31/10/2010 - 11:02

الشهيد أحمد البلبول بكى في قبره وأبكاني../ عطا مناع*

الشهيد أحمد البلبول بكى في قبره وأبكاني../ عطا مناع*
في مستشفى الجمعية العربية وعلى سرير في غرفة الطوارئ بدأ الطفل محمود البلبول ابن ال 14 عاما بسرد حكايته مع الخوف والعنف الذي تعرض له من بعض أفراد الأجهزة الأمنية في بيت لحم. كانت علامات العنف ظاهرة على رأسه ووجهه فقط ما دفع الحضور للاستغراب والتساؤل عن الأسباب التي تدفع برجل أمن فلسطيني التنكيل بهذا الطفل الذي هو ابن الشهيد أحمد البلبول قائد كتائب شهداء الأقصى في جنوب فلسطين.

أغرورقت عينا الطفل البلبول وهو يروي كيف داسوا علية بالبساطير، وكان يستعين بلغة الجسد للتدليل على مدى الضرر الذي أصابه عندما شاهد رجال أمن فلسطينيين يحفرون محلا تجاريا عبارة عن صالون حلاقة سابق كان يستخدمه والده قبل أن يصبح المطلوب الأول للقوات الإسرائيلية الخاصة التي اغتالته مع رفاقه محمد شحادة وعيسى مرزوق وعماد الكامل وبدم بارد.

تحدث الطفل البلبول مطولا وبإسهاب، لكنه توقف وصمت أمام الجرح المعنوي الذي تعرض له وهو المس بوالده الشهيد الذي يتعامل معه بقدسية ممنوع على أحد المس به مهما كانت صفته ومسماه. وقد كانت الصدمة واضحة على الطفل المستلقي في الجمعية العربية لأنه نفس الطفل الذي تلقى احتضانا ملفتا من الشعب عشية اغتيال والده ما دفعه للاعتقاد بصدق هذا الاحتضان المؤقت.

قد يكون هذا السلوك تجاه أبناء وأسر الشهداء قاعدة فلسطينية، وقد يكون لا، لكنني لا اعتقد بالمثاليات، وخاصة في واقعنا الحياتي الذي ينضح بالممارسات المقيتة تجاه أبناء واسر الشهداء. ومن الضروري أن لا تغيب عن ذهن المهتم الفلسطيني والعربي عمليات التطبيع سيئة الذكر التي يستدرجون إليها أسر الشهداء للالتقاء بأهالي جنود إسرائيليين قتلوا خلال الصراع.

الشهداء وأسرهم ضحايا للانحطاط المجتمعي والهبوط الأخلاقي والسياسي الذي أصبح تربة خصبة للنصابين الذين يستهدفون أسر الشهداء، والشهداء في قبورهم هم أيضا ضحية ثقافة الانقسام والتبعية وكان الحال الفلسطيني يشدد على تقزيم القيم الحقيقية للشعب الفلسطيني كمقدمة لتفريغه من محتواة الوطني والتكافلي.

لقد سادت ثقافة الكذب والدجل الخطابي المدافعة عن الطغم السياسية والفاسدين الذين ينهشوا لحم شعبنا، والقضية لا تقتصر على لكمة توجه إليك أو عصى تنهال على رأسك من حيث لا تدري، القضية قيمية بامتياز، مما يدفعني للتساؤل، إلى أين يذهبون بالشعب الفلسطيني؟ وكيف نتخلص من هذا الكابوس الذي يربض كالصخرة على رؤوسنا؟ ولماذا استهداف الشهداء؟

أحمد البلبول واحد من عشرات آلاف الشهداء الذين ضحوا من أجلنا، أليس هذه هي الحقيقة؟ أليس من واجبنا أن نحافظ على أبناء شهدائنا؟ آلا نتمتع بالحد الأدنى من المسؤولية بعدم المس بالشهداء كقيمة وطنية وإنسانية؟ أرى في هذه اللحظة الشهداء يخرجون من أضرحتهم صارخين فينا أن نتوقف عن ممارس الوهم، أرى أحمد البلبول في عيني ابنه دامعا مغتاظا متفاجئا يائسا منا ومن أدائنا. أراه باكيا علينا وليس منا، واراه يتحرك في قبره باكيا لما وصلنا له من حضيض.

ملاحظة.... تم توقيف المعتدين على الطفل البلبول وخضعوا للتحقيق، وهناك من يقول أنهم سيخضعون للمحاكمة، أتمنى إن تكون المحاكمة عاجلة وعلنية وواضحة وقانونية، وهذا أقل ما يمكن أن يقدم للمعتدى عليه ولعظام أبيه الشهيد التي تحركت في قبره.

التعليقات