31/10/2010 - 11:02

إلى متى هذا الاقتتال العبثي في الساحة الفلسطينية؟../ ماجد كيالي

إلى متى هذا الاقتتال العبثي في الساحة الفلسطينية؟../ ماجد كيالي
لم تعد الاتفاقيات والعهود وكثرة التشدق بالحديث عن توجيه البنادق نحو العدو تجدي، أو تقنع أحدا، في ظل الفلتان الأمني في قطاع غزة، كما لم تعد مقولات من نوع: "الدم الفلسطيني خط أحمر" أو الحرص على الوحدة الوطنية، تعني شيئا لأي أحد، بعد هذا الاستسهال في استباحة الدماء في القطاع؛ الذي أودى بحياة 18 فلسطينيا في يوم واحد (الثلاثاء 15/5)، وهو وللمفارقة يوم النكبة!

وللدلالة على فداحة ما يجري فإن حصيلة ضحايا الفلتان الأمني في قطاع غزة، خلال الربع الأول فقط من العام الحالي (2007)، بلغت (1065) شخصاً، بينهم (147) قتيلاً، ما يزيد عن حصيلة العام 2004 بثلاثة أضعاف، كما تزيد عن حصيلة العام 2005، وهو من الأعوام التي شهدت تصعيداً في هذه الظاهرة. وحتى بالمقارنة مع العام (2006)، وهو العام الأسوأ على هذا الصعيد، فإن حصيلة ضحايا الربع الأول هذا العام بلغت حوالي نصف حصيلة العام المنصرم بأكمله، أي أن عدد الضحايا الذين سقطوا قد تضاعف. (بحسب تقرير أصدره مركز "الميزان" لحقوق الإنسان في غزة).

وفي الواقع فإن ما يجري في قطاع غزة هو نوع من الصراع العبثي المنفلت من عقاله، لاسيما أن الصراع على السلطة يدور بين أكبر حركتين سياسيتين في الساحة الفلسطينية (فتح وحماس) في وضع مزري، لا سلطة فيه إلا للاحتلال، حيث لم يتم تصفية الاستعمار، ولا نيل الاستقلال، ولم يتم انجاز مهام التحرر الوطني.

ويمكن تشبيه هذا الصراع بالصراع بين المسجونين على إدارة السجن، بدل التصارع مع إدارة السجن لتحسين حقوقهم، أو التصارع مع السلطة المسؤولة عن السجن لنيل حريتهم وحقوقهم.

وبديهي أن هكذا صراع هو بمثابة خدمة مجانية لإسرائيل، فهو يثبت صدقية كلامها بشأن عدم نضج الفلسطينيين للاستقلال، أو لإدارة أوضاعهم، وبشأن ميلهم للعنف لحل خلافاتهم، ما يسهل لها تبرير تملصها من عملية التسوية، بدعوى انعدام الثقة بأية تسوية أو اتفاقات مع الفلسطينيين. كذلك فإن هذا الاقتتال الجانبي يستنزف قوى الطرفين، ويدخل المجتمع الفلسطيني بحال من الانقسام والفوضى والإحباط. أما على الصعيد الخارجي فإن هذا الوضع يساهم في التشويش على صدقية كفاح الفلسطينيين وعلى عدالة قضيتهم.

وفي كل الأحوال فإن هذا الاقتتال العبثي والمجاني في صراع على سلطة وهمية، يشي بإفلاس الحركة الوطنية الفلسطينية، من النواحي السياسية والأخلاقية.

وهذا الاقتتال هو تعبير عن العطب الذي يدب في هذه الحركة بنتيجة مبالغتها بالعسكرة، وميلها لتقديس العنف، وتسيّد الانفلاش فيها، وغياب المرجعيات القيادية والسياسية، وهو نتيجة من نتائج تغييب المؤسسات، وضعف تقاليد الديمقراطية، وغياب استراتيجية سياسية مشتركة.

والمعضلة في الاحتقان وفي الاقتتال الجانبي الدائر في قطاع غزة أنه بات من الصعب السيطرة عليه، فثمة مداخلات إقليمية، وإسرائيلية، وثمة جماعات أصولية باتت تعتاش وتنمو على الخلاف الدائر بين فتح وحماس. هكذا بتنا نشهد نمو ظواهر من نوع "جيش الإسلام"، والجماعة السلفية وجماعة "القاعدة"، وغير ذلك، كما بتنا نشهد ظاهرات مافوية أمنية وعائلية، وهي بمثابة جزر ميليشياوية، تمارس أنشطة خارجة عن القانون وعن المعاني الوطنية، لحسابها الخاص! أيضا بتنا نشهد نوع من الانفلاش التنظيمي في المنظومات العسكرية والأمنية التابعة لفتح أو لحماس، بحيث أن بعض هذه المنظومات لم تعد تعترف بمرجعياتها السياسية أو القيادية، وباتت تتصرف وكأنها قيادة بحد ذاتها.

