31/10/2010 - 11:02

الجامعة العربية ولجنة المتابعة وفرق النقطة!../ زهير اندراوس

الجامعة العربية ولجنة المتابعة وفرق النقطة!../ زهير اندراوس
لا يختلف اثنان على أنّ قرار النيابة العامة الإسرائيلية بمحاكمة 12 شاباً من مدينة شفاعمرو بتهمة "قتل" الإرهابي عيدان ناتان زاده، مُنفذ المجزرة في آب (أغسطس) من العام 2005، والتي راح ضحيتها أربعة من أبناء المدينة، علاوة على جرح الكثيرين، هو قرار عنصري بامتياز، فالعنصرية في الدولة العبرية باتت وباءً متفشياً في جميع شرائح المجتمع اليهودي، وفي جميع مؤسسات دولة الاحتلال.

وللتدليل على ذلك، فمن المفارقات العجيبة الغربية، أنّه بعد مرور أقل من أربعة وعشرين ساعة على هذا القرار، بشرتنا وسائل الإعلام العبرية بأنّ نفس النيابة قررت إلغاء لائحة الاتهام التي قُدمت ضد أحد غلاة المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة بتهمة إطلاق النار على فلسطيني. واللافت هذه المرّة، أنّ السبب في عدم مقاضاة اليهودي الذي قتل عربياً عن سبق الإصرار والترصد، ليس الاختلال العقلي للمتهم، كما جرت العادة، وإنّما، وفق زعم النيابة، أنّ قرارها جاء لكي لا تكشف عن مصادر المعلومات السرية، وهو باعتقادنا المتواضع عذر أقبح من ذنب. وغني عن القول إنّ إسرائيل كدولة حوّلت الضحية إلى مجرم، وحوّلت المجرم إلى ضحية يتباكى أمام العالم حتى ينتابك الشعور بأنّ الشعب الفلسطيني هو الذي يحتل الأراضي اليهودية منذ 61 عاماً.

ولكن مع ذلك نقول وبأعلى الصوت: العنصرية الإسرائيلية تتفاقم، تتفشى، ولنسأل أنفسنا بهدوء وبتروٍ: ماذا فعلنا؟ هل ارتقينا إلى مستوى الحدث؟ هل تصرفاتنا حتى الآن هي عقلانية وعملية؟ هل التكاثف والتعاضد والتماسك ضد المستضعفين، أي الفلسطينيين في إسرائيل، باتوا أسياد الموقف، أم ما زلنا نرقص كل على ليلاه؟ والسؤال الأكثر إلحاحاً: في ظل هذا الهجوم العنصري المنهجي من قبل المؤسسة الإسرائيلية على الفلسطينيين في مناطق الـ48، هل اتخذنا موقفاً موحداً يليق بحلمنا الجماعي، والتشديد في هذه العجّالة على مفردة حلمنا، للتحول إلى أقلية قومية لها الكثير من الآمال وتعاني من العديد من الآلام؟ تمتطي دائماً صهوة النضال في ميادين النضال، لتدافع عن الحقّ والعدل بما أعرفه فيها من نزاهة واستقامة وجسارة، قلّما نجدها في عالـَم ما أكثر أبنائه الممثلين من ذوي الأقنعة، والدجّالين من تجـّار الكلمة الذين يتخذون من قضايا شعبنا وآلامه منصّة للشهرة الزائفة، ولكي يحجبوا عن الناس وجوههم الحقيقية الكاذبة.

ولكي لا نطيل في الكلام، علينا أن نقف قليلاً مع ذاتنا المجردة لنطرح مرّة أخرى قضية لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل، وليس سراً أنّ هذه اللجنة بجميع مركباتها تعاني من مرض خطير يُسمى: الترهل المزمن، الذي يحتم علينا أن نفحص الآليات الكفيلة لكي تنطلق بقوة وعنفوان وكبرياء واعتزاز لتمثل أكثر من مليون عربي فلسطيني من أصحاب الأرض الأصليين، يحملون الهويات الزرقاء لأنّ لا خيار لهم للتشبث بأرضهم ووطنهم إلا هذه الهوية، التي رفض من يُسمى بمؤسس الدولة العبرية، دافيد بن غوريون، أن يحملها لأنّ سلطات دولته "الديمقراطية" قررت إدخال اللغة العربية في طياتها.

وللتوضيح فقط، وقبل أن يبدأ أعضاء مجموعة الشوشرة والتهريج والمزايدة بإلقاء اللوم علينا، نجد من المناسب أن نؤكد بصورة قاطعة وحازمة وغير قابلة للتأويل أنّ الهدف من كتابة هذه المقالة هو النقد الذاتي وليس الجلد الذاتي، وهما قضيتان لطالما تلاقتا في مجتمعنا العربي الفلسطيني وأفسدتا للود قضية.

لجنة المتابعة بحاجة إلى تجديد، لجنة المتابعة بحاجة ماسة إلى تغيير في المفاهيم وفي أساليب النضال، فلا يُعقل أن نستمر على هذا المنوال: اجتماعات وبيانات شجب واستنكار وما شابه، وكأننّا تحّولنا إلى فرع لجامعة الدول العربية، هذا الجسم الهلامي الذي لا يحل ولا يربط، وللأمانة نقول إنّ هذا هو نفس الجسم الذي ما زال أمينه العام، السيد عمرو موسى، مصراً على عدم تكليف نفسه عناء زيارة غزة هاشم المنكوبة لأمر في نفس يعقوب، على الرغم من أنّ الغربيين وصلوا من كل حدب وصوب إلى المدينة المدّمرة بفعل آلة الحرب الإجرامية الإسرائيلية، فهل بيننا (العرب) وبينهم (الغرب) فرقاً واحداً وهو النقطة، بدون السطر الجديد؟.

