31/10/2010 - 11:02

التهدئة على كف عفريت: كل الاحتمالات مفتوحة../ هاني المصري

التهدئة على كف عفريت: كل الاحتمالات مفتوحة../ هاني المصري
منذ الرابع من تشرين الثاني الحالي وحتى كتابة هذه السطور بدأت التهدئة، التي عقدتها حركة حماس مع اسرائيل، بوساطة مصرية، وتأييد كافة الفصائل الفلسطينية ومباركة السلطة والرئيس ابو مازن، بالترنح حيث عادت القوات الإسرائيلية المحتلة الى عدوانها متعدد الأشكال، وردت المجموعات العسكرية الفلسطينية بقصف جنوب اسرائيل.

اسرائيل تبدو حائرة بين الاستمرار بالتهدئة وتمديدها في التاسع عشر من كانون الأول القادم، حيث يكون قد مر ستة أشهر على إعلانها، وبين التصعيد العسكري بكل أشكاله بدءا بالحرب الشاملة وإعادة احتلال قطاع غزة مرورا بالاجتياحات الجزئية ووصولا الى الاكتفاء بالمبادرة بتوجيه ضربات محدودة والرد على النار بالمثل.

السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا خرقت اسرائيل التهدئة عندما اقتحمت القوات الإسرائيلية قطاع غزة وقتلت ستة مقاتلين في 4 - 11 بزعم أنهم كانوا يحفرون نفقا في سياق الإعداد لعملية عسكرية ضد الاحتلال؟

الجواب على هذا السؤال، لا يمكن أن يكون إلا بأن وزير الجيش الإسرائيلي ايهود باراك يحاول أن يحسن من موقف حزبه في الانتخابات الإسرائيلية المبكرة القادمة في العاشر من شباط القادم، بعد أن أشارت الاستطلاعات إلى أن حزب العمل سيتلقى ضربة كبيرة من خلال تراجع عدد المقاعد التي سيحصل عليها وسط انتقادات شديدة من داخل الحزب وخارجه وصلت الى استقالة عامي ايالون أحد قادة الحزب لأن حزب العمل فقد قدرته على البقاء، وفقد خطه السياسي ولأنه لا يستطيع أن يدافع عن ايهود باراك ويطالب بأن يكون رئيس الحكومة الإسرائيلية القادمة.

فلا يمكن تفسير التصعيد العسكري الإسرائيلي الذي يهدد التهدئة بالانهيار إلا في سياق بدء المنافسة الانتخابية الإسرائيلية حيث يتنافس قادة اسرائيل على من هو الأكثر تطرفا ضد الفلسطينيين، والأقدر على ممارسة العدوان والقتل والاستيطان ضد الشعب الفلسطيني، حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة إسرائيلية. فمصلحة الجانبين تقتضي الحفاظ على التهدئة وتمديدها.

وكما صرح رئيس بلدية سديروت المنتخب مؤخرا دافيد بوسكيلا فإن على الحكومة الإسرائيلية اتخاذ قرار فوري لكي لا تعود مدينة سديروت لأيام التصعيد والتعرض للصواريخ الفلسطينية. وأضاف بأنه لا يهمه كيف يتحقق ذلك: من خلال المفاوضات مع "حماس" أو باتخاذ خطوات عسكرية.

إن ايهود أولمرت الذي لم يغلق الباب أمام استمرار التهدئة أصدر أوامره للجيش لوضع الخطط العسكرية، وقال إن المواجهة الشاملة مع "حماس" آتية لا محالة، وما هي إلا مسألة وقت، رغم أنه يدرك أن الثمن الذي يمكن أن تدفعه اسرائيل من إعادة احتلال غزة لا يعادل ما يمكن أن تحققه من مكاسب وخصوصا أن اسرائيل لم تعد انتشارها في غزة لكي تعود لاحتلاله كرمى لعيون السلطة أو (المعتدلين الفلسطينيين) فإسرائيل لا تميز عمليا بين الفلسطينيين وتدرك أن شن عدوان شامل أو إعادة احتلال قطاع غزة يمكن أن يؤديا الى توحيد الفلسطينيين وهي في أمس الحاجة لاستمرار انقسامهم.

