31/10/2010 - 11:02

أوسلو ليست قدرا../ إلياس سحاب

أوسلو ليست قدرا../ إلياس سحاب
أعتقد أن الخط التنازلي للتآكل التاريخي الذي دخلت فيه العناصر التاريخية للقضية الفلسطينية منذ سنوات عديدة، قد وصل منذ مدة غير قصيرة، الى حالة من التردي التي أصبح استمرارها يهدد القضية بدخول مرحلة من التصفية النهائية التي قد يصبح الرجوع عنها مستحيلا.

والوقائع تؤكد أن مرحلة التصفية قد بدأت منذ سنوات، لكنها لم تبلغ يوماً حد الخطر التاريخي الذي تقف عنده في هذه الأيام.

وملامح التصفية بدأت برأيي مع بداية تطبيق اتفاقية أوسلو، منذ سبعة عشر عاما، عندما ارتكبت عملية الخلط التاريخي بين الأصل التاريخي لقضية فلسطين، وقضية الأراضي المحتلة في العام 1967.

ومع أن عملية الخلط هذه تمت في عهد قيادة ياسر عرفات لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبدأت (على عكس ما رأى منتقدوها منذ البداية) بإنجازات شديدة الهامشية، كانت ذروتها في إيجاد مساحة من المناطق التي وضعت تحت التصنيف «أ»، مما أوجد وهماً بأن التحرير قد بدأ. صحيح أنه شمل مساحة محدودة، لكنها «البداية» التي وعدنا بها أصحاب هذه النظرية (نظرية القبول ولو بشبر محرر في البداية) وصولا الى النهايات التاريخية الأولى التي تضمنها الميثاق الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية.

لكن هذه المرحلة، مع كل الالتماعات الخلابة التي أحاطت بها في البداية، لدرجة إسكات معظم الأصوات المعارضة أو المنتقدة أو المحذرة من العواقب، ما لبثت أن بدأت تتعرض لحالة من التآكل المتدرج، الذي كان أخطر ما فيه، ليس فقط تراجع السلطة الفلسطينية الفعلية على المناطق «أ»، بل أيضا الكشف عن أن تلك السلطة لم تكن في حقيقتها بداية (ولو متواضعة) لعملية تحرير وطني حقيقي، بل كانت في حقيقتها وجوهرها وشكلها، مجرد منحة من الاحتلال الإسرائيلي، ومنحة مؤقتة، تستطيع إسرائيل (وقد نفذت ذلك فعلا)، تقليص مساحتها، كما تقليص محتواها السياسي، الى حد فاضح، وصل بقائد عملية تطبيق بنود اتفاقية أوسلو، ياسر عرفات، حداً جعله يقف بقدميه أمام هوة التصفية التاريخية، التي كانت قد اكتملت، ولم يبق إلا توقيعه عليها، باسم شعب فلسطين.

ولقد استهول أبو عمار، أكثر مرة في حياته السياسية المديدة، النتائج الخطيرة للمساومة التاريخية التي حملت عنوان أوسلو، بعد أن جردت القضية من عمقها العربي أولا، ثم من عمقها التاريخي الفلسطيني ثانيا، الرابط بينها وبين الجريمة الأصلية التي ارتكبت في العام 1948.

لذلك، فقد كان بديهيا أن تتحول السنوات الثلاث الأخيرة في عمر ياسر عرفات الى السنوات الأنضج في حياته السياسية، ولكن الوقت كان قد فات، فوجد نفسه على قمة السلطة في رام الله، أمام مفترق يؤدي، كما يبدو، الى طريقين لا ثالث لهما:

ـ إما التوقيع باسم شعب فلسطين على وثيقة التصفية التاريخية النهائية للقضية.
ـ أو الانتظار في موقعه، حتى يقضي شهيدا، شهيدا، شهيدا، كما كان يردد بنفسه، وكما حصل بالسم الإسرائيلي القاتل، كما ترجح إحدى نظريات موته المشبوه، بعد حصار خانق دام ثلاث سنوات.

والحقيقة أنه كان أمام ياسر عرفات طريق ثالث، لكنه لا يبدو واضحا أمام عيون القابع في قمة السلطة، هو حل السلطة نفسها، بعد وصولها الى ذلك المأزق التاريخي، وإلقاء كل مسؤولية المشهد الغريب المعقد، الذي وصلت اليه القضية، على كاهل الاحتلال الإسرائيلي، وعلى كاهل المجتمع الدولي، المسؤول التاريخي عن وجود القضية من أساسها.

المشهد نفسه يتكرر اليوم، بعد أن ازداد تدهور القضية الفلسطينية باتجاه التصفية سوءا، بتطور العناصر السياسية التي حولت السلطة الفلسطينية الى رهينة حقيقية بيد الاحتلال الإسرائيلي، وبيد التحالف الاستراتيجي الأميركي ـ الإسرائيلي.

لم يعد كافيا للخروج من هذا المأزق أن تكرر السلطة الفلسطينية يوميا أنها لن تعود الى المفاوضات ما لم تعلن إسرائيل تجميد الاستيطان، ولو مؤقتا، وذلك لأسباب عديدة:

ـ لا، لأن بوسع أولياء أمور الممسكين بالسلطة إجبارها على العودة للمفاوضات، دون أي تنازل إسرائيلي، ما دام أولياء الأمور هؤلاء، يملكون العصب الحساس لوجود هذه السلطة ولاستمرارها، وهو التمويل.

ـ ثانيا، حتى لو قدمت إسرائيل التنازل الوحيد المطلوب منها فلسطينيا (وعربيا وأميركيا)، وهو التجميد المؤقت للاستيطان، فمن قال إن هذه الخطوة كافية لرد القضية الفلسطينية عن استمرار التدهور في مهاوي التصفية النهائية؟

إن المخرج الوحيد أمام السلطة الفلسطينية، من أوضاعها الكارثية الراهنة، هو أن تمتلك هذه السلطة، شجاعة أن تطرح على نفسها هذين السؤالين:

ـ هل اتفاقية أوسلو قدر لا يرد؟
ـ لماذا لا نعلن حل السلطة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، ونعيد طرح القضية الفلسطينية الأصلية، على مسؤولية الاحتلال، والمجتمع الدولي؟

بغير هذه الخطوة التاريخية، لا يبدو الوضع الفلسطيني على قمة السلطة السياسية فيه، قادرا على تحقيق أكثر مما وصل إليه ياسر عرفات في آخر أيام قيادته (الحصار ثم الموت).
بل ان تدهور الوضع منذ رحيل أبو عمار وحتى اليوم، ينذر بما هو أسوأ بكثير.
"السفير"

التعليقات