31/10/2010 - 11:02

أية بدائل وضعتم لهذه العبثية التي قبلتم بها؟../ ناصر السهلي

أية بدائل وضعتم لهذه العبثية التي قبلتم بها؟../ ناصر السهلي
حين وقف طوني بلير إلى جانب عمرو موسى ليرد على سؤال حول بناء المزيد من الاستيطان بكلمات "لا أريد أن أعلق على الموضوع..".. ازدادت قناعاتي بأن السياسية الرسمية الفلسطينية التي تلطم "حظها" العاثر بهذه النماذج السياسية التي تتوسط بينها وبين الاحتلال لا تتعلم أبدا.. ولا أظنها سوف تفعل.. ولست في وارد البحث عما يعانيه بلير في بلده واتهامات بالتزوير والكذب لافتعال حرب ضد العراق.. ورغم ذلك يقبل به العرب كوسيط " نزيه".. هذا النزيه نزيل جناح كامل في فندق "الأمبريكان كولوني" في القدس المحتلة.. ليس من حسابه الشخصي بالتأكيد..

حتى الموقف الأميركي، الذي لأجله طُلب من جامعة الدول العربية تغطية العودة إلى "المباحثات" غير المباشرة (نزولا عند رغبة عزام الأحمد بتسمية الأشياء بغير مسمياتها مع علي الظفيري مساء الثلاثاء 9 مارس)، بدا أكثر ميوعة وتفهما للمواقف الإسرائيلية.

حين تم الإعلان عن بناء 120 وحدة جديدة في حوسان، لم يكن قد مر الوقت الطويل على "التفويض" العربي- هكذا يسمونه في السلطة- فانبرى هؤلاء يحذرون بأن "الخطوة هي محاولة لإفشال جهود ميتشل"! لاحظ أن ميتشل لم يعتبرها كذلك.. وبعد لقاء "المقاطعة" والقدس المحتلة شرع ميتشل، عبر وفده بث الخبر العاجل بأن "المفاوضات غير المباشرة قد انطلقت".. المتحدثون باسم نتنياهو اعتبروا المسألة استثناء..
تحت عنوان "تغطية "عربية لكارثة فلسطينية" كتبت "نتنياهو الذي يستمر في ممارساته اليومية في القدس عبر تكتيكات مكشوفة حصل بهذه التغطية على غطاء بعض العرب للاستمرار وكأن شيئا لم يكن.. بل ستزداد الخطوات شراسة..".. لم يمر أيضا الوقت حتى تم الإعلان عن بناء 1600 وحدة جديدة.. " غضب واحتجاجات وإدانات" تتلو الخطوة.. فبعد يوم من الموقف الأميركي الذي لم ير مشكلة في توسيع بناء المستعمرات، عاد الأميركيون ليقدموا ما تطرب له السياسة العربية، ومنها الفلسطينية، بتنديد آخر.. بان كي مون فهم خطورة ما يجري: إنه عمل غير قانوني!.. لكن غير القانوني لا يحمل سوى الثواب بمزيد من "جسر الهوة"..

سأدعي، عملا بحرية الرأي والتعبير، بأن كل هذه الجعجعة الإعلامية لا تهم نتنياهو.. ولن تجعل باراك "الغاضب" ينقلب عليه.. ولن نجد مسيرات ومهرجانات ما يسمى "معسكر السلام" في ساحات تل أبيب والقدس المحتلة.. بل رأينا عتاة التطرف المدعوم رسميا وبقوات الاحتلال يفعل الأفاعيل في القدس ونابلس وجنين والخليل وبيت لحم..

العرب الذين قدموا التغطية "لأربعة أشهر" من كارثة فلسطينية جديدة ومتكررة حد الضجر، لن تتملكهم الجرأة، قبل قمتهم القادمة، أن يصلوا إلى قرار عملي ضاغط على الحليف الأميركي، الذي يمد لهم لسانه تارة، ويضع إبهامه على شفتيه طالبا منهم الصمت والهدوء..

سأدعي أيضا بأن التسريب الذي تم لوثيقة ديسكن المطالبة بوقف "الاحتجاجات" ومشاركة حركة فتح فيها سينتج عنه ما لا اختلاف عليه في معسكر السلام الفلسطيني المهدد بسحب الامتيازات وبمزيد من دخول الاحتلال إلى المناطق "أ".. وكأنه فعلا لا يفعلها يوميا..
قبل أن يسأل أي منا عن البدائل يجيئك جواب المبررين " هل تريد للاحتلال أن يعيد احتلال الضفة؟".. شيء مضحك حقا لمن يعرف ما يدور يوميا في الضفة.. وكأننا بتنا نصدق كذبة أن الضفة ليست محتلة، وأن الاحتلال يحترم تقسيمات وصلاحيات السلطة في المناطق "أ"..

