31/10/2010 - 11:02

القضية قضية أمن قومي فلسطيني والشعب هو المرجعية الحقيقية../ د.حسن نبيل رمضان

القضية قضية أمن قومي فلسطيني والشعب هو المرجعية الحقيقية../ د.حسن نبيل رمضان
لا يحتاج أي مقال بما يتعلق بالشأن الفلسطيني في هذا الوقت بالذات إلى مقدمات، فالوضع جد خطير، فصناعه اللغة انهارت أمام الدم، و لا تزال تنطلق الأسئلة الاستهجانية بلا انقطاع، كيف تنقطع لقمة العيش ويبيت آلاف من أبناء شعبنا بلا طعام ويبقى الرصاص يتدفق في شوارعنا يقتطع لحمنا ويمزق عذريتنا نضالنا، كيف تحتجز أموالنا ويصادر حقنا ونحن نفرط بأغلى أبنائنا؟

من الذي ساقنا إلى هذه الهاوية؟ إن المسؤولية لا تتخطي أحدا، ولا ينفعنا أن نمسك كل عصي تحليلاتنا وتبريراتنا من منتصف أصبح مهترئا، لقد تحول الأمر بلا أدني اشك من موقف سياسي إلى شرخ اجتماعي وقضية إنسانية فقط، ويتراكض الجميع نحو لغة أصبحت باهتة، من صنع النار في البداية كان يعلم جيدا انه لن يستطيع إطفاءها، وكان يعلم جيدا أن الهاوية والانهيار أصبحا وشيكين ...

والآن تتعقد الأمور لدرجة يصعب على أي محلل أن يلملم أجزاء الحالة الفلسطينية في عجالة، القضية ببساطة قضية أمن قومي، فالأمن القومي الفلسطيني مهدد لدرجة لم يسبق لها مثيل، فقد تحول المشهد الفلسطيني تحولا خطيرا منذ اللحظة التي اندلعت بها الأحداث التي هدر الدم الفلسطيني بها. منذ تلك اللحظة وقد اجتثت ضوابط العمل الوطني والخطوط الحمر، وحل مكانه الرصاص والقتل، وهذه هي الطامة الكبرى، وهنا علينا أن نكون صريحين جدا مع أنفسنا، أن الأمر الأكثر وضوحا الآن أن الطرفين على مستوى القيادة قد فشلا في إيجاد أرضية حقيقية لطي صفحة الماضي وقيادة هذا الشعب نحو السلم الأهلي وهو (مصطلح يبدو أنه سيتم تداوله كثيرا على الساحة الفلسطينية)، ولا بد من المجاهرة أن شرخا اجتماعيا كبيرا قد حصل، وهذا ما لم تعالجه القيادة في مجتمع لا يزال يعاني من العشائرية والعصبوية ويعلو فيه صوت الثأر على صوت الحزب والفصيل. لقد ظن بعض قيادات هذا الوطن أن الإرث النفسي سينتهي بمجرد أن يتم اجتماع هنا أو هناك.

لقد تمت عملية قولبة الفكر وشخصنته تحت وطأة رد الفعل، لقد كنت من الأوائل الذين اعتبروا قرار حركة حماس بالمشاركة في الحياة السياسية قرارا بالاتجاه الصحيح لأنه قرار بالتخلص من الكلاسيكية، وأن التنوع السياسي سيكون طريقا للانجاز، وأن مجرد دخول حماس تحت قبة البرلمان الفلسطيني يعني أن هناك برنامجا سياسيا جديدا ونظرة عميقة للأحداث، الأمر الذي سيعطي دفعة للمفاوض الفلسطيني ويضبط الحالة الفلسطينية بطريقة تقطع الطريق على الغرب وإسرائيل في التذرع بحجج مختلفة. لقد تم اغتيال الشرعية بدم بارد من كل الأطراف، ولهذا لا بد من إعادة الشرعية التي تم اغتيالها في هذا العراك السياسي إلى واجهة الأحداث وفي مقدمة الأولويات التي نحتاجها.

