31/10/2010 - 11:02

العودة للمفاوضات وإعادة إنتاج المأساة../ أحمد الحيلة*

العودة للمفاوضات وإعادة إنتاج المأساة../ أحمد الحيلة*
بدأ الحديث يتكرر عن عودة مرتقبة للمفاوضات السياسية منتصف آذار(مارس) القادم، بعد تعثر وجمود لنحو عام تخلله تمسك السيد عباس، ومستشاريه، ووزرائه برفضهم القاطع لعودة المفاوضات إلا شريطة توقف الاستيطان كلياً في الضفة الغربية والقدس.

اللافت في الأمر أن الغَزَل اليوم حول المفاوضات، لا يتحدث البتة عن وقف الاستيطان، وإنما عودة لمفاوضات غير مباشرة لثلاثة أشهر استناداً لخارطة الطريق، وفي حال أثمرت عن "نجاح"، فإن المفاوضات ستتحول إلى مفاوضات مباشرة.

هذه الطريقة من الغَزَل التفاوضي تشير إلى رغبة دفينة واشتياق للعودة إلى طاولة المفاوضات، في سياق مناقض تماماً لكل الشروط والعهود المقطوعة على لسان فريق أوسلو الذي أصر على رفض التفاوض مع استمرار الاستيطان.

بمعنى آخر، الفلسطينيون يذهبون إلى المفاوضات "عُراة" ومكشوفين سياسياً، حسب رغبة نتنياهو الذي يصر على مفاوضات دون "شروط" فلسطينية مسبقة، أي دون التزامه بتجميد أو وقف الاستيطان حسب خطة خارطة الطريق التي مازال يتمسك بها المفاوض الفلسطيني كمرجعية للمفاوضات.

هذا التراجع في الموقف لعباس وفريق أوسلو جاء على خلفية دوافع ذاتية وموضوعية أهمها:

* أولاً: انعدام الخيارات لدى عباس وفريق أوسلو، بعدما رهنوا أنفسهم للتسوية السياسية، وأغلقوا على أنفسهم الخيارات الأخرى بانقلابهم على خيار المقاومة الذي شكل رافعة للقضية الفلسطينية. هذا الواقع الشاذ سياسياً في مسيرة الثورة والمقاومة، وضع المفاوض الفلسطيني في مأزق عدمية استمرار عملية المفاوضات مع استمرار الاستيطان وإجراءات التهويد للقدس، في وقت لا يملك فيه فريق أوسلو أو لا يريد أن يملك خياراً آخر، الأمر الذي أنتج رغبة محرجَة بالعودة إلى المفاوضات بشكل غير مباشر، في محاولة لخداع بصيرة الرأي العام الفلسطيني بالقول إننا لم نخضع للضغوط وما زلنا على موقفنا برفض المفاوضات قبل وقف أو تجميد الاستيطان..!

* ثانياً: خضوع عباس وفريق أوسلو لضغوط أمريكية وأوروبية مباشرة، فالرئيس الأمريكي أوباما يريد حراكاً في ملف الشرق الأوسط، لتحسين صورته المتراجعة بعد الوعود التي لم يوف بها، والآمال التي تبخرت بعد تراجعه عن إلزام الاحتلال الإسرائيلي بوقف الاستيطان، ناهيك عن حاجة الأمريكان للحراك السياسي في القضية الفلسطينية لتوظيفه في مزيد من الضغط على المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وقضايا أخرى كالملف النووي الإيراني..، فالغرب لا يدفع المال لرام الله كجمعية خيرية، فكل شيء بثمن، وما تهديد الاتحاد الأوروبي بإعادة النظر في المساعدات للسلطة الفلسطينية إذا استمر الجمود في المفاوضات إلا شاهد على ذلك.

* ثالثاً: تعرض السيد عباس لضغوط مباشرة من القاهرة من أجل بعث الحياة في مسار المفاوضات خوفاً من تعاظم قوة حماس والمقاومة كبديل ناضج لملء الفراغ السياسي الناتج عن جمود المفاوضات..، إضافة إلى أن استحقاقات نيل رضا واشنطن يتطلب السير في الركب الأمريكي..، ناهيك عن أن مصر محرجة أمام الرأي العام، وهي التي وضعت بيضها في سلة التسوية السياسية العاثرة، ومن هنا كان لا بد من الضغط على الطرف الأضعف ليتراجع عن مواقفه والعودة إلى طاولة المفاوضات.

إذا القضية الفلسطينية تستعد لدخول نفق التسوية السياسية من جديد بشروط وسقف منخفض جداً، الأمر الذي يشي بإنتاج ما هو أسوأ من أوسلو وخارطة الطريق، في ظل استمرار حمّى الاستيطان، وازدياد هوة الانقسام الفلسطيني بين نهجين تتجذر بينهما عوالم التناقض.

التعليقات