31/10/2010 - 11:02

القمة العربية في دمشق: بين الواقع العربي والطموحات../ أبو علي حسن*

القمة العربية في دمشق: بين الواقع العربي والطموحات../ أبو علي حسن*
ربما لم يحظ َ منذ زمن أيُّ من القمم العربية السابقة، بمثل ما حظي به مؤتمر القمة المزمع عقده في دمشق الأيام القادمة، من اهتمام عربي وإقليمي ودولي، وبقدر ما أثاره من جدل، وتحليلات، ومراهنات وتوقعات.

بيد أن هذه الأهمية، والاهتمام بهذا المؤتمر لا تكمن في طبيعة الموضوعات السياسية التي ستناقش في المؤتمر، ولا جدول الاجتماع، ولا في حرارة الخطاب العربي أمام الاستحقاقات السياسية، إنما تكمن الأهمية في الجغرافيا السياسية التي تحتضن هذا المؤتمر، وما تعكسه من دلالات، ومراهنات، وتوقعات. بل وما تثيره من تحدٍ لقوى ِإقليمية، ودولية ليست راغبة في أن تنال دمشق شرف لمَّ الشمل ِ العربي ـ من حيث المبدأ ـ فما تخشاه هو دور سوري سياسي يخرج سوريا من دائرة الحصار والعزلة التي تريدها تلك القوى الإقليمية والدولية.

فالأصل، لا أحد في الشارع العربي يلقي التفاتة إلى القمم العربية من زمن، ويكاد لا يتابع مجريات انعقاد القمم إلا القلة من الصحفيين والكتاب الذين يمارسون مهنة التحليل في المناسبات ليس إلا. فقد مل َّ وسئم من نمطية القرارات الصادرة عن القمم العربية الفاقدة لأية رؤية أو موقف أو محتوى، بل إن المواطن العربي بات يخشى هذه القمم العربية ـ لجهة عجزها وفشلها، وهبوطها عن الموقف الشعبي العربي، فالتنازلات السياسية أصبحت سمة ملازمة لانعقاد القمم العربية، ولا مبالغة في ضوء ذلك أن نرى المواطن العربي يمارس أقصى درجات اللامبالاة، والسبات تجاه هذه القمم، كونها مقياس الفشل، ورمز الفرقة والتعثر.

ولن يكون ممكناً، والحال هذه ـ إخراج المواطن العربي من هذه الوضعية النفسية والمعنوية إلا بما يشبه فعل " الصدمة الإيجابية " لجهة مفاجأة الرأي العام العربي بموقف يمثل انكساراً نوعياً في الموقف العربي إزاء التحديات القائمة، ويعلي فيه المصالح القومية للأمة العربية. وهذا أمر أصبح حلماً، فالواقع العربي يعيش حالة من التشظي والخلاف، مما يجعله يغور عميقاً في التيه والانحطاط، والزعماء العرب ابتعدوا كثيراً عن جادة الصواب، وأحاطوا أنفسهم بجدار من العزلة والغربة عن آمال وتطلعات شعوبهم إلى الحد الذي جعلهم يعيشون في جزر سياسية محاطة ببحر شعوبهم الناقمة.

ولا تستطيع ذاكرة الرأي العام العربي أن تنسى أو تدير ظهرها، للكيفية التي عالجت فيها القمم العربية أخطر التحديات التي واجهت الأمة في العقود الأخيرة.. فعلى مدار ستة عقود من نكبة فلسطين لم ترَ الأجيال العربية أي انتصارات حقيقية قد تحققت على أيدي زعمائها.. فهذه الأجيال عاصرت كيف عالجت القمة العربية الاحتلال الإسرائيلي لعاصمة عربية، بيروت، عام 1982 وكيف عالجت الصمود الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، في حينه تفتق العقل العربي في القمة فطرح مبادرة الأمير فهد "قمة التراجع العربي"، والتاريخ العربي لن يسجل إلا صفحة عار حين كان زعماء الأمة يتفرجون على أجمل عواصمهم تحرق أمام أعينهم، والذاكرة لا زالت حية أيضاً، حين شرّعت القمة العربية دخول القوات الأجنبية إلى الكويت بحجة تحريره من الغزو العراقي، وحين عجزت ووقفت موقف المتفرج والشامت، والداعم لقوى الاحتلال الأمريكي للعراق الحبيب.. وكيف حملوا مسؤولية حرب تموز على لبنان عام 2006 إلى المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله.