ولعله من المستهجن، بل والمؤلم، أن تقوم كل من كتائب الأقصى وكتائب القسام اللتين تقاسمتا عبء المقاومة المسلحة ضد الاحتلال طوال السنوات الماضية، بالتحول نحو دوامة المواجهة الجانبية، في وقت ذهبتا فيه نحو التهدئة أو الهدنة مع الاحتلال، الأمر الذي يضيّع انجازات المقاومة ويهدر تضحياتها، ويشكك بعدالة كفاحها وبقضيتها.

وبحسب التجربة فإن الاقتتال العبثي المجنون، الدائر في قطاع غزة، لن يوصل إلى نتيجة، فهو لن يحل الأزمة الناشبة بين فتح وحماس، ولن يحسم التعادل في القوى بين الطرفين، ولن يوجد معادلة للازدواجية في السلطة، ولن يكره طرفا على التخلي عن برنامجه.

واضح من ذلك أن البديل عن الاقتتال الجانبي، وعن انعدام الثقة بين الطرفين (فتح وحماس)، إنما يكمن في قبولهما، واحترامهما، واقع التعددية في النظام السياسي الفلسطيني، والاعتراف بأن زمن احتكار القرارات انتهى. كما يكمن ذلك في توافق الطرفين المعنيين (فتح وحماس) على الاحتكام لوسائل الحوار، وللطرق السلمية الديمقراطية في حل الأزمات السياسية.

من ذلك فإن الخيارات أمام الفلسطينيين، في ظل هذه الأزمة المشتعلة، باتت تتمثل في التوافق بالحوار احترام مؤسسة الحكومة (حكومة الوحدة الوطنية)، وتعزيز دورها، وتفعيل دور المجلس التشريعي، وتركيز الجهود لإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية بكل هيئاتها وإطاراتها؛ مع الأخذ بالاعتبار ضرورة إبداء كل طرف نوعا من التنازلات، لصالح برنامج الإجماع الوطني، على قواسم وسط مشتركة، على اعتبار أن هذه الحكومة، لا تمثل لونا سياسيا معينا.

أما إذا تعذر هذا الخيار، وهو الأرجح على ضوء التجربة، فثمة بديل آخر يتمثل بتشكيل حكومة من شخصيات وطنية مستقلة (وهذه غير حكومة التكنوقراط)، مهمتها إدارة الوضع الداخلي، وتخضع لرقابة المجلس التشريعي الذي تسيطر عليه أساسا حركتا فتح وحماس (وفيه أغلبية لحماس).

على أية حال لا يبدو أن الأمور في الساحة الفلسطينية لا تسير في صالح أي من هذين الخيارين (للأسف)، لذلك فإن البديل عنهما لا يكمن في حسم الأمور بوسائل القوة والقسر والاقتتال المدمر، فثمة بديل سلمي وديمقراطي وحضاري، يتمثل بالتوافق على الذهاب نحو استفتاء وطني، أي نحو إعادة القضية للشعب للحسم فيها، بشأن إمكان الذهاب نحو انتخابات مبكرة (رئاسية وتشريعية في آن واحد) لحسم ازدواجية السلطة، والتعدد في مركز القرار، ولتعيين الخيار السياسي الذي يحبذه الشعب الفلسطيني.

وكما هو معلوم فإن خيار الذهاب لانتخابات مبكرة هو خيار يجري اعتماده في النظم الديمقراطية للخروج من أزمات مستعصية، من نوع الأزمة الحاصلة في الساحة الفلسطينية؛ وإلا فإن الأمور ستذهب نحو مزيد للتدهور في هذه الساحة، وهذا التدهور لن يطال فقط الأطراف المتصارعة، وإنما هو سيضر كثيرا بالحركة الوطنية الفلسطينية، كما بفلسطين القضية والشعب.

هكذا فإن التوجه للاستفتاء هو الخيار الأسلم، إذا تعذرت التوافقات الأخرى، لأنه يقطع الطريق على الاقتتال الداخلي، ويسهل ويمهّد لحماس التوجه نحو القبول بالانتخابات، ويساهم بإيجاد أفق لحل الأزمة السياسية الفلسطينية، بوسائل الانتخابات وبالطرق الديمقراطية السلمية.

التعليقات