أما وزير حربه باراك، ورغم أنه المسؤول الأول عن التصعيد فقد بدا أكثر اعتدالا وقال إن اسرائيل مستعدة للتفكير في العودة للتهدئة، وإذا أراد الطرف الآخر فسنفكر في المسألة بجدية.

فباراك يريد تصعيدا محسوبا يمكنه من إعادة فرض التهدئة من موقع القوة ومن خلال فرض المزيد من الشروط المذلة على "حماس". فلا يكفي أن اسرائيل لم تلتزم بشروط التهدئة ولم تقم بفتح المعابر ورفع الحصار بل عادت في الأسابيع الأخيرة الى إحكام إغلاق المعابر، مما أدى الى انقطاع الكهرباء بنسبة 70% وفقدان المواد الأساسية والطبية. فإسرائيل تريد أن تفرض على " حماس" وكافة القوى عدم تهريب السلاح وعدم الاستعداد للمواجهة القادمة من خلال توظيف التهدئة كاستراحة محارب، لذلك تحرص اسرائيل على خرق التهدئة بشكل دائم وإبقاء الوضع على حافة الانهيار التام.

قلنا منذ البداية إن التهدئة ستبقى هشة لأنها لم تترافق مع مسار سياسي تفاوضي جدي قادر على إنهاء الاحتلال، ولأنها لم تشمل الضفة ولم تؤد الى رفع الحصار وفتح المعابر، واستخدمتها اسرائيل للتغطية على استمرارها في سياسة خلق الحقائق على الأرض في الضفة، وخصوصا في القدس، وعلى سعيها لاستمرار وتعميق الانقسام الذي يقدم مزايا استراتيجية لإسرائيل لا تقدر بثمن.

تأسيسا على ذلك لن تفرط اسرائيل بالمصلحة التي تعود عليها من استمرار التهدئة بسهولة، ولكن من يشعل النار ليس من الضروري أن يكون قادرا دائما على إطفائها أو التحكم بلهيبها، فرغم المصلحة الفلسطينية باستمرار التهدئة، بما في ذلك مصلحة "حماس" التي وظفت التهدئة لتأكيد وتعميق سيطرتها الانفرادية على غزة، وانتزاع الاعتراف الإسرائيلي والعربي والدولي بها، إلا أن إحكام الحصار والإغلاق والخروقات الإسرائيلية المتصاعدة ستحرج سلطة "حماس" كثيرا، وتضعف قدرتها على السيطرة على كافة المجموعات التي لم يوافق بعضها على التهدئة إلا مضطرا ومن أجل منع تفاقم الانقسام الفلسطيني.

إن السلطة رغم خلافها الحاد والمتصاعد مع "حماس" معنية باستمرار التهدئة أيضا، لأن التصعيد نقل الاهتمام السياسي والإعلامي من إدانة اعتذار "حماس" عن الحوار وتحميلها المسؤولية عن ذلك، إلى إدانة الاعتداءات الإسرائيلية على غزة والتي أدت الى أزمة إنسانية كبيرة، استمرارها يحرج السلطة ويظهرها بمظهر الذي يتفاوض مع الاحتلال على أعلى المستويات في الوقت الذي يمارس فيه الاحتلال كل أنواع العدوان والعقوبات ضد الشعب الفلسطيني.

إن الأخطار التي تهدد التهدئة تعطي سببا آخر وتوجب التركيز على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، لأن "حماس" من خلال التهدئة لم تستطع أن تقيم سلطة قوية ومزدهرة في غزة، ولا جعلها قاعدة لانطلاق المقاومة، ولأن السلطة لم تصل الى حل سياسي مع اسرائيل يؤمن الحقوق الفلسطينية ويجعل برنامجها مقنعا للشعب الفلسطيني.

إن الشعب وجد نفسه بين حجري رحى، بين سلطة تفاوض بدون نتيجة في الوقت الذي تواصل فيه اسرائيل العدوان والاستيطان والحصار، وسلطة "حماس" التي علقت المقاومة وتعتبر السيطرة على غزة، قدس الأقداس بدون أن تتوقف أمام عواقب ذلك على القضية الفلسطينية والمشروع الوطني، والإنسان الفلسطيني!! .

التعليقات