31/10/2010 - 11:02

الرعب الديموغرافي في صميم حروب"اسرائيل".../ نواف الزرو

الرعب الديموغرافي  في صميم حروب
كان البلدوزر الارهابي –شارون – قد استدعى في السادس من شباط/2001 على عجل وقبل حتى ان تظهر نتائج الانتخابات الرسمية لرئاسة الحكومة الاسرائيلية ، البروفسور" ارنون سوفر" المعروف ب " نبي الغضب الديموغرافي "للتشاور معه في المسالة الديموغرافية والحلول والخرائط التي يقترحها لمحاصرتها واحتوائها وابادة تهديدها ل "اسرائيل "، ويقول سوفر في هذا الصدد - كما وثق "ايلان مينارغ " - الخبير الفرنسي في شؤون الشرق الاوسط في كتابه "جدار شارون ": "تلقيت في الليلة نفسها مكالمة هاتفية من معاوني شارون فرغبوا الى مقابلته باسرع ما يمكن وطلبوا مني احضار الخرائط ".

وكان سوفر قبل ذلك بعام اي في شباط 2000 قد القى محاضرة في هرتزليا حول التطور السكاني في "اسرائيل" ومخاطره وقال فيها "انه سيكون 58% من العرب و 42%من اليهود ما بين النهر والبحر المتوسط في عام 2020" و "دعا الى انسحاب اسرائيلي احادي الجانب من الاراضي المحتلة اذ يمكن للكيان الصهيوني من دونه ان يتلاشى في الاعوام القادمة"، ولاحظ "ان الطوق الديموغرافي يضيق الخناق على اسرائيل بسرعة جنونية وبالتالي يمكن للنزاع ان يدوم" لكن " الزمن يعمل ضد مصلحة اسرائيل" لذلك "ينبغي عليها ان تتخذ قرارا شجاعا وصعبا بانسحابها من الاراضي انسحابا احادي الجانب ...وينبغي على الفور رسم حدود لاسرائيل –الجدار - والا فان العرب سوف يقومون باغراقها فلا يعد للكيان اليهودي وجود " ....

وكان سوفر يدعم اقواله بالخرائط التي تظهر الضفة الغربية مقسمة الى ثلاثة اقسام محددة بتسوير مكهرب :قسم من جنين الى رام الله ،وآخر من بيت لحم الى الخليل ،وثالث صغير حول اريحا .

بدأت اعمال البنية التحتية في نقاط عديدة من الجدار فباشرت العمل كل يوم نحو خمس مئة بلدوزر لتمهد لبناء واحد من اضخم المشاريع في تاريخ اسرائيل . وقد حظي هذا المشروع بالاجماع الاسرائيلي باستثناء اليمين ، وطرأت لاحقا تعديلات على الجدار كلها باتجاه الشرق.

وكانت عمليات بناء الجدار تتم بتكتم شديد واخذ مكتب شارون المسمى"ميديا "على عاتقه كافة البلاغات المتعلقة بالجدار، فلم يتسرب شيء عنه طيلة شهور عديدة، وكانت الاخبار كلها تتركز على اعادة احتلال الضفة الغربية بينما كان الفلاحون الفلسطينيون الوحيدين الذين بوسعهم الكلام عنه فهم الذين انتزعت ملكياتهم للاراضي بالقوة.

لم يكشف شارون رسميا عن خطة الفصل مع الفلسطينيين الا في 18 كانون اول 2003 قائلا:"ان هدفه ان يرسم خط الأمن المجدي الى اكبر حد ممكن بالنسبة لليهود باقامة فصل على ذلك الأساس بين اسرائيل والفلسطينيين".

