31/10/2010 - 11:02

إنها معركة على الأرض../ حنين زعبي

إنها معركة على الأرض../ حنين زعبي
تعتبر الأرض عصب الصراع بين العرب وبين الدولة، وتستطيع إسرائيل أن تكتفي فقط (مع أنها عمليا لا تكتفي) باستعمال الأرض كأداة لمحاربة الوجود العربي داخل حدود الـ48، فالسيطرة على الأرض هي سيطرة على فضاء الوجود العربي بأكمله، فهي سيطرة على التواصل، على التطور المادي والرمزي، على التوسع، وعلى إنشاء المناطق الصناعية والتجارية.

وتعتبر إسرائيل، حسبما اعتقد، من الدول القليلة في العالم (إلى جانب الصين) التي تعتمد نمط ملكية الدولة المباشرة على الأرض، وليس نمط الملكية الفردية، كشكل للسيطرة على تلك الأرض أمام أصحابها الأصليين.

حاليا، تؤشر الدولة لهذا الصراع على الأرض، وهو صراع نشط، لم يهدأ ولم تقل نشاطه منذ النكبة رغم نجاح الدولة في السيطرة العملية شبه المطلقة على الأرض، من خلال أربع تطورات جديدة في تفاصيلها:

الأول، التعديل الذي يجري الآن على ما يسمى بقانون "دائرة أراضي إسرائيل" والذي سيغير بشكل كبير نمط ملكية الأراضي في إسرائيل، لتنتقل من ملكية الدولة للملكية الفردية، بما في ذلك الأراضي التي هي الآن تحت سيطرة القيم على أملاك الغائبين.

الثاني: ما تقوم به دائرة أراضي إسرائيل خلال السنتين الأخيرتين، من بيع لأملاك اللاجئين إلى سلطة التطوير، بخلاف ما ينص عليه القانون الدولي الذي يحظر التصرف بالأملاك الخاصة للاجئين.

الثالث: عملية تبادل واسعة للأراضي بين الصندوق القومي لإسرائيل (كيرن كاييمت ليسرائيل)، وبين دائرة أراضي إسرائيل، - عرضت بداية كجزء من عملية تعديل القانون- تقوم حسبها الأخيرة بنقل أراضي تابعة للعرب في النقب والجليل (حوالي 70 ألف دونم)، إلى ملكية الصندوق الصهيوني كـ"تعويض" لها عن أراض سيقوم الأخير ببيعها في منطقة المركز.

الرابع: تصريحات وزير البناء والإسكان الإسرائيلي، أرئيل آتياس، وهجومه العنصري على العرب، التي تريد للعرب أن يعيشوا في معازل في قراهم، وأن يتم فصل أماكن سكنهم عن اليهود. وهي تصريحات لا تؤشر فقط لحقيقة النوايا الإسرائيلية، بل تؤشر أيضا للتوجه الفعلي لهذه السياسة في السنوات الحالية، والتي تقع ضمنها مخطط بناء مستوطنة "حريش" التي ستقام على أراضي وادي عارة.

يغير تعديل القانون الحالي لـ"دائرة أراضي إسرائيل" جذريا نمط ملكية الأراضي في إسرائيل، لتنتقل من ملكية الدولة للملكية الفردية، بما في ذلك الأراضي التي هي الآن تحت سيطرة القيم على أملاك الغائبين.

وتعتبر الأبعاد الدستورية لهذا القانون السياسي من الدرجة الأولى الأكثر خطورة منذ قيام الدولة، إذ يحاول هذا القانون عمليا (بغض النظر إذا ما كان هذا هدف القانون أو تأثيره) نفي القاعدة القانونية لأي مطالبة مستقبلية وآنية لاسترداد أراضي الشعب الفلسطيني، ولعودة اللاجئين لأراضيهم.

وعلى هذا الأساس، فهو يعتبر ليس أقل، من محاولة تصفية لأملاك الشعب الفلسطيني، بشكل مناف أيضا للقوانين الإنسانية الدولية ولقوانين الحرب، حيث بموجب القانون الدولي فإن نقل أملاك اللاجئين لملكية الدول أو لأي طرف ثالث تعتبر غير شرعية، باعتبار أن هذه الأراضي وقعت بيد الدولة نتيجة حرب.

والقول إن هذا القانون يساعد العرب على إعادة تملك أراضيهم عبر إمكانية شرائها، فقد حدد القانون المقترح آليات السيطرة على عملية "بيع" الأراضي هذه، وذلك عبر آليتين رئيسيتين، إنشاء وحدة مسؤولة عن الحفاظ على أراضي إسرائيل، وهي الوحدة التي سينوط بها على الأغلب، وبشكل غير رسمي، ضبط كم ومواقع الأراضي التي ستباع للعرب. والآلية الثانية هي صلاحية وظائف السلطة، حيث من ضمن صلاحياتها المنصوص عليها: المساعدة في مصادرة أراضي، تحديد تكلفة نقل الملكية، سواء ستنقل مجانا، أو بمقابل، حيث تعطى أفضلية للبيع، وللبيع دون مقابل، فقط في المناطق التي تحظى بدعم الدولة، ومعظمها مناطق يهودية.

بالإضافة لمعارضة منطق القوانين الدولية، يتعارض القانون التالي مع "روح" العصر السياسية بين بعض الدول الكولونيالية وبين السكان الأصليين، ففي الوقت الذي تقوم به إسرائيل ببيع المسروقات التي سرقتها، للتخلص من أثار الجريمة، ولسد إمكانية مطالبتها بإرجاع المسروقات، تقوم دول كأستراليا ونيوزلندا بإجراء تغييرات دستورية وقانونية تتلاءم مع عملية إعادة توزيع الأراضي بين البيض وبين السكان الأصلانيين، لصالح الأخيرين، كجزء من إحقاق بعض العدل النسبي.

حتى هذه اللحظة يدور النقاش حول الموضوع ضمن حدود الـ48، مع أنه يمس لب الصراع بين العرب والدولة العبرية، بالتالي وبالإضافة لضرورة توضيح حدود هذا الصراع وتعميق مقاومتنا لهذه المخططات بين شعبنا في الداخل وبين السلطات الإسرائيلية على كافة المستويات البرلمانية والسياسية والجماهيرية والإعلامية، فالمطلوب فلسطينيا وعربيا هو عدم التقدم مع إسرائيل خطوة واحدة دون أن تقدم الأخيرة "جردا تاريخيا"، يوضح جميع الأملاك التي صادرتها، وكيف تصرفت بها خلال الستين سنة السابقة، والتعهد بعدم القيام بأي خطوة في مجال التصرف بالأرض تسد الطريق أمام تسوية سياسية عادلة، مع ما يستطيع هذا العدل أن يكونه بعد جريمة سرقة تجاوزت الستين عاما.

التعليقات