يظن البعض بأنه يحرج نتنياهو وليبرمان بالذهاب بعيدا نحو مفاوضات أو مباحثات أو حوارات غير مباشرة.. الإحراج أمام "الإدارة الأميركية" و"المجتمع الدولي".. هذا لعمري مشهد مضحك ومبك في آن، أن ترى أجهزة التنفس الاصطناعي الممدودة لسلطة تدعي بأنها مقتنعة بعدم جدوى التفاوض في الاستهتار الصهيوني الكامل بها.. على فكرة، يقول الصهاينة: نحن نعد ملفا عن التحريض الفلسطيني ضدنا! (...).. ويبدو لي أن إخواننا ورفاقنا لا يسمعون التحريض اليومي لعوباديا يوسيف وغيره من ساسة الاحتلال، الذي وصل حد التهديد العلني باغتيال قيادات مثل إسماعيل هنية.. وغيره ممن لا يقبلون بـ"العفو" الصهيوني لما يسمى "مطاردين"..

الأخيرة تثير فعلا الكثير من علامات التعجب.. ولن أكرر حتى لا يصاب القارئ بضجر الحالة الفلسطينية، حيث وللمرة الأولى تطلب سلطة (تعتبر نفسها حركة تحرر وطني) من أفرادها أن يقبلوا بما وصل إليه التنسيق الأمني.. للتذكير فقط: لو استطاعت الدولة الصهيونية إلغاء "حق الشعوب بمقاومة الاحتلال بكل الوسائل" من ميثاق الأمم المتحدة لما تأخر البعض بنجدتها بحجة "محاربة الإرهاب والعنف".

على كل سؤالي عن البدائل ليس سؤالا تهكميا، بل في صلب الموضوع.. لا تدري أو ربما تغفل أقطاب حركة التحرر الوطنية الفلسطينية ( بمختلف فصائلها).. بأنها تعيش ورطة الخطاب المزدوج.. هي تعرف، كما نعرف نحن البسطاء، كم من الاشتراطات الفلسطينية جرى لعقها.. من "بيت الشرق" ومؤسسات م.ت.ف في شرقي القدس.. مرورا بالجدار ( الذي يُطبق الآن أيضا على غزة ويسرق أرضها، وكأن الأخيرة في المريخ) وآخرها وقف كامل للاستيطان غير الشرعي وغير القانوني.. قبل العودة لطاولة المفاوضات..

المثير حقا أن يخرج علينا عزام الأحمد بتصريح وسط هذه المعمعة والتخبط ليكرر "نحن ضد انتفاضة ثالثة".. وسبقه آخرون بالقول: نتنياهو يريد أن يستفزنا لانتفاضة جديدة.. يا سلام! هذا التهويد الواضح الممتد من الجليل شمالا مرورا بالقدس وزرع المزيد من المستعمرات في الأراضي المحتلة والخنق الذي يعيشه الشعب الفلسطيني هل يحتاج كما يظن البعض لقرار بانتفاضة؟ هؤلاء يظنون فعلا أنهم بـ"كبسة" قادرون على تجاوز تحذيرات ديسكين لحسين الشيخ.. لكن هنا ينطبق المثل الشعبي "اللي بيعرف بيعرف واللي ما بيعرف بيقول كف عدس"!

جيد، هل فاجأني وفاجأ الشعب والمراقبين من المنطقة وخارجها تلك السرعة التي تمت فيها موافقة "اللجنة التنفيذية على قرار العودة إلى المباحثات عن كثب وغير المباشرة"؟

بالطبع لا.. وليعذرنا هؤلاء أن ننقل لهم ما يدور في الشارع الفلسطيني: إنها فصائل البيانات المتناقضة والمواقف الأكثر والأسرع تراجعا.. للأسف تساهم تلك المواقف بتعميق حالة الانفصام بينها وبين الشارع وبين قوى عالمية وعربية مؤيدة للنضال الفلسطيني.. إنها لغة التلعثم والارتجال والتردد التي تسهم في تعميق أزمة المصداقية.. وهل يكفي أن نستدعي "لجنة المتابعة العربية" لاجتماع عاجل لتنظر بالموقف.. هل فقدت المنظمة أهليتها وقدرتها على تمثيل شعبها وقضيتها.. وهل خلت ساحتها من ساسة قادرون على التفكير واجتراع البدائل..

