31/10/2010 - 11:02

البريد الإسرائيلي../ ساطع نور الدين

البريد الإسرائيلي../ ساطع نور الدين
أسوأ انواع الصحافة تلك التي تكون مثل البريد. واسوأ انواع المقابلات الصحافية تلك التي تجرى بالمراسلة، وتنشر بلا مقدمات او توضيحات او حتى اختصارات، فتترك للمسؤول ان يفرغ ما في جوفه، ويتحول الى محاضر يخطب في طلابه ولا يتوقع منهم سؤالاً او اعتراضاً او تصويباً، لأنه يقول الحقيقة المجردة ولا شيء سواها.

المقابلة التي نشرتها الزميلة «الرأي» الكويتية مع الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز تقع تحت هذا الباب من الصحافة الرديئة التي لا تحترم مهنتها ولا جمهورها، ولا حتى الرجل نفسه الذي اختارته لكي يطل على القراء في يوم صيفي مغبر وفي يوم رمضاني أغبر، وافردت له مساحة واسعة من صفحتها الاولى ومن صفحاتها الداخلية، يقدم نفسه فيها باعتباره رسول سلام مستعد للسباحة الى اي مكان من اجل ان يحقق هدفه وهدف اسرائيل الأسمى.

الرجل الذي شارف الخامسة والثمانين خرف بالمعنى الحرفي للكلمة. والاسرائيليون أنفسهم لا يقيمون له وزناً لهذا السبب بالتحديد، فضلاً عن السبب الآخر المتعلق بمنصبه البروتوكولي الذي لا يتمتع بأي سلطة سياسية، ولا حتى معنوية، ولا يتصل بأي حزب سياسي. وقد صار في الآونة الاخيرة مثار سخرية الإعلام الاسرائيلي الذي فضح أكثر من مرة عدم قدرته على التركيز وصوره غافياً وشاخراً خلال مقابلات تلفزيونية مباشرة على الهواء.

الأغلب أن المقابلة أجريت بالمراسلة: كتبت الصحيفة أسئلتها وحملها مراسلها في القدس المحتلة إلى مكتب الرئيس الإسرائيلي، الذي تولى كتابة الأجوبة المناسبة، وتسليمها الى المراسل لتولي نشرها وفق ما تقتضيه الأمانة الصحافية. ولعل المسؤول الاسرائيلي الذي تولى عملية التسلم والتسليم وربما الترجمة ايضا، لم يطلع بيريز نفسه على تفاصيل ذلك «الحوار الحي» مع صحيفة عربية مرموقة، تطل على قراء خليجيين تجهد إسرائيل من اجل الوصول إليهم في هذه الفترة بالذات.

الأرجح ان المقابلة اجريت استجابة لطلب ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما من العرب بالإقدام على مبادرات حسن نية تجاه اسرائيل وفتح اعلامها امام المسؤولين الاسرائيليين، مقابل موافقة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو على تجميد الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة بضعة اشهر.. لكنها لم تركز حتى على هذا المحور من النقاش بين واشنطن وتل ابيب، او بين واشنطن والعواصم العربية، ولا في الاحتمالات والتقديرات للمرحلة المقبلة، على الاقل تلك التي تنشرها الصحافة الاسرائيلية نفسها، وتحتاج الى قراءة عربية دقيقة، تخلو من المبالغة في حجم الخلاف الاميركي الاسرائيلي، لكنها لا تنفيه.

اما عن مضمون المقابلة، فانه يكاد يكون إهانة لذكاء اي قارئ عربي مهما كان ساذجاً: ما قاله بيريز عن لبنان وحزب الله وأهدافه ومبررات وجوده وصواريخه وعن صداقات اسرائيل مع الشيعة والسنة والدروز لا يقلّ فداحة عن كلامه الموجه الى الفلسطينيين، ولا عن جوهر رسالته الى الخليجيين الذين يحترمهم ويدعوهم إلى إعادة فتح المكاتب الاسرائيلية التي كان إغلاقها خسارة لهم.

لن يشفع «للرأي» حتى الاعتراف بأن بيريز لا يستحق غير الاستخفاف!
"السفير"

التعليقات