31/10/2010 - 11:02

العدوان الإسرائيلي ضد نابلس: إصابة عدة عصافير بحجر واحد../ هاني المصري

العدوان الإسرائيلي ضد نابلس: إصابة عدة عصافير بحجر واحد../ هاني المصري
لا يمكن فهم أبعاد و أهداف العدوان الإسرائيلي ضد المؤسسات و الجمعيات الخيرية والاجتماعية والاقتصادية المحسوبة على حركة حماس أو تعتقد سلطات الاحتلال أنها محسوبة عليها في نابلس، الا على أساس أنها حملة غير مسبوقة وتستهدف إصابة عدة عصافير بحجر واحد.

أولاً: إن الحملة شعواء وغير مسبوقة وجزء من خطة أكبر لا تقتصر على نابلس فقط و إنما تشمل جميع المدن والقرى والمخيمات، كما تشمل منع 30 صندوقاً خيرياً تنتشر على امتداد العالم متهمين بتزويد المساعدات للفلسطينيين من إرسال أي أموال، وذلك لأن إسرائيل تصنف هذه الصناديق كصناديق تتبع لأطراف معنية بمساعدة حركة حماس، بشكل مباشر أو غير مباشر.

وهي حملة شبيهة بالحملة الأميركية الإسرائيلية التي شنت ضد منظمة التحرير الفلسطينية عشية التوقيع على اتفاق اوسلو تطبيقا للشعار الأميركي "باي باي م.ت.ف" و التي وصلت الى حد تجفيف موارد المنظمة و تضييق الخناق عليها لدرجة ان قيادتها لم تعد متأكدة انه ستبقى قادرة على التواجد في أي عاصمة عربية أو أجنبية في منطقة الشرق الأوسط. فهل هذه الإجراءات تهدف الى دفع "حماس" للخضوع لاتفاق شبيه باتفاق اوسلو سيئ الصيت والسمعة.

ثانياً: أكثر شيء ملفت في هذه الحملة هو توقيتها، فهي جاءت بعد اتفاق التهدئة في غزة، وبعد أن بدأ الاتفاق يأخذ طريقه نسبيا الى حيز التطبيق: فالتهدئة اعتبرت إنجازا لحركة حماس ومثلت تراجعا إسرائيلياً لأن إسرائيل اعترفت بهذا الاتفاق بدور "حماس" وسيطرتها على قطاع غزة، وأبدت الاستعداد للتفاوض معها بوساطة مصرية لرفع الحصار كلياً وإتمام صفقة تبادل الأسرى، و هذا كله يفتح ثغرة في جدار العزلة الدولية المفروض على "حماس"، هذا الجدار الذي سعت اليه إسرائيل و حققته بمساعدة أميركية.

فإسرائيل عبر الحملة على مؤسسات "حماس" في الضفة تريد ان تقول لـ "حماس" والفلسطينيين وللعالم بأسره ان موقفها من "حماس" لم يتغير، وإن ما يجري من تهدئة في غزة لا علاقة له بما يجري في الضفة.

ثالثاً: إن إسرائيل في عهد حكومة اولمرت تريد ان ترسل رسالة عبر هذه الحملة شبيهة بالرسالة التي أرسلتها حكومة شارون عندما طرحت ثم عند تطبيق خطة فك الارتباط عن قطاع غزة، وهي تقول: إن التراجع خطوة الى الوراء في غزة مغزاه الأساسي انه يهدف الى التقدم عشر خطوات الى الأمام في الضفة.

هذه الرسالة التي حملتها الاغتيالات التي نفذت في الضفة الغربية بعد التهدئة، وذلك ليس لأن حكومة اولمرت ضد التهدئة، كما يسارع البعض الى تقديم التفسيرات، فالتهدئة تصب في مصلحتها، ولكن من أجل تكريس الفصل ما بين الضفة وغزة، وتعميق الانقسام السياسي والجغرافي، والمضي في السباق مع الزمن من اجل استكمال تطبيق المشاريع التوسعية العنصرية الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة قبل ان يفرض العالم أو الولايات المتحدة الأميركية على إسرائيل تسوية غير مرغوبة، وحتى يفرض الامر الواقع الذي تقيمه إسرائيل نفسه على أية تسوية.

رابعاً: إن من أهم أهداف العدوان الذي نفذته قوات الاحتلال في نابلس توجيه ضربة كبيرة للسلطة الوطنية و المساس بهيبتها ومصداقيتها، وإظهارها وكأنها لعبة في يد الاحتلال ومتعاونة معه. وان الاحتلال يبقى راضيا عنها ما دامت مشغولة بالأمن الداخلي والاقتصاد وتقديم الخدمات، ولا علاقة لها بمقاومة الاحتلال لا من قريب ولا من بعيد.