منذ سنوات عديدة وحزب التجمع الوطني الديمقراطي يطرح على أجندة الأقلية الفلسطينية في الداخل موضوع إعادة هيكلة لجنة المتابعة لتحويلها إلى هيئة فاعلة ونشيطة على مستوى الأقلية في مواجهة الدولة العنصرية، ويبدو اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، أنّ هذا المطلب أصبح ملحاً ولا يمكن للفعاليات السياسية الممثلة في لجنة المتابعة التملص من هذا المطلب العادل، الذي يصب في مصلحة جماهيرنا العربية الفلسطينية. مضافاً إلى ذلك، فهناك طروحات من حركة أبناء البلد والشق الشمالي من الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، لتحويل لجنة المتابعة إلى ما يُمكن أن يُسمى برلماناً فلسطينياً في الداخل، عن طريق إجراء الانتخابات لهذه اللجنة مباشرة من قبل جميع أصحاب حق الاقتراع لكي تتجلى الديمقراطية بأوسع معانيها، ويذهب البعض أيضاً إلى اقتراح تأسيس المجتمع العصامي لدى الفلسطينيين في الدولة العبرية.

لا يوجد لدينا أدنى شك بأنّ هذه الطروحات هي طروحات مبدئية وليست موسمية وهدفها إضفاء صبغة نضالية فعلية وليس فقط كلامية على لجنة المتابعة، لكي لا نواصل مسيرة تشكيل لجان متابعة لمتابعة متابعات لجنة المتابعة، والحقيقة أنّ تتفاقم العنصرية، يُواجه من قبل الأقلية الفلسطينية بنوع من المواقف غير الحازمة، إذا لم نقل المائعة، فاقتراح الإعلان عن إضراب عام في ذكرى النكبة أو يوم الأرض أو هبة القدس والأقصى، الذي يطرحه التجمع دائماً، يُواجه برفض من قبل مركبات عديدة في اللجنة، وفي مقدمتها الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، التي تعمل الآن بكل قوتها على تشكيل ما يُسمى باليسار الإسرائيلي الجديد بالتعاون مع قوى ديمقراطية يهودية، لسنا ضد الشراكة مع القوى الديمقراطية في الشارع اليهودي، ولكنّ هذه الشراكة يجب أن تكون تكتيكية وليس إستراتيجية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان.

وهناك سؤال أخر يجب أن نطرحه وبقوة: ماذا يجب أن يحدث حتى نستفيق من سباتنا العميق ونؤسس لجنة متابعة قوية ومؤثرة تكون مرجعية لجميع أبناء شعبنا في الداخل؟ وعندما نقول مرجعية، نقصد أن تتحول لجنة المتابعة إلى هيئة تكون قراراتها مُلزمة للجميع بدون استثناء، إذ أنّه لا يُعقل أن تُعلن اللجنة عن مظاهرة قطرية يشارك فيها القليل القليل من فلسطينيي الـ48. وللتدليل على ذلك، فإنّ قرار النيابة العامة الإسرائيلية بمحاكمة أبناء مدينة شفاعمرو بتهمة التسبب بقتل الإرهابي زاده، كشف عن حالة الذل والهوان التي تعيشها الأقلية، فبلدية شفاعمرو أعلنت عن إضراب جزئي لا يشمل جهاز التعليم يوم الثلاثاء الماضي، وسادت الاجتماع الذي عُقد في مبنى البلدية أجواء من التوتر، بعد اتهام التجمع رئيس البلدية، ناهض خازم، بأنّه أدار الجلسة بأسلوب "المخترة" البائد، وبالمقابل دعا التجمع إلى مظاهرة قطرية السبت (13.06.09) تحت راية لجنة المتابعة العليا، وهذا أكبر دليل على أنّ محاولاتنا لتنظيم أنفسنا كأقلية قومية، هو مشروع ما زال في طور النمو البطيء بسبب الحسابات السياسية الضيقة لبعض مركبات اللجنة.

الدولة العبرية بجميع مؤسساتها أعلنت الحرب العنصرية علينا، وأصبحت القوانين العنصرية رياضة رسمية يمارسها حكام هذه الدولة ببراعة كبيرة، العنصرية لم تعد حالة عابرة أو موسمية، إنّما باتت القاعدة وليس الاستثناء، وبالتالي لا يُمكننا مواصلة السكوت على هذا الأمر الخطير، ويجب أن نتحول عن طريق لجنة المتابعة إلى أقلية مبادرة، والتخلص من ردود الفعل على ممارسات حكومة نتنياهو-ليبرمان، أي أنّه علينا الانتقال من المرحلة المأزومة التي تعيشها هذه اللجنة، التلقي، إلى مرحلة المبادرة، نؤكد فيها للقاصي والداني أننّا على مستوى المسؤولية والتحديات الجسام التي وضعتها إسرائيل أمامنا، خصوصاً وأننّا لا نستبعد البتة أن تتم عملية مقايضة بين الدولة العبرية وما يُسمى بالقيادة الفلسطينية الحالية، برئاسة محمود عبّاس وسلام فيّاض، بحسبها يتم تهجيرنا إلى الضفة الغربية المحتلة، مقابل قطعان المستوطنين الذين سيعودون للسكن داخل ما يُسمى بالخط الأخضر، قد يبدو هذا السيناريو خيالياً، ولكنّ الواقع أثبت أنّه في العديد من الأحيان يتفوق على الخيال، وماذا تعني مطالبة نتنياهو الفلسطينيين بالاعتراف بالدولة العبرية بأنّها دولة يهودية، دولة يهودية معناها الحرفي: دولة نقية من العرب.

التعليقات