الباحث الاسرائيلي المعروف "ميرون بنفنستي "عزز هذا البعد – الرعب - الديموغرافي في فكر ومخططات شارون في مقالة حديثة له نشرتها صحيفة هآرتس العبرية 2006/1/12 قال فيها:" ان الهدف الذي احتل تفكير شارون منذ عام 1948 كان ازالة التهديد الديموغرافي العربي بصورة احادية الجانب عبر طرد مئات آلاف العرب" ويضيف بنفنستي "اما الخطة الكبرى لشارون التي ادت الى حرب لبنان، فكانت ترمي الى حل القضية الديموغرافية الفلسطينية عن طريق تحويل الاردن الى فلسطين من خلال ترحيل فلسطينيي لبنان والضفة الغربية الى الاردن .. غير ان هذه الخطة فشلت " ويواصل بنفنستي موضحا :"لذلك لجأ شارون الى خارطة الكانتونات – المعازل الفلسطينية –وسعى الى تحقيقها ..فملأ المناطق الفلسطينية يالمستوطنات وعمل بعد انتخابه من اجل "إزالة التهديد الديموغرافي عبر فك الارتباط عن غزة التي اراحته من اكثر من مليون فلسطيني من الميزان الديموغرافي" ..واما الجدار الفاصل فقد مزق الاراضي الفلسطينية الى كانتونات معزولة عن بعضها البعض وهيئت الارضية الى تحويل حياة مئات آلاف الفلسطينيين الى جحيم ما ادى الى تحطيم المجتمع الفلسطيني الى4-5 تجمعات " ...وما تزال مخططات شارون قائمة على اجندة ورثته ...؟

الواضح الملموس و بلا شك.. يسيطر هذا الهاجس الترانسفيري الابادي التوسعي الصهيوني ليس فقط على نحو 36% من الرأي العام الاسرائيلي اليميني المتشدد في عنصريته واستعماريته واجراميته - كما جاء في استطلاع لصحيفة يديعوت احرونوت العبرية، بما لا يمكن قياسه بأية مقاييس ومعايير دولية، بل يمتد وتتسع مساحته لتشمل المؤسسة الامنية - العسكرية - السياسية - الحزبية والاكاديمية في معظمها.

اختار بلدوزرهم شارون في عهده - حتى جلطته - ان يكون مع حل "زج الفلسطينيين في غيتوات" ولكن دون ان يتخلى عن او يهمل الخيارات الاخرى عند الحاجة، وعلى هذه الخلفية تحديدا ولدت خطة "فك الارتباط" الشارونية في قطاع غزة. وقد كشف النقاب في احدث تصريحاته عن هذه الخلفية (التي تشكل عمليا الخلاصة المكثقة للفكر السياسي الاستراتيجي الصهيوني)، فقال: "لقد قررنا الخروج من قطاع غزة، لانه ليس هناك اي امل في غالبية سكانية يهودية".

اذن.. يحتل هذا الهاجس الديموغرافي المقلق حسب شارون الدافع الرئيس لخطة "الفك" و "المغادرة من قطاع غزة، في الوقت الذي يشكل فيه المدماك الرئيس أيضا لصياغة الخريطة الاستيطانية التهويدية في المواقع الفلسطينية الاخرى، اذ اعلن واكد شارون من جهة اخرى "ان كل الجهود سوف تتركز بعد الفك لتعزيز الاستيطان والتهويد في الجليل والنقب، والقدس الكبرى وكتل الاستيطان ومنطقة الاغوار".

كان اسحق رابين - كما كشفت صحيفة هآرتس العبرية (1/7/2005)- قد اقترح عندما كان رئيسا لهيئة اركان الجيش الاسرائيلي عام 1956" ترانسفيرا جماعيا للفلسطينيين من الضفة الغربية الى الاردن"، وقد نجحت "اسرائيل" في تنفيذ هذه المقترحات الرابينية الترانسفيرية جزئيا اثر هزيمة حزيران / 67 واحتلال الضفة..

تتحرك هذه الأفكار والمقترحات والهواجس الديمغرافية -الترانسفيرية -الإبادية على امتداد الخريطة السياسية والاستيطانية الاسرائيلية.. وتفرخ في الوقت نفسه المزيد المزيد من الحلول والاجراءات الارهابية الاجرامية على الارض..
وما "فك الارتباط" سوى احد التداعيات.. وما الجدار النكبوي عمليا سوى احد اخطر سيناريوهات الهجوم والاجتياح ضد الشعب العربي الفلسطيني، وربما يكون الآتي اشد وطأة وخطورة واوسع مساحة اجرامية على الارض..

فـ "فك الارتباط" و "الجدرار العازل" و "الديمغرافيا".. وغير ذلك ..كلها عناوين وخرائط حربية تحتل جوهر الفكر الاستراتيجي الاسرائيلي ...

وكذلك سياسة "البلدوزرات" و"الاستيطان" و"الاجتياحات" و"الجدران".. كلها على علاقة جدلية بذلك الفكر الديمغرافي/ السكاني - الترانسفيري الشاروني الصهيوني في هذه المرحلة.. وستبقى على قمة الأجندة الصهيونية أيضا في المستقبل المقروء.

التعليقات