أي ان حماية أمن المواطن وممتلكاته وحرياته وحقوقه المعرضة للانتهاكات الإسرائيلية المستمرة والعدوان العسكري المتلاحق على أيدي قوات الاحتلال، التي تقتحم المدن المفترض أن تكون خاضعة لسيطرة السلطة بشكل يومي، وتقتحم المؤسسات والمنازل، وتعتقل من تشاء، وتغلق ما تشاء من مؤسسات، وتغتال من تشاء، كل ذلك ليس من صلاحيات ومسؤولية السلطة، فالسلطة المطلوب منها منع المقاومة، وتقديم الخدمات والأمن الداخلي للمواطنين.

ويساعد إسرائيل على تحقيق هذا الهدف، ان السلطة ارتكبت غلطة كبيرة جدا، عندما اتفقت على صيغة مع سلطات الاحتلال عند الشروع بتطبيق الخطة الأمنية في نابلس، وعممت في بقية المدن و المناطق، تقوم على أن تدخل قوات الاحتلال المدن في الليل بينما تقوم السلطة بمهام الأمن الداخلي في النهار. وهذا أمر ضار جدا فهناك فرق جوهري وحاسم بين أن لا تستطيع السلطة ان تمنع اقتحام مناطقها من قبل قوات الاحتلال وهذا أمر يتفهمه المواطنون، وبين ان تتفق مع الاحتلال على تنظيم السير والعمل أثناء هذه الاقتحامات. وان تتصرف أثناء الاقتحامات على أساس ان لا حول لها و لا قوة.

زيارة فياض لنابلس وتصريحاته خطوة في الاتجاه الصحيح

ان إدراك سلام فياض رئيس الحكومة لخطورة ما حدث في نابلس من عدوان غير مسبوق شمل إغلاق سوق تجارية ونقل ملكيته الى الاحتلال، وإغلاق مدارس ومؤسسات خيرية صحية وتعليمية وإعلامية الى حد مصادرة باصات المدارس وأجهزة الحاسوب واقتحام بلدية نابلس ومصادرة محتويات تلفزيون آفاق، على السلطة، دفعه للقيام بزيارة المدينة وإطلاق حملة من التصريحات واتخاذ بعض الخطوات الهامة.

فقد قال فياض إن الشعب لن يسمح بتقويض جهود السلطة ومكانتها، واعتبر أن الإجراءات الإسرائيلية بحق المؤسسات في نابلس باطلة، وخرق لكافة الاتفاقيات المعقودة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وطالب التجار وأصحاب المحال التجارية ومسؤولي المؤسسات الاستمرار في أعمالهم كالمعتاد، والتزم بان الحكومة ستتعامل مع كافة الأضرار التي ترتبت على الاعتداءات الإسرائيلية.

ان من الأهمية بمكان ان تبادر السلطة ومعها كافة الفصائل والقوى والفعاليات الوطنية، الى تنظيم و تمويل حملة وطنية لكسر قرارات الإغلاق الإسرائيلية، و المضي في هذا الامر الى ابعد حد ممكن، لان التعايش مع هذه القرارات والاكتفاء بنقدها أو مقاومتها بشكل استعراضي، سيوجه ضربة نجلاء للشعب ولسلطته، وسيجعل الاحتلال ينجح في تصويرها كدمية في يد الاحتلال.

سلطة ومقاومة شعبية

إن إسرائيل لم تتحمل ولا تحتمل معادلة سلطة ومقاومة مسلحة. وعلى الفلسطينيين وسلطتهم و قواهم الحية، ان تفرض معادلة سلطة ومقاومة شعبية على ان تكون هذه المقاومة متعددة الأشكال السياسية والقانونية والدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية والجماهيرية. فما دامت إسرائيل تريد الجمع ما بين المفاوضات والاتفاق والعدوان العسكري المستمر بكافة أشكاله، والاستيطان والجدار والحصار وتقطيع الأوصال على الفلسطينيين ان يجمعوا إذا لم يستطيعوا رفض المفاوضات كليا في كل هذه الشروط، ما بين المفاوضات والسلطة والمقاومة الشعبية، لأنهم إن لم يفعلوا ذلك يتحولوا في أحسن الأحوال الى جماعة تناضل في إطار سلطة حكم ذاتي وظيفتها تحسين شروط الاحتلال وهذا يعطي الاحتلال شرعية ويمد بعمره الى فترة طويلة قادمة.

وحتى تقبض السلطة جديا، عليها ان تبادر الى اتخاذ خطوة بمستوى خطورة إقدام إسرائيل على تكثيف الاستيطان بمعدلات رهيبة خصوصا قي القدس، وإقدامها على إغلاق مؤسسات اجتماعية واقتصادية توفر الخدمات و فرص العمل لأعداد كبيرة من المواطنين، فهل تجرؤ السلطة على اتخاذ قرار بوقف أو تعليق المفاوضات لحين وقف العدوان والاستيطان وقفاً تاماً؟ نأمل ذلك وهذا أضعف الإيمان.
"الأيام"

التعليقات