31/10/2010 - 11:02

الصوت العراقي والرئاسة الأمريكية../ فيصل جلول

الصوت العراقي والرئاسة الأمريكية../ فيصل جلول
يقع بعض لاعبي “الروليت” الهواة في فخ اللعبة ابتداء من اللحظة التي يخالون فيها أنهم قاب قوسين أو أدنى من الربح العميم. وغالباً ما تقع هذه اللحظة بعد كسب عارض يندفع بعده اللاعب برصيده إلى الحلبة للفوز بثروة سهلة، وعندما يخسر يكف عن الحساب ويباشر السقوط نحو الهاوية ظاناً أنه سيعوض خسارته لكنه يتوغل فيها ويربح الكازينو الذي يعتمد في استراتيجيته لتحقيق الربح على زبائن من هذا الطراز.

تشبه حال الولايات المتحدة الأمريكية المحتلة للعراق حال لاعبي الروليت الهواة. لقد ظن الرئيس جورج بوش أن الاحتلال السهل لبلاد الرافدين هو مدخل لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الغنية بالموارد والمواقع الاستراتيجية ومن خلالها إحكام السيطرة الأمريكية على العالم ل “مائة عام على الأقل” بحسب تعبير شهير لجورج بوش الأب بعد حرب الخليج الثانية، وكانت هذه القناعة راسخة إلى حد أن جون بولتون أحد الرجال البارزين في مجموعة المحافظين الجدد سخر في العام 2003 من عرض إيراني للتعاون مع واشنطن بقوله على الإيرانيين أن ينتظروا في الصف لتغيير النظام في بلادهم.

ما أن لاحت الخسائر الأمريكية الأولى في العراق حتى اكتشف المحتلون أن عليهم أن ينسوا الأرباح الخيالية وأن يكتفوا بالغنيمة العراقية. ثم لاحت خسائر جديدة بعد أن خرج العراقيون عن السيطرة وانتشرت حركات المقاومة في كل أنحاء بلادهم. تراجع الأمريكيون مجدداً وقالوا إنهم سيكتفون باعتقال الرئيس صدام حسين ومن بعد يريدون محاكمته ومن ثم يرحلون. ثم تذرعوا من بعد ب”أبي مصعب الزرقاوي” وبالقاعدة عموماً حتى إذا ما تشكلت “مجالس الصحوة” في محافظة الأنبار تخيلوا أنهم سيعوضون خسارتهم ثم يربحون الحرب ويبقون في العراق “لمائة عام” وهو رقم سحري لدى الجمهوريين على ما أكد المرشح للرئاسة جون ماكين الذي استغرب السؤال عن موعد الخروج الأمريكي من بلاد الرافدين”... وهل سألنا أحد لماذا نحن في كوريا ولماذا نحتفظ بوجود واتفاقات عسكرية في 80 بلداً في العالم.

واليوم يعود مقتدى الصدر إلى واجهة المقاومة ويهدد المحتل بالخروج من بلاده طوعاً أو بالقوة، فيخسر بوش الرهان مجدداً ويعود للحديث عن التهديد الإيراني للمصالح الأمريكية في العراق ملوحا بعبارته البليدة.. “كل الخيارات مطروحة على الطاولة” ويعود شبح الخسارة مجدداً ولكن هذه المرة برصيد أكبر الأمر الذي حمل دبلوماسيين أمريكيين مجربين على القول إن كارثة العراق قد تطيح بموقع الولايات المتحدة على رأس الهرم الدولي.