والأمر هنا يحتاج إلى الشمولية التي طالما طالبنا بها، فنحن ما زلنا تحت الاحتلال، وحتى لا نقترب من تفجير آخر على مستوي الضفة، أو اللجوء إلى خيارات خارجية شبيهة بمفهوم الحسم العسكري تحت مسمى آخر، وعليه فإننا نري أن الطريق للحل لا بد من المرور من النقاط التالية:

أولا: اللجوء إلى الشرعية الحقيقية ألا وهي الشعب والجماهير وإجراء انتخابات مبكرة دون تردد أو عرقلة فكل القيادات الحالية تعتلي مناصب باسم الشعب لأنها مصدر التشريع سواء كانت على مستوي منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الوطنية، فكل فلسطيني هو عضو في منظمة التحرير حسب النظام الداخلي للمنظمة، وكل فلسطيني هو صاحب الحق في اختيار قيادته حسب قانون الانتخاب وأسس العمل الديمقراطي. والواضح أننا مقبلون على أزمة دستورية وقانونية ستعقد الأمور بشكل قد يعيدنا إلى الاقتتال أو حتى فرض منطق القوة والهيمنة، ولهذا لابد من العمل على إجراء توافق فلسطيني سريع مهمته الأساسية اللجوء إلى الانتخابات المبكرة، فهي بكل الأحوال أفضل من الجدل القانوني الذي سيزداد حدة في الأيام القادمة.

ولا بد من أن تعي جيدا القيادات من مختلف الفصائل أن المسؤولية تجاه الشعب تفرض على الجميع أن يعمل لصالح الشعب، ولا حاجة أن نذكر بـن المسؤولية دوما على القائد وليس على القاعدة، فقد طرحت فكرة الاستفتاء وتمسكنا بمفهوم الديمقراطية، وحتى لا تطول حالة الجدل لا بد من التفكير بإجراء انتخابات لان التمسك بالمناصب في هذه المرحلة بالذات سيعطل حل الأزمة وسيسارع في الوصول إلى القطيعة والفصل، وربما إلى اللجوء إلى أساليب ابتكارية جديدة على المفهوم الوطني الفلسطيني. فبعد أيام سيكون المجلس التشريعي أمام اشتباك سياسي سيعيد الأزمة الدستورية إلى الحرب الإعلامية، وحتى لا يذهب بعيدا البعض بادعاء أن فكرة الحوار مرفوضة، فلتتحرك الوساطة العربية لإقناع الأطراف بالقبول بمبدأ الانتخابات المبكرة، ولا بد أيضا أن لا تستثني منظمة التحرير الفلسطينية من فكرة الانتخابات لأعضاء المجلس الوطني الفلسطيني وإعادة الهيكلة، واعتماد هذه الانتخابات على مراحل، حسب التواجد الفلسطيني ونسب الأحزاب والممثلين فيها ضمن آلية خاصة يتم العمل عليها من قبل الفصائل ومؤسسات المجتمع الفلسطيني.

ثانيا: العمل على تكريس فصل السلطات واستقلالها استقلالا تاما وحيادية قوات الأمن الفلسطينية في النزاعات الحزبية، وحرصها على ضمان السلم الأهلي، وقد يكون النموذج اللبناني مع اختلاف الظروف نموذجا يمكن الاستفادة منه. وهذا الأمر سيقود فعلا إلى استتباب الأمن ويحد من سيطرة النفوذ على حساب مصلحه الشعب العليا، ويمكن لتحقيق لهذا العرض اللجوء إلى خبرات دولية وعالمية وتشكيل لجان مستقلة وفي خطوط متوازية مع الإعداد لانتخابات مبكرة حتى يتم عرضها على المجلس التشريعي الذي سينتخب، وإيجاد جهة فلسطينية مستقلة لمراقبة أداء رجال الساسة والأحزاب الفلسطينية.

فكيف يمكن أن يكون هناك قرار حزبي في حسم عسكري لأي فصيل كان والذي طبقته حماس دون أن يكون هناك قضاء مستقل يتعامل مع القضايا اليومية الفلسطينية، وكيف يمكن أن تقدم حركة مهما كانت باتخاذ قرار بإعدام شخص مهما كانت أفعاله وانتماؤه بشكل ارتجالي دون الاحتكام إلى القضاء الفلسطيني.