لكن ما يزال أحجية حقيقية، بالنسبة لي على الأقل، سؤالي عما أعدته فصائل المنظمة من بدائل؟

إذا كان العدو المحتل بالنسبة للبعض صار "شريان حياة واستمرار" فإنه بالتأكيد ( أي الاحتلال) لا يعتبر المفاوضات العبثية، المباشرة وغير المباشرة، سوى تغطية حقيقية لتنفيذ إستراتيجيته الواضحة المعالم.. ولم يعد يساورني شك بأن هذه السياسة الفلسطينية التي تستطيع بسرعة البرق انتزاع موافقة ما يسمى "اللجنة التنفيذية"، رغم البيانات السابقة واللاحقة لهذه الموافقة، هي في جوهرها سياسة قائمة على انتهازية من الدرجة الممتازة.. وهي سياسة لا تبحث في عمق البدائل.. وأجد أنه ما من فصيل معارض لتلك التغطية المجانية يستطيع الإجابة على سؤال البدائل طالما أنه غير قادر على شرح الكيفية التي تتم بها اتخاذ القرارات "رغم تحفظ ومعارضة الكثيرين" ( حسبما جاء على لسان أمين سر اللجنة التنفيذية والبيانات اللاحقة والسابقة للقرار)..
هل نحن بصدد مشهد "نضالي" يستند على المناكفة؟ أم أننا أمام مشهد سياسي مفلس من مصارحة حقيقية لهذا الشعب الذي باسمه يجري التفاوض على القبول بما لا يقبله؟

سمعت مؤخرا بعض المحللين المهللين للعودة إلى "التفاوض أو التباحث غير المباشر" يقولون: سورية أيضا تقبل بالمفاوضات غير المباشرة بوساطة تركية!

يغفل المحلل المبرر لكل خطوة ارتجالية بأن سورية حين تفاوض بشكل غير مباشر تحدد أولا مرجعية وأرضية التفاوض بعودة كل سنتيمتر محتل في عام 67.. وبإقرار صهيوني بالانسحاب الكامل من الجولان.. ولا أعتقد أن سورية تحتاج لمن يدافع عنها وعن مواقفها.. فهي أيضا دولة لم تغفل بدائلها الأخرى.. العسكرية وغير العسكرية.. بمعنى آخر أن عوامل الضغط التي تملكها السياسة السورية وثباتها على الموقف يقابله موقف رسمي فلسطيني ينزع عن نفسه كل المرجعيات ويقبل باعتبار "العنف" و"التحريض" مرفوضين.. وإن نظر لما يسمى المقاومة السلمية الشعبية فهو يتلقى تهديدات وتحذيرات حتى في مسألة المقاومة السلمية..

عطفا على ما ذكرت، فقد خرجت علينا صحيفة "هآرتس" يوم 9 مارس لتقول: وعلمت "هآرتس" بأن ميتشل أوضح لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وللرئيس السلطة محمود عباس أبو مازن بأن الاتفاقات والتفاهمات التي حققها الطرفان في المفاوضات التي جرت بعد مؤتمر انابوليس، لا تلزمهما في المفاوضات غير المباشرة التي ستبدأ!..

من جهتي لا تعليق.. أترك للقارئ أن يستنتج المطلوب من العودة إلى نقطة الصفر..
لكن دعونا نقرأ التناقض التالي في تصريح لعضو اللجنة المركزية لحركة فتح نبيل شعث ليوم 10 مارس:
وقال شعث في تصريح خاص لوكالة "صفا": "لا أظن أن بايدن سيأتي بأي جديد، حيث أن القضية الأساسية في زيارته تتعلق بمحاولة إرضاء الإسرائيليين وإقناعهم بعدم الهجوم على إيران، ولا أعتقد أنه قادم بأي جديد فيما يتعلق بعملية السلام".
يبدو تصريحا جيدا يفهم بأن بايدن ومهمة مبعوثي أميركا ليست البحث عن حل.. لكن لنقرأ التالي من شعث نفسه:
وعدّ القرار الإسرائيلي ببناء 1600 وحدة استيطانية جديدة في القدس المحتلة بأنه "ضربة متعمدة لتخريب الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لاستئناف المفاوضات".
إذا كانت السياسة الفلسطينية تعترف بأن الجهود الأميركية منصبة على إرضاء إسرائيل فما معنى القول بأن بناء 1600 وحدة استيطانية " ضربة لجهود أمريكا"!
هذا نموذج واضح لحالة التخبط وانتفاء البحث في البدائل..

السلطة الفلسطينية التي تقول بأنها "امتثلت" لقرار الجامعة العربية، ألا يفترض بها أن تكون أكثر صدقا مع شعبها، وتقول صراحة إنها هي من طلب هذا التفويض.. بل وحتى لو طلب العرب من م.ت.ف القبول "بيهودية الدولة" فهل هذا يعني الرضوخ لكل طلب "عربي" .. رغم شكي بأن تلك تمثل مطالب عربية..

على كل سيظل السؤال مفتوحا: ماذا أعد هؤلاء الذين يتفاوضون باسم الشعب الفلسطيني ومستقبل قضيته من بدائل ليفهم شعبهم بأنهم يستحقون تمثيله؟

التعليقات