31/10/2010 - 11:02

البكاء في إيباك!../ نزار السهلي*

البكاء في إيباك!../ نزار السهلي*
المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية "إيباك" الذي ينعقد سنويا في الولايات المتحدة، يظهر قوة ما يتمتع به نفوذ اللوبي اليهودي في المجتمع الأمريكي، منذ تأسيسه عام 1951، وازدياد عدد الموالين له ضمن صناعة القرار في المجتمع الأمريكي. ويشكل "إيباك" أحد أهم المؤتمرات التي تظهر أيضاً أعضاء الكونغرس والسياسيين الأمريكيين يسجلون حضورا متميزا، وكلمات لا تقل عن ذلك، دعما لإسرائيل وسياستها على المستوى الاقتصادي والسياسي والعسكري.

ويأتي انعقاد إيباك اليوم، لتظهر التأثير القوي الذي تمارسه المنظمة على السياسة الأمريكية، وان كانت تنفي ذلك وتتحدث عن نفسها أن خدماتها تنحصر في تقديم الرأي والمشورة لصانع القرار الأمريكي، الذي غالبا ما يعطي الانطباع أن لرأيه سقفا هو إيباك أي "إسرائيل". والكلمات الأمريكية التي تتالت في إيباك هذا العام لا تختلف عن السنوات السابقة كثيرا، حول الدعم المطلق لأمن إسرائيل، وعن الصداقة والروابط الحقيقة المشتركة بين أمريكا وإسرائيل والالتزام بمستقبل إسرائيل.

هذا الحديث ينفي أي تغيير في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، والحديث عن الامتعاض الأمريكي لا يعدو أكثر من رفع عتب للعرب وللمسلمين، الذي ما انفكوا مطالبين بتغيير بسياسة أمريكا، وها هو نتنياهو يبشرهم من واشنطن أن سياسته الاستيطانية لن تتغير في القدس والأراضي الفلسطينية، ولن يمسها مشروع حل الدولتين، الذي به استمر بوش ولاية ثانية، واليوم أوباما تحت شعار ممانعة الاستيطان يلقى ترحيبا عند المعتدلين الفلسطينيين والعرب.

لقراءة ما يعنيه مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، من وجهة نظر عربية وفلسطينية حول طبيعة العلاقة التي تجمع هذا الحشد الضخم من الأمريكيين وأعضاء الكونغرس بسياسة إسرائيل في المنطقة العربية، يتضح أنهما وجهان لعملة واحدة، ترفض السياسة العربية التدقيق في العملة من أي جانب. وأهم ما يميز إيباك في مؤتمراتها استمرار العمل على تغييب وإجهاض أي لوبيات عربية وإسلامية فوق الأراضي الأمريكية تكون لها فاعلية، وتظهر غياب السياسة الرسمية العربية اتجاه الجاليات المفترضة إنها لوبيات، لو توفر لها الإرادة والدعم الرسمي.

وبفضل تأثير إيباك على أسس الدعم الرسمي الذي تحظى به إسرائيل من الولايات المتحدة استطاعت إسرائيل أن تصمد من تأثير الازمة المالية العالمية، كما قال المحلل والخبير الاقتصادي في "يديعوت" سيفر بلوتسكر، من أن الولايات المتحدة تدخلت في مرات عدة لإنقاذ إسرائيل اقتصاديا، مثلما حصل مع ضمانات تجنيد ائتمانات في الأسواق المالية الدولية بـ9 مليارات دولار خلال الهجرة الكبيرة من الاتحاد السوفييتي، إضافة إلى منح أُخرى حصلت عليها "إسرائيل" بعد حرب الخليج الثانية، وفي صيف 2002 في ذروة الانتفاضة. كذلك فإن الولايات المتحدة هي أيضاً المشتري الأكبر للصادرات الإسرائيلية، وبالتالي فإن "كبح الاقتصاد الأميركي جماح شهيّته للمنتجات الإسرائيلية سيجعل الاقتصاد الإسرائيلي يتدهور إلى أزمة حادة".

وفضلا عن الدعم الاقتصادي فإن الدعم السياسي والعسكري، الذي تحظى به إسرائيل من قبل الولايات المتحدة جعلها تتبوأ المكانة الرفيعة في ركل المجتمع الدولي وقراراته التي يتباكى عليها العرب والمسلمون مطالبين إسرائيل أن تقبل بها. واليوم قي إيباك يجري العمل والتركيز على أهداف محددة: منع إيران من تطوير قدرات نووية ودعم إسرائيل وتأمينها سياسيا واقتصاديا وعسكريا، والدفاع عن إسرائيل من أية أخطار تهدد مستقبلها، و"توعية" الكونغرس الأمريكي بأهمية العلاقة مع إسرائيل والعمل على إعداد قيادات داعمة لها.

هذه الأهداف تنفي تماما ما يزعمه الفلسطينيون والعرب الواهمون بسياسة واشنطن والمستبشرون بها. فبأموال المساعدات الأمريكية أيضا تم بناء العدد الأكبر من المستوطنات في الضفة الغربية، حيث أن المستوطنات التي يعتقد الأميركيون أنه يجب إخلاؤها، بنيت بأموال المساعدات الأمريكية التي منحت لـ"إسرائيل".

وفي التعاون العسكري رأى المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، أن "السند الاستراتيجي الأميركي، هو الذخر الأمني الأكبر والأهم، الذي لدى إسرائيل اليوم". وقال إن "دولة إسرائيل تعرف كيف تخرج إلى الحروب وحدها، لكنها لا تعرف كيف تنهيها من دون الأميركيين. وهذا ما يسمّونه التعلق الاستراتيجي".

وبسلاح الولايات المتحدة تم قتل آلاف الفلسطينيين وهدم بيوتهم وتجريف مزروعاتهم والقضاء على بنيتهم التحتية.

فمن أي باب تأتي مطالبة العرب والفلسطينيين والمسلمين، للولايات المتحدة بأن تغير سياستها نحو "إسرائيل" إن لم يغير العرب سياستهم، كما نتمنى مع ملايين العرب، وكما في كل قمة عربية قادمة وسابقة، أن لا تبقى الكلمات وحدها هي الناتج الأقوى لكل اجتماع عربي، وان الحديث عن المخاطر فقط لا يدرؤها، بدون إعداد وتخطيط سيبقى غائبا، والبكاء على قوة إيباك لن يسترجع الحقوق ولن يثني المجتمعين هناك على تغيير خريطة القدس والمنطقة العربية.

التعليقات