وهذا الأمر لا ينطبق على حماس وحدها بل على كل فصائل العمل الوطني، هذا وضع استهتاري ولا يمكن إلا أن نكون صريحين بأنه لا يوجد تقديس واحترام لحرية الفرد وحياته، ولا وجود لمفهوم القانون إلا بانتقائية، فكيف يمكن للضعيف الذي لا ينتمي لحزب أو فصيل أن يشعر بالأمن دون القانون. الم يسأل أحد من الساسة الفلسطينيين هذا السؤال لنفسه، يخجلني حقا أن لا اسمع أحدا يطالب بدم الأطفال الذين سقطوا في الشوارع، ولا يتحمل أحد المسؤولية عن فقداننا لهم وكأنهم مجرد وقود لخلافات حزبية، ويفزعني حقنا أننا نزلزل الدنيا إذا ما أصيب شخص معروف إعلاميا أو سياسيا بينما لا نحرك ساكنا إذا ما أصيب مواطن عادي، ولا اعرف فعليا حتى اللحظة ما هو الفرق بين المواطن والمسؤول بالحقوق والأهمية.

ثالثا: ضرورة الإصلاح الذاتي للحركات الفلسطينية ذاتها، وتحديدا فتح وحماس، وخصوصا بعد الانفلات السياسي والفكري الذي حصل بعد الأحداث الأخيرة والذي اثبت بما لا يدع مجال للشك أن البنية الفكرية والتنظيمية للحركتين على وجه الخصوص تحتاج إلى إصلاح حقيقي يفضي إلى عدم تصدير الأزمات الداخلية فيهما خارجيا ليدفع الشعب الفلسطيني ثمنها، فقد ثبت أن هناك جدلا داخليا اثر بطريقة مباشرة وغير مباشرة على الشعب الفلسطيني، وان هناك خللا داخليا في الحركتين اثر على تعاملهما مع الأحداث ومع مصلحه الشعب الفلسطيني.

أخيرا بعد هذا كله علينا وضع ضوابط وقواعد للعمل التفاوضي في ظل غياب الأجندة السياسية المحكومة بسقف زمني وخطط بديلة، فالسلام ما زال مرهونا بإرباك خطير لا نعرف معناه، فإذا كانت كافة المواثيق الدولية تعترف بان وجود إسرائيل في مناطق 67 احتلال إذا لا بد من وجود إطار عام للتفاوض يقضي بامتناع إسرائيل عن القيام بأي أعمال تغير في واقع قضايا الحل النهائي، فالقدس تبتلع، والأراضي تصادر والاستيطان مستشر بشكل فظيع، والاعتقالات مستمرة يوميا ويسقط الشهداء، وما زال هناك ضياع لأسس التفاوض. ألم تعترف م ت ف بإسرائيل؟ الم يقبل حل الدولتين؟ إذا ما الذي يجري؟ إن المنطق التفاوضي القائم على التبرير وتبييض الصورة الملطخة بحمى الضعف، يحتاج إلى شيء بسيط من الندية ودعوني أن أصحح مفهوم أننا كفلسطينيين أقوياء ولسنا ضعفاء ولو لم نكن أقوياء لما قبلت إسرائيل يوما من الأيام بمبدأ التفاوض ولو لم نكن أقوياء لما واجه الزعيم الراحل عرفات كل الضغوط التي أدت إلى حصاره وتصفيته جسديا فيما بعد ، ولكننا هزيلون تفاوضيا لأننا ننخر جسد الأمن القومي الفلسطيني باختلافنا النوعي الذي لم يسبق له مثيل في هذه الظروف، فعلى الأجندة الفلسطينية يجب أن يكون واضحا بجلاء قواعد العمل التفاوضي وان تحدد إستراتيجية عامة معلنة للشعب الفلسطيني بشكل متكرر ودوري، وتحديد نظام المساءلة السياسية المستمرة.

القضية لن تنتهي عند هذا الحد فالأيام حبلى بالألغام التي تحاك في الخفاء، فالوضع ليس مجرد خلاف في وجهات نظر، بل هو ضرب للنسيج الاجتماعي والوطني، وما تم استعراضه هو الحل الأمثل في ظل الظروف الراهنة كما انه شأن كل الفلسطينيين.
"القدس العربي"

التعليقات