31/10/2010 - 11:02

الحل التاريخي لقضية فلسطين مؤجل../ إلياس سحاب

الحل التاريخي لقضية فلسطين مؤجل../ إلياس سحاب
من الواضح ومن المؤكد أن كل التحركات السياسية التي تجري الآن على الساحات الفلسطينية والعربية والدولية، تحت عنوان إيجاد حل ما للصراع العربي “الإسرائيلي” (الذي تقلص اسمه مؤخراً ليصبح: “الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”) لا تؤدي إلا إلى تأكيد شيء واحد، هو أن الحل التاريخي للقضية، ما يزال مؤجلاً، بل انه اليوم مؤجل أكثر من أي يوم مضى، وان كل ما يجري من تحركات (فلسطينياً وعربياً ودولياً)، لا يعدو كونه محاولة ترتيب للأوضاع الراهنة تحت الهيمنة “الإسرائيلية”، المستشرية والمستقرة منذ أربعة عقود على الأقل.

وحتى لا نطيل الحديث على قارئ هذه العجالة الصحافية، فان الحل التاريخي الطبيعي لا يمكن أن يكون سوى معالجة جميع آثار النكبات التي أوجدتها نكبة ،1948 على جميع المستويات السياسية والبشرية والجغرافية والثقافية. ومن المؤكد أن المدخل الوحيد لحل جدي وجذري له هذه المواصفات التاريخية، لا يبدو ممكناً إلا بخطوة أولى حدها الأدنى تطبيق كل قرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة، خاصة القرارات 181 و194 و242 بحذافيرها (أي ليس بفتح باب التفاوض بشأنها)، وهذا المدخل هو وحده المرشح إذا تم واكتمل، لفتح الباب أمام إزالة ما أمكن عملياً من آثار الجريمة التي تمت في العام 1948 (وما تلاه)، ما يؤدي إلى وضع أنساني وسياسي يمكن من خلاله (ومن خلاله وحده)، إيجاد استقرار حقيقي في المنطقة، وفتح كل أبواب التنمية الهادئة والخصبة أمام كل شعوبها.

لكن الحل التاريخي، بهذه المواصفات الضرورية والحتمية، يبدو اليوم مؤجلاً، أكثر من أي يوم مضى.

فعلى الساحة الفلسطينية، يبدو أن العمل السياسي الفلسطيني، قد تفككت عناصره، حتى أصبح المجتمع الفلسطيني (في فلسطين والمهجر العربي والشتات الدولي) في واد، ومنظماته السياسية ومؤسساته السياسية، في واد آخر. ثم ان احتمال عودة اجتماع شمل كل المنظمات الفلسطينية الكبرى والصغرى، تبدو فرصه الحقيقية آخذة في التضاؤل لا في التزايد، مما يعلن عن مرحلة شديدة الضعف في تاريخ العمل السياسي الفلسطيني، لا تبدو قادرة على أخذ زمام تنظيم الحياة البشرية اليومية للفلسطينيين، فكيف بالقدرة على فرض حل تاريخي عادل وشامل لقضيتهم؟

أما على الصعيد العربي، فقد كنا قبل سنوات بدولتين عربيتين متبرئتين من الصراع بطبيعته العربية “الإسرائيلية” الشاملة (مصر بعد اتفاقية كامب دافيد، والأردن بعد اتفاقية وادي عربة)، فأصبحنا اليوم، وبعد مرور ثلاثة عقود على التنصل العربي الأول في كامب دافيد، أمام وضع عربي عام نافض يديه من كل عناصر ومقومات وأساسيات الصراع التاريخي، ومتوجه إلى اعتبار الصراع مجرد مشكلة إنسانية لقسم من عرب فلسطين، يمكن حلها باقامة كيان سياسي لهم على ما تبقى من أرض فلسطين، هو اقرب إلى دويلة شديدة الضعف، لا تملك لتأمين مقومات الحياة والاستمرار، سوى الخضوع لهيمنة “إسرائيل” الكبرى، كياناً مكملاً لكل ما تحتاجه من محيطها الفلسطيني المباشر، ومحيطها العربي الأوسع.

ولا يوجد في ساحات العمل العربي ما يبشر باحتمالات عربية جديدة في الصراع العربي “الإسرائيلي” التاريخي، بل إن المؤشرات كلها أصبحت تتجه بوضوح إلى التنصل بأسرع ما يمكن من تبعات الصراع التاريخي وأثقاله ومسؤولياته، بالتفاهم مع الأوضاع الحالية التي أفرزتها ستة عقود من الصراع، بكل ما يعنيه ذلك من التنازل أمام الانتصار الكاسح للمشروع التاريخي الأساسي للحركة الصهيونية، كما خطط له الآباء الأوائل للحركة الصهيونية. وليست كواليس المؤتمر الأخير الذي حمل عربياً عنوان “حوار الأديان”، ودولياً اسم “ثقافة السلام”، الذي تمثل اليهود فيه بعتاة الحركة الصهيونية، سوى مؤشر واحد للتوجهات العربية الراهنة، في هذه المسألة التاريخية.

لا داعي بعد ذلك لمزيد من التحليل لاكتشاف أساسيات الموقف الدولي العام في هذه المسألة، ما دام العامل الفلسطيني فيها، والعامل العربي، على هذه الدرجة من التفكك والتهافت والتراجع، فالمجتمع الدولي لم يكن يحتاج إلى “أفضل” من هذه الأوضاع الفلسطينية والعربية، ليبرر عملية غسل يديه من المسؤولية التاريخية عن جريمة اغتصاب فلسطين لإهدائها للحركة الصهيونية، بغض النظر عما يمكن أن يسببه مثل هذا المشروع من كوارث بشرية، لا حصر لها، مادياً وزمنياً، على حد تعبير فيلسوف التاريخ البريطاني ارنولد توينبي.

إن الوضع الإنساني (والسياسي) لقطاع غزة كفيل وحده بالتعبير عن الوضع الراهن لقضية فلسطين في ميزان التاريخ، فهو قطاع جغرافي لا يطمح اليوم إلى أكثر من أن تتفضل عليه “إسرائيل”، عبر المعابر الجوية والبرية والبحرية، التي تسيطر عليها خلافاً لكل قرارات الأمم المتحدة، تحت سمع وبصر دول هذا المجتمع الدولي نفسه، بالسماح بدخول ما يلزم من ضرورات الحياة اليومية لأي مجموعة بشرية. وهذا طبعاً بعيد جداً عن أن يكون مرادفاً للحل التاريخي المنشود لقضية فلسطين، الذي يبدو في هذه المرحلة، مؤجلاً أكثر من أي يوم مضى.
"الخليج"

التعليقات