31/10/2010 - 11:02

إستراتيجية وحدوية أم انفعالية تفريقية؟! / خالد خليل

إستراتيجية وحدوية أم انفعالية تفريقية؟! / خالد خليل
أحد الدروس الهامة للانتخابات البرلمانية الأخيرة هي تلك القفزة التي أحدثها وبادر إليها التجمع الوطني من خلال فرضه خطاباً وحدوياً جعل الآخرين في حيرة من أمرهم، فانهمكوا بالبحث عن طرق ملتوية وغير مباشرة لمهاجمة التجمع الذي قال للناخبين صوتوا للأحزاب العربية. ولكن على الرغم من ذلك فإن الحملة الإنتخابية الأخيرة كانت خطوة إلى الأمام بالنسبة للمواطنين العرب وعلاقة الأحزاب ببعض على الأقل رسمياً.

التوجه الوحدوي للتجمع كان متناسقاً تماما مع مشروعه السياسي الوطني، وهو لا شك على مقاسه وهذا ما أدى إلى تميزه الوطني في الانتخابات الأخيرة. وربما كان من احد انجازاته ذلك التطور الذي شاهدناه في موقف الحركة الإسلامية من التحالف الذي وصل إلى درجة كسر التحريم الذي كان سائداً فيما يتعلق بتولية "ذمي" حسب مصطلحية الحركة الإسلامية في بلادنا، وتجسد ذلك في تصريح الشيخ إبراهيم صرصور الذي قال "يشرفنا أن يكون عزمي بشارة على رأس القائمة المشتركة".

وبالمناسبة فمفهوم تولية الذمة حسب علماء الإسلام لا ينسحب على المواطنين غير المسلمين في الدولة الإسلامية نفسها. وهذا على سبيل المثال ما أكده الشيخ الغزالي في أكثر من موضع في مؤلفاته، حيث يعتبر أن الآيات التي وردت في القران الكريم والتي" تمنع اتخاذ المؤمنين لليهود أو النصارى أو الكافرين أولياء، إنما وردت جميعاً في المعتدين على الإسلام والمحاربين لأهله، ونزلت لتطهير المجتمع الإسلامي من مؤامرات المنافقين الذين ساعدوا فريقا معينا من أهل الكتاب اشتبكوا مع الإسلام في قتال حياة أو موت".

ويتناقض مفهوم الذمة والتولية بشكل صارخ مع مفهوم المواطنة في الإسلام كما يراه مفكرو الإسلام أنفسهم بدءاً من السيد قطب الذي نادى بالمساواة التامة لجميع المواطنين، وليس انتهاء بحسن الترابي وراشد الغنوشي الذي يرى أن " مصطلح أهل الذمة لم يعد لازم الاستعمال في الفكر السياسي الإسلامي طالما تحقق الاندماج بين المواطنين، وقامت الدولة على أساس المواطنة أي المساواة حقوقا وواجبات. ويستشهد الغنوشي بالدولة الإسلامية الأولى، حيث تعرضت الصحيفة التي وضعها الرسول (ص) لبعض المشكلات مثل مشكلة المواطنة، والتي تعتبر الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية امة من دون الناس، وهي الأمة السياسية التي يشترك أفرادها في الإدارة المشتركة في جميع الظروف".

لم نكن لنستخدم كل تلك الاستشهادات من داخل الفكر الإسلامي، لولا التحريف اليومي الشعبوي لهذه المفاهيم من قبل بعض قادة الحركة الإسلامية، والذي يؤجج الصراعات الطائفية ويهدد التماسك الاجتماعي للأقلية الفلسطينية في هذه البلاد.

الشيخ إبراهيم صرصور الذي قال يشرفنا أن يكون عزمي بشارة على رأس القائمة المشتركة، عاد ولحس هذا التصريح أثناء الحملة الانتخابية في إحدى خطبه في كابول حيث قال لا تولوا ذمياً.

نأمل إن تكون غلطة الشيخ هذه سهوية، وان تعتذر الحركة الإسلامية عنها بوصفها لا تعبر عن الشعبوية المعهودة للتيارات المتشددة، لان المشروع السياسي لنا في هذه البلاد ينبغي أن يتمحور حول مقارعة الدولة ونيل حقوقنا كأقلية قومية متعددة الطوائف والاجتهادات، بما يشمل المواطنة والحكم الذاتي الثقافي وانتخاب المؤسسات التمثيلية. وعلى الرغم من أن العمل الوحدوي أشمل بكثير من الساحة البرلمانية ويتطلب تحالفات في ساحات النضال الأخرى أمام التحديات الجسام التي من ضمنها تحقيق الحقوق السياسية والثقافية والاقتصادية وعلى رأسها تحسين ظروف الناس المادية، إلا انه باعتقادي الحملة الانتخابية السابقة كانت فرصة لنسج تحالف بين الحركة الإسلامية والتجمع وكسر التناقض الموهوم بين القومي والإسلامي، خاصة وان تحولاً ملحوظاً طرأ على موقف الإسلامية كما أشرت سابقاً، علاوة على إن القومي والإسلامي في ظروفنا المحلية والعربية يكملان بعضهما البعض، ومن المفروض أن تكون المصالحة الفكرية بينهما ناجزة كما هي كذلك في ساحات العمل المشترك.

وبما أن إمكانية فعلية كانت قائمة هذه المرة لتحقيق التحالف، فان السبب الرئيسي في تفويت هذه الفرصة يكمن قطعا في عدم جاهزية الطرفين لإبرامه.

السؤال المطروح اليوم ليس ما كان وإنما ما ينبغي أن يكون، فالانتخابات البرلمانية حلقة واحدة من حلقات نضالنا والاهم منها الحلقات الأخرى المشار إليها آنفا. فهل ستتصرف الأحزاب بانفعالية تفريقية تحكمها ردود الفعل الانتقامية على تصريح هنا أو نقد هناك؟ أم أنها ستضع أمام أعينها المصلحة العامة لجماهيرنا وترفعها فوق كل اعتبار؟

أنا على يقين من أن التجمع الوطني الديمقراطي الذي تميز بخطابه الوحدوي لن يتنازل عن إستراتيجية التحالف والعمل المشترك، التي بدونها لن يكون معنى لمشروعه الشامل للأقلية العربية في هذه البلاد، وهو بحاجة لتأكيد التكامل بين التيارين انطلاقا من انه وكادراته وقيادته هم أبناء الحضارة العربية الإسلامية وجزء لا يتجزأ منها سياسيا وثقافيا.

والحركة الإسلامية بحاجة ماسة لان تخرج من مأزقها المبني على افتعالها للتناقض بين القومي والإسلامي، وعن لعب دور الوصي الوحيد على الحضارة والثقافة العربية الإسلامية.

أما التيار الوحيد على ساحتنا الذي يرفض الوحدة المؤسسة على مشروع سياسي متكامل لنا هو الجبهة، كونه يتناقض مع برنامجه المستند إلى مبدأ المساواة الاندماجية في الدولة، وسيبقى هذا التناقض سبباً رئيسياً في أزمة الجبهة إلى أن تعيد النظر جذريا في رؤيتها وبرنامجها.

حتى ذلك الحين بالإمكان بدء المشروع الوحدوي الذي سيكون بدون شك ضاغطاً باتجاه جذب الآخرين إليه، وبالتالي فان الحملات الانتخابية، برلمانية كانت أم بلدية، تهيئ أرضية خصبة لاتخاذ خطوات على الطريق.

التعليقات