31/10/2010 - 11:02

الخروج من القوقعة../ جوني منصور

الخروج من القوقعة../ جوني منصور
ازداد في الفترة الأخيرة منسوب النشاطات والقوانين العنصرية الموجهة أولاً وأخيرًا ضد فلسطينيي الداخل في إسرائيل، وهم سكان هذا البلد الأصليون.

ولم تأت هذه النشاطات والقوانين من فراغ أو من لا شيء أو لأغراض الاستهلاك السياسي فقط، إنما هي حلقة ضمن مسلسل طويل قادته وتقوده الحركة الصهيونية ومنتجها إسرائيل منذ قرابة القرن ونيف. ونجحت إسرائيل في تسديد ضربة قوية من خلال تصفية قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني في عام 1948 وفي حزيران 1967 وغيرها من السنوات القاسية التي مرت على شعبنا الفلسطيني.

أما البقية الباقية من الفلسطينيين على أرضهم في الداخل فيتعرضون إلى مسلسلات متواصلة وغير متوقفة من المضايقات والملاحقات والتهميش والتحييد من خلال سياسات حكومات إسرائيل المتعاقبة وقوانينها الجائرة، خاصة ما له علاقة بالأراضي وحقوق المواطنة والتعليم والتوظيف والعمل في قطاعات محظورة لدواعي أمنية واهية وغيرها من أشكال العنصرية.

وإزاء هذه السياسات العنصرية منذ عام 1948 ضد المواطنين العرب الفلسطينيين سعت قيادات وطنية إلى التصدي لها ومواجهتها عبر وسائل نضالية متنوعة. وحاولت هذه القيادات من سياسيين ومثقفين أن توفر حلولاً لكثير من القضايا الصراعية مع السلطات الإسرائيلية. أحيانا كانت تنجح وأحيانا كثيرة تصطدم بالفشل.

والمدقق في حالة المجتمع العربي الفلسطيني في العقدين الأخيرين على الأقل يلحظ زيادة مطردة في عدد القضايا الصراعية والنضالية مع المؤسسات الإسرائيلية التي ترفض الاعتراف بالفلسطينيين في إسرائيل كأقلية قومية ذات ميزات خاصة بها.

ونطرح السؤال هنا، ما هي الإستراتيجية التي يستطيع بواسطتها هذا المجتمع أن يتصدى للسياسات الإسرائيلية التي تسعى إلى محاصرة الفلسطينيين والحد من حقوقهم وإخضاعهم إلى قوانين جائرة تحول دون تقدمهم أو مطالبتهم بحقوقهم القومية كسكان أصليين في فلسطين ومواطنين في هذه الدولة التي جاءت عليهم ولم يذهبوا إليها البتة؟

حقيقة الأمر من يتفحص ويراجع مسيرة نضال العرب الفلسطينيين في الداخل يلحظ أنها كانت في الغالب مكونة من مجموعة من ردود الفعل لسياسة ما أو لخطوة قامت بها وزارة معينة كمصادرة أرض أو هدم منزل أو اعتقالات سياسية وغيرها. ومن يتابع فحصه بعمق يلحظ أن ردود الفعل هذه عبارة عن آلية فقط دون توفر قاعدة فكرية ثابتة مؤسسة على دراسات معمقة تشمل خلفيات وأهداف ورؤى أيديولوجية وفكرية. والأهم من كل هذا طرح سؤال مركزي ألا وهو: إلى أين يسير الفلسطينيون في إسرائيل مستقبلا؟ هل هناك خطة شاملة لمعالجة حالة المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل إزاء التضييقات الحاصلة الآن؟ وما هي مخططات القيادات السياسية والمحلية والأهلية لضمان بقاء تماسك الفلسطينيين بأرضهم ووطنهم؟

هذه الأسئلة الجوهرية وغيرها بحاجة ماسة ومُلحة إلى إجابات عنها ويجب توفير الإجابات سريعًا جراء تسارع الأحداث والتغييرات الحاصلة على أرض الواقع. ولن تكون هناك إجابات شاملة إلا في حالة تنظيم مؤتمر كبير وواسع للجماهير العربية تعالج فيه القضايا المصيرية وفق معايير واضحة وفي مقدمتها تمسك الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل بحقها في المواطنة الكاملة غير المنقوصة أو المبنية على فتات الموائد، وإبراز حق هذه الجماهير في الاعتراف بها كأقلية قومية أصلانية في أرضها وطنها. ووضع خطة مستقبلية أساسها إلى أين تسير الجماهير العربية في إسرائيل على ضوء المتغيرات السياسية المحلية والإقليمية وتلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية. ومن أبرز ما يمكن أن يتمخض عنه هذا المؤتمر أو من المفروض ذلك إقامة لوبي عربي فلسطيني للدفاع عن حقوق المواطنين الفلسطينيين.

إذن، برأينا واعتمادا على متابعتنا للأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والثقافية للفلسطينيين في الداخل نرى أنه بات من الضروري الشروع في تنظيم أسس عقد مؤتمر عام في نهاية هذا العام أو مطلع القادم يشترك فيه ممثلو العرب في البرلمان ورؤساء السلطات العربية من خلال اللجنة القطرية مثلاً، وممثلو هيئات وفعاليات أهلية ومستقلون يتمتعون بمكانة اجتماعية مقبولة وتوافقية داخل مجتمعنا. وعلى هذا المؤتمر طرح قضايا جوهرية ووجودية بصراحة وشفافية بعيدًا عن المناورات السياسية لأن الحالة العامة في المجتمع الفلسطيني باتت حرجة وخطيرة وحساسة للغاية وغير محتملة، ومؤتمر كهذا سيساهم في إعادة بناء أسس المجتمع المتكافل والموحد في توجهاته الأساسية، والساعي على الدفاع عن وجوده وحقوقه التاريخية والإنسانية والمواطنية، وسيبث نوعًا من الشعور بأننا ما زلنا أصحاب حق ولن نتنازل عنه مطلقًا.

وعليه، فإن مؤتمرا جماهيريا سيشكل نقلة نوعية كبيرة نحو إعادة تنظيم رؤى وعمل القيادات والفعاليات السياسية والاجتماعية والخروج من القوقعة المعقدة القائمة حاليًّا.

التعليقات