31/10/2010 - 11:02

الشر الضامن والشر المعطل../ فيصل جلول

الشر الضامن والشر المعطل../ فيصل جلول
كانت كوريا الشمالية في عين العاصفة الأمريكية طيلة العقدين الماضيين، فقد عينها بوش الابن في محور الشر، وأطلق المتحدثون باسمه تهديدات بشأن برنامجها النووي، ولم تكف وسائل الإعلام الأمريكية والغربية عن نشر غسيل هذا البلد في مجال حقوق الإنسان، وإطلاق أحكام قاطعة حول ستالينيته وتشبث سلطته العليا بنظرية المؤامرة إلى حد الامتناع عن معالجة الرئيس بالتخدير العام، إلى غير ذلك من الافتراضات التي لم تبرهن من طرف مستقل، كما أنها لم تحظ بتفنيد كوري، بل دفعت جملة وتفصيلاً بمنهج شمولي كلاسيكي.

وقد نجحت الولايات المتحدة الأمريكية كعادتها في الحصول على قرارات دولية تدين البرنامج النووي الكوري الشمالي وإخضاعه للرقابة الصارمة، مع التهديد بعقوبات قاسية في حال عدم انصياع بيونغ يانغ، غير أن الحسابات الروسية والصينية بخاصة، ناهيك بالتقديرات الأمريكية والغربية غير المعلنة، هذه كلها لم تدفع مجلس الأمن نحو اتخاذ إجراءات صارمة من النوع الذي يؤدي إلى رد فعل كوري متهور.

وعليه ظلت القضية تراوح مكانها طيلة السنوات المنصرمة، فلا الولايات المتحدة الأمريكية تجرؤ على التصدي المكشوف لكوريا الشمالية، ولا تكف هذه الأخيرة عن تطوير برنامجها بل سلاحها النووي وتكنولوجيتها البالستية المختلفة، هذا إذا أردنا طي صفحة “دولة الشر” التي فتحت سريعاً في عهد بوش وأغلقت سريعاً في عهده الذي شهد في أواخره مفاوضات مع الكوريين الشماليين أدت إلى تجميد الأزمة إلى حين وصولها بكامل هيئتها إلى عهد باراك أوباما.

وعلى الرغم من النوايا الطيبة التي أعلنها أوباما تجاه كل المعينين في خطب الشر البوشية، ومن ضمنهم كوريا الشمالية، فإن ذلك لم يحرك الموقف الكوري خطوة واحدة إلى الخلف، فقد بادر الكوريون إلى مواصلة تجاربهم الصاروخية والنووية، وردوا بقوة على قرار مجلس الأمن الأخير الذي قضى بتفتيش سفنهم في المياه الدولية، محذرين من أن ذلك إن وقع يمكن أن يؤدي إلى رد صاعق، وكيف لا يفعلون طالما أن قرار تفتيش السفن الكورية جاء مشروطاً بموافقة ربان السفينة، وإذا رفض التفتيش فإنه لا يتم، وفي هذه الحالة يبلغ مجلس الأمن ويدعى لاتخاذ القرار المناسب، ما يعني عملياً أن القرار غير قابل للتطبيق الفعلي، ولا يؤثر جوهرياً في تجارة الصواريخ الكورية، وهو ما اتضح من خلال تجربتين أو ثلاث لتعود الأمور إلى مجاريها، مع الإشارة إلى أن مجلس الأمن كان يراهن على حزم صيني في تطبيق قرار العقوبات، باعتبار أن بكين هي الباب الأول وربما الوحيد الذي تخرج منه شحنات الصواريخ الكورية المصدرة إلى الدول الراغبة. والثابت أن الصين بقدر خشيتها من النزعة النووية العسكرية الكورية الشمالية، لا تبدو مستعجلة الضغط على بيونغ يانغ من أجل تحرير أمريكا وحلفائها في كوريا الجنوبية واليابان من كابوس كيم جونغ إيل وولي عهده.

وتزداد الخشية الأمريكية من ردود فعل كورية متهورة بسبب المعلومات الشحيحة التي تتسرب عن مركز القرار الكوري، فحتى الآن لا يعرف أحد شيئاً جدياً عن حال الرئيس الكوري الصحية وعن انتقال السلطة إلى ابنه. وإذا كان الصينيون يعرفون أكثر من غيرهم خبايا وكواليس السلطة الكورية الشمالية، فإنهم مرة أخرى لا يضعون كامل معرفتهم بتصرف الغرب، وإن كانوا يحبذون أن تحل القضية الكورية بواسطة الحوار في “مجموعة الست” التي تضمهم إلى جانب بيونغ يانغ وواشنطن وسيؤول وموسكو وطوكيو.

وفي تطور لافت، بل نادر الوقوع، لمح وزير الخارجية الكوري الشمالي إلى رغبة بلاده بالتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة خارج “مجموعة الست” وذلك رداً على تصريحات أمريكية متكررة حول وجوب حل المشكلة الكورية بالحوار.

وينطوي التصريح على رهان كوري شمالي لا يخلو من الذكاء، إذ يطرأ بعد انتهاء الكوريين من تجاربهم التي كانوا بأمسّ الحاجة إليها، وبالتالي صار بوسعهم الجلوس إلى طاولة المفاوضات في موقع القوي الذي يطلب التنازلات، وفي طليعتها حماية النظام الكوري من التدخل الغربي في شؤونه الداخلية، وتحرير تجارته من الضغوط والعقوبات الدولية، والحصول على حاجته من الطاقة بطريقة ميسرة.

وإذ “يفاوض” النظام الكوري الشمالي عدوه الأمريكي مباشرة ومن دون المرور بـ“مجموعة الست”، فلإدراكه أن الصين وروسيا قد تصبحان مصدراً للضغط عليه بعد قرار العقوبات الأخير في مجلس الأمن، وبالتالي ما عاد مفيداً له التفاوض مع خمسة مفاوضين يتحدثون بصوت واحد في وقت يمكنه البحث عن إمكان حل مشاكله مع الطرف الأمريكي الذي يملك منفرداً قرار الصلح والمساومة والعداء وتقديم الضمانات أو حجبها.

في هذه اللحظات، لا نعرف بعد كيف ستتعاطى الولايات المتحدة الأمريكية مع الطلب الكوري الشمالي بإجراء مفاوضات ثنائية مباشرة، فهي بحاجة ماسة إلى تبريد الأجواء وخفض التوتر وتوفير الأمن والطمأنينة لحليفيها الكوري الجنوبي والياباني، ولكنها بالمقابل ليست مهيّأة لدفع ثمن باهظ يتمثل بالاعتراف بالنظام الكوري الشمالي ذي المظلة النووية، والسماح له بالحصول على المزيد من أسباب القوة بشروطه وليس بشروط الغرب. ن

عم كوريا الشمالية دولة شريرة في عرف واشنطن، ولكنها في عرف شعبها والكثير من دول العالم قد أحسنت الرد على الأمريكي الشرير باللغة الوحيدة التي يفهمها.
"الخليج"

التعليقات