31/10/2010 - 11:02

الديمقراطية المزعومة تشطب حقا ديمقراطيا../ جوني منصور*

الديمقراطية المزعومة تشطب حقا ديمقراطيا../ جوني منصور*
إن التصويت بالإجماع مع اقتراح بعض الأحزاب الصهيونية اليمينية المتطرفة لشطب قائمة حزب التجمع الديمقراطي من خوض انتخابات الدورة الثامنة عشرة للكنيست ينساب ويتسق مع الحملة العنيفة التي تشنها من فترة طويلة هذه الأحزاب وبضمنها ما كان يُعرّف نفسه بالأحزاب اليسارية ضد المواطنين العرب الفلسطينيين أبناء الوطن الأصليين.

ونظرة خاطفة على قرار اللجنة المركزية للانتخابات وهي تمثل الأحزاب والقوائم في الكنيست، يتبين لنا وضوح المخطط الرهيب الذي تسير فيه المؤسسة الحاكمة في إسرائيل لترهيب المواطنين الفلسطينيين ووضعهم تحت الرقابة المستمرة. ويتبين لنا أيضا أن هذا المخطط ليس وليد ساعته مطلقا، إنما أخضعه أساطين المؤسسة الإسرائيلية لمعالجة جذرية وأساسية لاقتلاع حزب التجمع من بين جمهوره الداعم له في أهم وأبرز قضاياه المصيرية والوجودية.

ومن جهة أخرى فإن قرار هذه اللجنة يؤكد أن رؤية إسرائيل الديمقراطية هي تلك المبنية على نظرية "القلعة" أي التبجح المطلق بتكوين وشكل وجوهر إسرائيل كدولة ديمقراطية، ولكن ديمقراطية لمن؟ إنها الديمقراطية الخاصة باليهود فقط دون سواهم من الشعوب أو الجماعات الإثنية التي تعيش في هذه الأرض منذ فجر التاريخ. وهذا يؤكد وجود هذه النظرية المغلقة وغير المنفتحة على الآخر.

وفيما لو عدنا إلى دفاتر التاريخ فإن هذه ليست المحاولة الأولى لشطب قائمة ديمقراطية ـ تقدمية ـ قومية في رؤيتها وتطلعاتها وطروحاتها. كانت هناك محاولات عدة، نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر محاولة مجموعة حركة الأرض في نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات، والحركة التقدمية للسلام في الثمانينيات وغيرها. هذه التجربة التي خاضتها وما تزال تخوضها الأحزاب والحركات والتيارات القومية تؤكد وجودها بفعل الاستفادة من رؤيتها الديمقراطية الحقيقية والواقعية. ومن جهة أخرى تؤكد في طرحها الأساسي أنها متمسكة بحق المواطنة المبني على قاعدة دولة لجميع مواطنيها، وليست مبنية على قاعدة دولة مساواة على فتات الموائد فقط.

نظرة التجمع الوطني الديمقراطية منذ تأسيسه وانطلاقته السعي إلى قلب موازين ومعايير الديمقراطية الإسرائيلية لتصب في بوتقة الأسس الديمقراطية الحقيقية التي تنادي بها التيارات الفكرية ـ الايديولوجية المؤسسة للديمقراطية قبل عقود كثيرة. إن مسعى وتطلعات التجمع تصطدم مع قالب الديمقراطية الذي تنادي به إسرائيل. إذ أنها ـ أي الديمقراطية الإسرائيلية ـ تدعو إلى ديمقراطية مؤسّسة على تفوق قومي لصالح اليهود، واعتبار الفلسطينيين مواطنين من درجة ثانية، ومواطنين ينتمون إلى أقليات طائفية ومذهبية فقط. أضف إلى ذلك، أن ربابنة إسرائيل يرون في طرحهم للديمقراطية أنها الأفضل وأن ما يقترحونه على الفلسطينيين في إسرائيل هو كرم واسع وكبير للغاية، وعليهم أن يقبلوه برضا وتقديم الشكر والعرفان، وإلا فإن مصيرهم هو الشطب والإلغاء.

ومما لا شك فيه أن إسرائيل تستغل حربها الإبادية على غزة والشعب الفلسطيني الصامد فيها، لتفرض أجندة ترهيبية تعمل أساسا على صد المد القومي في الشارع العربي الذي أثبت قوته وفعاليته وجدواه من خلال مشاهد واقعية للمظاهرات المليونية والضخمة في العالم أجمع وفي العالم العربي وفي إسرائيل بوجه خاص.

لهذا، باعتقادنا أن ما رشح عن هذه اللجنة ليس غريبا بالمرة إنما كان متوقعا، وفيما لو اتخذت قيادة التجمع أي قرار تراه مناسبا لظرف الساعة الراهن، فإن قوة التجمع راسخة ومثبتة في أوساط المجتمع الفلسطيني.

برؤيتنا أن ميادين العمل السياسي وما يرتبط فيه من نشاطات أخرى بحاجة ماسة وضرورية إلى بناء منظومة متجددة لتمكين المجتمع الفلسطيني في الداخل من تثبيت وجوده وبقائه وكيانه، لما يخبئه المستقبل من مشاريع ومخططات صهيونية وإسرائيلية للجم وتحديد مساحة التحرك لسياسي والفكري.

وبناء عليه، فإن خطوة اللجنة المركزية للانتخابات لن تكون الأخيرة في مسلسل عنصري مركب ومتناسق لتحقيق مزيد من الضغط على شرائح المجتمع الفلسطيني في الداخل، وبالتالي دفع هذا المجتمع ذاتيا إلى الحد من تحركه ونشاطه السياسي خوفا ورعبا على مستقبله، وأن يميل هذا المجتمع إلى العمل ضمن مسارات سياسية مرضي عنها، لكونها ـ أي هذه المسارات ـ تسير في التلم السياسي ولا تحيد عنه قيد أنملة.

واضح أن محاولات بث شائعات الترهيب وتثبيت الترهيب فعليا من خلال لجوء المؤسسة السياسية الإسرائيلية إلى استعمال القوة والعنف خلال مظاهرات واعتصامات ومسيرات الجماهير العربية، ومن خلال التحقيقات البوليسية والاستخباراتية تؤكد ما ترمي إليه هذه المؤسسة من تهجين الفلسطينيين ليسيروا في مسارات سياسية تحظى ببركة ودعاء المؤسسة الحاكمة.

إذن، بات واضحا أن سقف العمل الديمقراطي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل تجري محاولة لخفضه ليتناسب مع مقاسات إسرائيل التي تضمن لها مزيدا من الرقابة والسيطرة والبطش. وستبقى إسرائيل تلوح براية الديمقراطية وتصيح نهارا وليلا داعية العالم أجمع، بما فيه العالم العربي، إلى التمثل بها لكون ديمقراطيتها عطية وهبة من السماء لم يحظ بها شعب آخر كما حظي بها هذا الشعب المتميز. هذه بعينها الديمقراطية الموهومة التي لا صلة لها بأسس الديمقراطية.

التعليقات