31/10/2010 - 11:02

التخلّي العربي عن المرجعية الأُمميّة والتنازل المجاني عن الحقوق../ محمد المجذوب*

التخلّي العربي عن المرجعية الأُمميّة والتنازل المجاني عن الحقوق../ محمد المجذوب*
القضية الفلسطينية (وفي طليعتها مسألة القدس) شكّلت، منذ قيام الأمم المتحدة، التحدي الأكبر لنجاح هذه المنظمة العالمية أو إخفاقها في التوفيق بين المبادئ الإنسانية السامية التي تُعلنها وبين الواقع المرير الذي تعيش فيه.

صحيح أنها كرّست للقضية الفلسطينية، وللقدس بوجه خاص، ما لم تكرّسه للقضايا الدولية الأخرى من رعاية واهتمام، وأنها لم تقصّر في تأكيد حقوق الشعب الفلسطيني المشرّد أو المضطهد، إلاّ أنها لم تتمكّن، رغم الجرائم الدولية التي ارتكبها ويرتكبها العدو الإسرائيلي، من اتخاذ أي تدبير رادع ضده، ومحاولة حل القضية الفلسطينية وإعادة الشعب الفلسطيني إلى وطنه.

ولا نُغالي إن قلنا إن وضع القدس، في الضمير الإنساني والوجدان العربي والواقع العملي، لا يمكن أن ينفصل عن وضع فلسطين باعتبارها جزءاً عزيزاً من الوطن العربي. ومصير القدس سيبقى دوماً مرتبطاً بمصير فلسطين. ولا قيمـة للقدس خارج فلسطين. والعكس صحيح كذلك.

وواهمٌ من يتصوّر احتمال تحرير القدس دون تحرير فلسطين. وإذا كانت القدس مدينةً، فهي عروسة المدائن. وإذا كانت عاصمة فهي درّة العواصم. وكثيراً ما ارتبط مصير الأمم بمصير عواصمها. وكم من أمة انهارت أو بادت أو استسلمت بعد سقوط عاصمتها.

واستعادة فلسطين كاملةً، ومعها القدس كاملةً، لا يتم بالمساومات والصفقات والتنازلات والقرارات الدولية، فلم يحدث يوماً أن تمكّن قرار دولي، صادر عن دول متآمرة أو متواطئة، من فرض حلٍّ عادل أو إعادة حق سليب. وما زال النضال القومي أصدق إنباءً وأجدى نتيجةً من أي قرار دولـي، ولو صدر بالإجماع، فالحق في القضايا القومية والمصيرية لا يُستعاد إلاّ بالمقاومة أو النضال القومي أو القوة الذاتية.

هناك أنظمة عربية متلهفة على إنجاز مفاوضات السلام مع العدو الإسرائيلي، مع أنها تدرك أن سلامه مخاتلٌ مراوغٌ لا يُسفر إلاّ عن كوارث وخسائر. لقد ارتكبت هذه الأنظمة، بمحض إرادتها، خطأً كبيراً عندما تخلّت عن مرجعية الأمم المتحدة في مؤتمر مدريد ورضيت بأن تكون أوراقُ الحل والعقد في أيدي الولايات المتحدة وحدها. وارتكب المسؤولون الفلسطينيون خطأً أكبر عندما استبعدوا القرار 242 لدى توقيع اتفاق أوسلو، ووافقوا على إرجاء البحث في مصير القدس إلى المرحلة النهائية من المفاوضات مع العدو (التي قد لا يكون لها نهاية).

وبما أن القدس أصبحت، برضا الطرفين، بنداً من بنود المفاوضات التي قد تطول أو تتعقّد أو تتعثّر، فليس من المستبعد أن تطلب إسرائيل أو الولايات المتحدة من الجمعية العامة للأمم المتحدة شطب جميع القرارات الدولية الخاصة بالقدس، تماماً كما فعلت، في العام 1991، عندما نجحت في إلغاء القرار الصادر في العام 1975، والذي كان يُقرّ بأن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري. وتلك كانت السابقة الوحيدة، واليتيمة حتى الآن، في تاريخ المنظمة العالمية.

ففي الاتفاقيات المجحفة التي تمّت حتى اليوم، انتقل الوضع القانوني للقضية الفلسطينية من حق تقرير المصير الذي أقرّته الأمم المتحدة وسمحت بموجبه للشعب الفلسطيني باستخدام كل الوسائل، بما فيها الكفاح المسلح، للدفاع عن حقوقه واسترداد سيادته، إلى مجرّد خلافٍ على أراضٍ متنازع عليها بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية تتراوح بين 10 و13 في المئة من مساحة ما تبقى من الضفة الغربية (وهذا إذا سُمح لنا بمعرفة ما تبقى).

وهذه التنازلات المجانية التي قُدّمت لإسرائيل دون مقابل يُذكر، أفقدت السلطة الفلسطينية حقوقاً أقرّها المجتمع الدولي وسمح لمنظمة التحرير، باعتبارها حركة تحرير وطني، باستخدامها وإثارتها والمطالبة بها في كل المحافل الدولية.

والمؤسف أن التنازل عن الحقوق القومية لم يترافق مع إيقاف الانتهاكات الإسرائيلية للقواعد والقرارات الدولية، فالهجرة ازدادت، والاستعمار الاستيطاني تفاقم، والتهويد طغى وتجبّر. تلك هي العناصر الثلاثة التي شكّلت، تاريخياً، المرتكزات التي قام عليها الكيان الصهيوني.

والصمت أو التخاذل العربي الرسمي شجع الولايات المتحدة، بالتواطؤ مع إسرائيل، على بذل الجهود، منذ اتفاق أوسلو، لشطب (أو إهمال أو تجاهل) جميع القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية في الأمم المتحدة، وحجتها في ذلك أن هناك مفاوضات ثنائية تجري بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لحل المشكلات العالقة، ولهذا فلا داعي لتدخل أي جهاز من أجهزة الأمم المتحدة. والهدف المستتر لهذه الحملة يكمن في الرغبة في إلغاء كل سند قانوني يُقرّ للشعب الفلسطيني بحقوقه المشروعة.
"السفير"

التعليقات