ولو اقتصرت الخسارة على العراق لهان الأمر نسبياً، فشبح الهزيمة يخيم أيضا على أفغانستان حيث الحرب في هذا البلد كانت ربحاً صافياً قبل ستة أعوام. ها هي قيادة الأطلسي “تطرح الصوت” على الدول الأعضاء فلا يتردد الصدى إلا لدى ثلاث منها ولا تتجاوز الحصيلة أكثر من ألفي جندي فيما المطلوب أكثر من 15 ألفا، ومع ذلك ينفر الوافدون من الخدمة في المناطق الأفغانية الساخنة إلى حد أن القوات الكندية التي تقاتل في قندهار لا تكف عن التهديد العلني بالانسحاب ما لم تتلق النجدة الكافية من الحلفاء.

لقد أظهرت معارك البصرة الأخيرة أن القوات العراقية التي بناها المحتل خلال السنوات الخمس الماضية (من دون معدات ثقيلة ولأغراض الشرطة فقط) ليست قادرة على مواجهة ميليشيا محلية سيئة الإعداد والتنظيم، فهي لا تتمتع بروح قتالية عالية ويمكن لقطاعات كبيرة منها أن تنحاز إلى جانب المناهضين للمحتل وليست مستعدة للموت من أجله، الأمر الذي يفسر قرار تجميد سحب الألوية الأمريكية المرشحة لمغادرة العراق حتى تموز/يوليو المقبل، وبالتالي استئناف البحث عن توفير الأمن المحدود بالتراضي وبزيادة الضغوط على دول الجوار.

لقد نجحت هذه الاستراتيجية من قبل في “الأنبار” وفي مناطق الجنوب لأنها كانت ترتكز على وعود سرية بجدولة الانسحاب الأمريكي هذا العام، الأمر الذي يفسر تجميد أنشطة التيار الصدري لستة أشهر كادت تجدد ثانية فضلا عن ضغوط سورية وإيرانية كبيرة على لوجستيات المقاومة، فإذا بالأطراف الموعودة تكتشف نوايا مخالفة ورهانات على البقاء في بلاد الرافدين لمائة عام، ومشروع تحالف أبدي بين العراق وأمريكا يكرس الاحتلال والسيطرة المحكمة على هذا البلد بوسائل أخرى. ما يعني أن نجاح هذه الاستراتيجية ثانية صعب المنال وأن أفق رحيل القوات الأجنبية بات مسدوداً تماماً في ظل الإدارة البوشية.

حتى لا ينخدع العراقيون الراغبون في تحرير بلادهم ثانية ربما يجدر بهم الدخول على خط الرئاسيات الأمريكية. عليهم أن يبرهنوا للناخب الأمريكي أن لا مستقبل للاحتلال في بلدهم وأن الخسارة التي تكبدتها الولايات المتحدة جراء الحرب العراقية مرشحة للتصاعد. في هذه الحالة وفيها وحدها يمكن إضعاف حظوظ المرشح الجمهوري في الوصول إلى البيت الأبيض وتعزيز فرص الديمقراطيين الذين حملتهم الحرب إلى مجلسي الشيوخ والنواب وقد تحملهم إلى الرئاسة، ومنها قد يبدأ العد العكسي لنهاية الكارثة العراقية.

وما يصح على العراقيين يصح أيضاً على دول الجوار المتضررة من الاحتلال الأمريكي، ذلك أن جون مكين يهدد عبر وليد معلوف ب”إخراج حزب الله من لبنان” تارة، ويتوعد إيران وسوريا تارة أخرى، ويعد “إسرائيل” باقتفاء أثر بوش في دعمها بلا حساب، في حين يرى باراك أوباما المرشح الديمقراطي الأوفر حظاً وجوب التخلص من مغامرة المحافظين الجدد الشرق اوسطية المجرمة. ليس أمام العراقيين وشعوب المنطقة من خيار آخر غير إخفاق المحتل و”الاقتراع” من موقعها للأمريكيين الراغبين برحيله، ذلك أن نجاحه يزيده تمسكاً بفريسته ويغريه بالبحث عن طرائد أخرى. بكلام آخر يرحل المحتل عندما يدرك أن التعويض الوحيد لاحتلاله هو الرحيل.
"الخليج"

التعليقات