31/10/2010 - 11:02

الحملة الأمريكية على خطى المغولية../ فيصل جلول

الحملة الأمريكية على خطى المغولية../ فيصل جلول
تلح على المرء في مناسبة انسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية عبارة وردت في خطاب أول للرئيس الراحل صدام حسين مطلع الحرب على بلاده عام 2003 إذ قال “.. سينتحر مغول العصر على ابواب بغداد”. لم يعبأ أحد بشرح معنى العبارة التي يبدو أنها طويت مع خطب أخرى كان ينظر الى مضمونها بوصفه وعظاً ايديولوجياً لا يتناسب مع الوقائع العسكرية التالية للخطاب حيث سقطت بغداد بسهولة أذهلت الغزاة قبل غيرهم.

بيد أن تطورات الحرب خلال السنوات الست الماضية أعادت التذكير بتلك العبارة. فهل قيلت استناداً الى نظرة ثاقبة لما سيحل بالغزاة في بلاد الرافدين؟ ذلك أن الانسحاب من المدن العراقية يتزامن مع أزمة اقتصادية عالمية تهدد جدياً مكانة الولايات المتحدة كقوة منفردة بشؤون العالم ناهيك عن انكشاف حجم هذه القوة العسكرية وظهور محدودية تأثيرها في مجابهة خصم مصمم على الدفاع عن أرضه بوسائل حربية بدائية هذا إذا ما أردنا اهمال سقوط واشنطن في ورطة استراتيجية حقيقية في الشرق الاوسط إثر حرب العراق ورعايتها لحرب أهلية مذهبية وطائفية واثنية للخروج من هذه الحرب.

تبقى الاشارة الى المقارنة التاريخية مع المغول الذين مكثوا في العراق فترة توازي اقل من نصف الفترة الأمريكية، وقد ألحق المماليك هزيمة ساحقة بجيوشهم عام 1260 فكان احتلال عاصمة الرشيد سبباً في فناء قوتهم الاعظم في القرن الثالث عشر.

وإذا كان الجدال قائماً ومشروعاً حول تراجع مكانة الولايات المتحدة، وما اذا كان بوسعها استرداد دورها العالمي كاملاً بعد الكارثة العراقية فإن هزيمتها في “أرض السواد” تكاد أن تحظى بما يشبه الاجماع ودون الحاجة الى “مماليك العصر” وإنما الى مقاومة عراقية متعددة الأطراف معزولة ومشتتة ما كفت عن التعرض لضغوط عربية وإقليمية لتحجيمها وشيطنتها طيلة السنوات الست الماضية تارة عبر الحروب المذهبية، وأخرى عبر حروب الصحوات في مقاطعة الأنبار، وثالثة عبر اجهزة الأمن في البلدان المجاورة.

ما من شك أن المقارنة بين حال بغداد بعد تحريرها من الجيوش الهمجية المغولية لا تختلف كثيراً عن حالها بعد انسحاب الجيوش “الهمجية” الأمريكية من المدن وذلك على الرغم من فوارق العصور والتقدم.

فقد حرث المغول درة الحضارة العربية ومنارتها في القرن الثالث عشر وقتلوا اكثر من نصف مليون من سكانها وذبحوا علماءها ونكلوا بعائلاتها والقوا بمكتباتها في نهر دجلة ونهبوا خزائنها مع المتعاونين معهم فيما يشبه حرب الابادة الحضارية، فكانت بعد رحيلهم عنها اشبه بخرائب هجرها العمران، وهي اليوم تبدو على حال مماثل بعد أن تسبب “مغول العصر” بتهديم الدولة والجيش والأجهزة الأمنية ونهب وتدمير المتاحف واغتيال وترهيب العلماء وقتل أكثر من مليون مواطن وتهجير أربعة ملايين آخرين. وإذا كان رحيل المغول قد خلف اسطورة ابن العلقمي والتنابذ المذهبي فإن المحتل الأمريكي يسير على الرسم نفسه.

تبقى الاشارة الى أن هولاكو قائد الحملة المغولية كان يتمتع بحنكة عسكرية وسياسية معطوفة على مواصفات بربرية كانت تميز شعبه النازع الى الثراء عبر النهب والسيطرة العسكرية وليس الابداع والانتاج، في حين بدا جورج بوش قائد الحملة الأمريكية (الديمقراطية!!) متوسط الذكاء ومحدود الخبرة وسيئ التدبير الى حد أن حملته الهمجية على بغداد تسير بثبات على خطى الحملة المغولية رغم مضي أكثر من سبعة قرون اختزنت خلالها الشعوب خبرات وتجارب عصية على الحصر.
"الخليج"

التعليقات