الخاسر الأكبر من أنابوليس اليوم وحتى أنابوليس المرحلة وهو يسعى فقط إلى تقليل الخسائر في الفترة القادمة. باراك شكك في اللقاء منذ البداية وتحديداً فى مبدأ الدخول في مفاوضات نهائية مع الفلسطينيين واضطر تحت الضغط السياسي والإعلامي للمشاركة في أنابوليس، ثم اضطر مباشرة بعد العودة من هناك إلى سحب كلامه عن انتخابات 2008، وكذلك عن فكرة الانتخاب من الحكومة عند صدور تقرير فينوغراد النهائي بحجة وجود وإسرائيل في ذروة عملية التسوية والمفاوضات، لا يمكن لحزب التسوية والسلام:- العمل -أن ينسحب في ذلك الوقت تحديداً غير أن الحقيقة هي أن باراك يقرأ نتائج الإستطلاعات التي تشير إلى تفضيل الإسرائيليين لبنيامين نتنياهو كرئيس وزراء قادم في حالة إجراء انتخابات مبكرة.

كما أن الاستطلاعات تشير إلى أن باراك لن يستطيع زيادة مقاعد حزب العمل سوى بشكل ضعيف – مقعد أو مقعدين على أكثر تقدير وهذا يعني في حالة حدوثه، فقدانه لزعامة الحزب ولذلك فإنه يحاول فى الفترة الأخيرة التقليل من الخسائر عبر إظهار نفسه للإسرائيليين كحريص على أمنهم ورافض لتقديم أي تنازلات تؤثر على هذا الأمن وتنال منه، كما يتشدد في البطش والتنكيل بقطاع غزة لتحسين شعبيته وفي نفس الوقت الثرثرة عن المسار السوري لإثبات أنه يمتلك أجندة سياسية وسلمية ولا يكتفي بصورة الجنرال والتفاؤل القاتل.

محمود عباس: رابح من أنابوليس اليوم وخاسر بالتأكيد في أنابوليس المرحلة. أبو مازن نال دعماً سياسياً وديبلوماسياً عربياً ودولياً لخيار التفاوض وعملية التسوية مع الإسرائيليين، والأهم أنه نال دعماً مهماً في سياق خلافه ونزاعه الداخلي مع حماس.

عباس نال أيضاً دعماً مالياً من خلال الدعوة إلى لقاء «مؤتمر» للدول المانحة سيعقد في باريس أواخر العام الحالي، كذلك حظي بأكثر من لقاء مع زعيم العالم اليوم الرئيس جورج بوش، غير أن كل ذلك سيتبدد ويتبخر تدريجياً مع الوقت.

يجب ألا يفاجئ الرئيس بالخطوات والتصرفات الاسرائيلية لا فى القدس ولا فى غزة، وسرعان ما سيكتشف أن أقصى ما يمكن أن يقدمه أولمرت لا يتطابق مع الحد الأدنى الذي يمكن أن يقبل به عباس أو أي فلسطيني آخر، في نهاية 2008 أي في نهاية أنابوليس المرحلة سيكتشف أنه طارد سراباً وأن الوصول إلى حل نهائي عادل وشامل للصراع مع إسرائيل عبر التفاوض ليس أكثر من وهم.

وهنا سيكون عليه مواجهة الحقيقة فإما القبول بالحل المؤقت أو الموافقة على الصيغة الإسرائيلية لدولة ضمن حدود الجدار الفاصل مع نصف وحتى ربع القدس الشرقية مع شطب حق العودة أو امتلاك الشجاعة للاستقالة ودعوة الشعب الفلسطيني إلى إتباع خيار آخر وانتخاب قيادة أخرى تدير الصراع مع إسرائيل وتستنزفها دون تقديم التنازلات الجوهرية والإستراتيجية لها.

حماس; خاسرة حتماً من أنابوليس اليوم ورابحة بالتأكيد في أنابوليس المرحلة، أنابوليس اليوم أظهرها كمعزولة مقابل الدعم والاحتضان العربي والدولي لخصمها الرئيس محمود عباس وحكومته بزعامة سلام فياض، غير أن حماس ستظهر وتتكرس كرابحة بالتدريج ومع الوقت وعندما يتضح أن خطايا الآخرين أكبر من أخطائها، وأن إسرائيل لن تقدم شيئا جديا لا فى قضايا المرحلة الانتقالية -الاسرى والحواجز وحرية الحركة للمواطنين والبضائع- ولا في قضايا الوضع النهائي القدس والحدود واللاجئين، وستستمر في فرض الأمر الواقع بفظاظة وعنجهية على الأرض وتظهر مفاوضها الفلسطيني كمنقطع عن الواقع.

أما الحصار وجرائم الحرب ضد قطاع غزة فستظهر محمود عباس وحكومته كمتواطئين في أسوأ الأحوال وصامتين وعاجزين في أحسن الأحوال، عندما تتحقق التوقعات الإسرائيلية والتي أجمعت عليها الأجهزة الأمنية بفشل أنابوليس المرحلة وانتهاء وزوال حكم سلطة الرئيس محمود عباس وسيطرة حماس على الضفة الغربية، وحتى لو لم تتحقق تلك السيطرة إلا أن حماس ستقود حتماً المشروع الوطني وعندها يجب أن تقرأ وتفهم أن خطايا الآخرين لا أن تحجب ضرورة استخلاصها للعبر والاستنتاج من أخطائها وممارساتها السلبية في قطاع غزة خلال الفترة الماضية.

في الاخير لا بد من قول شيء ما عن الطرف الوحيد الرابح من أنابوليس اليوم وفي أنابوليس المرحلة، ومقصود بالطبع سوريا التي ذهبت إلى المؤتمر بشروطها وبعد تقديم حزمة من الإغراءات لها وضع الجولان على جدول الأعمال والقبول بتصوراتها تجاه الانتخابات الرئاسية اللبنانية والانصياع لمطلبها الاصلي بانتخاب رئيس توافقي تقبل به المعارضة ووعد بلقاء دولى خاص حول المسار السوري في موسكو أوائل السنة القادمة.

لم تضح سوريا إلا بمؤتمر غير ذي بال للمعارضة الفلسطينية الذي كان مقدراً عقده بالتزامن مع أنابوليس اليوم، غير أن الأهم من كل ذلك أن أنابوليس المرحلة ستؤكد صحة وجهة نظر سوريا وهي أنه ليس بالإمكان المضي قدماً في عملية التسوية إلا وفق المرجعيات الدولية والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة وعلى أرضية الحوار الصريح المباشر مع دول المنطقة والاعتراف بنفوذها يصالحها الحيوية.

سوريا طبعاً ليست في وارد التنازل عن تحالفاتها الإستراتيجية العربية والإقليمية لا من أجل أنابوليس اليوم ولا طبعاً في سياق أنابوليس المرحلة، لأن أنابوليس بسياق ودلالاته الإستراتيجية والسياسية لم يفعل شيئاً أكثر من إقناع القيادة السورية بصحة مواقفها وصوابية السياسات التي اتبعتها خلال الفترة الماضية وتحديداً خلال السنوات الأربع الأخيرة.

التعليقات