وسابقاً لذلك، كيف تعاطت القمم العربية مع الانتفاضة الفلسطينية الأولى مع ما جرى من محاولات لإجهاضها المستمر، وكذلك كيف تعاطت قمة بيروت مع انتفاضة الأقصى، حين كافأت العدو الصهيوني، بمبادرة سميت " عربية " سلبوا من خلالها الحق التاريخي والقانوني بالعودة إلى فلسطين لشعب لا زال حياً.. فكافأتهم دولة الكيان بأن حاصرت عرفات في المقاطعة وارتكبت المجازر، وأعادت احتلال الأجزاء التي انحسرت عنها في الضفة الغربية.

ثمة مبالغة في التحليلات، وثمة مبالغة في التوقعات.. ذلك أن الانهيار السياسي العربي قد تعمق، والنظام الرسمي قطع شوطاً كبيراً في الارتباط و الاندغام في المعادلات الدولية، والمحاور المعادية لمصالح الأمة العربية. والحالة العربية ليست مهيأة لانتزاع قرارات مصيرية تلعب دوراً في وقف الانهيار السياسي، وإذا كان النظام الرسمي العربي حريصا على أن يبقى، شكلياً، أمام الشعوب العربية متماسكاً في إطار ما يسمى بالجامعة العربية، والقمم العربية، إلا أنه ليس في وارد وضع خطة واحدة لمواجهة أيَّ تحدٍّ خارجي، بدءاً من التحدي في فلسطين، والتحدي في العراق، أو التحدي في لبنان ودارفور، وتحديات الاقتصاد والتنمية، وتحديات الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إن قراراً مصيرياً واحداً تأخذه دولة واحدة تتمثل فيه الإرادة العربية وتعكس فيه المشاعر العربية تجاه قضاياها المصيرية هو أفضل ألف مرة من قمم عربية لا تنشر إلا غسيل زعمائها وتفصح عن برودة وبلادة سياسييها.

إذا كان هذا هو حال النظام الرسمي العربي، وحال الزعامات القطرية، فلماذا يأخذ هذا المؤتمر هذه المساحة من الأهمية والجدل..

أولاً: بلا شك إن الجغرافيا السياسية لها دورها في إعطاء السياسة والمواقف، دوراً مقرراً. من هنا تأتي الخشية لكثير من القوى الإقليمية، والدولية من دور سوري يجمع الحالة العربية على مواقف سياسية تتجاوز في سقفها المواقف التقليدية السابقة.

ثانياً: إن مجرد انعقاد مؤتمر القمة العربية في العاصمة السورية دمشق، عاصمة الممانعة العربية يعطي سوريا ورقة قوة في مواجهة مختلف الضغوطات السياسية، والتهديدات، والحصار القائم، والملوح به كعصا مشهرة دائماً في مواجهة النظام.

ثالثاً: إن بعضاً من الأنظمة العربية تحاول، ولا تزال تمارس الابتزاز، والإرهاب السياسي على دمشق لأجل ابتزازها ودفعها إلى إيجاد حل للأزمة اللبنانية "الرئاسة" على مقاس الموالاة اللبنانية أو قريب من هذا المقاس "مبادرة الجامعة العربية" الذي تساهم في تفصيله قوى إقليمة ودولية مختلفة، وهو المقاس الذي لا ترى دمشق من خلاله إلا التفافاً على سياستها، ومواقفها، وعلاقتها مع المقاومة اللبنانية العربية.

رابعاً: ما من شك أن لا مصلحة لأمريكا ومن يدور في فلكها في نجاح القمة العربية في دمشق، خشية من أن تظل دمشق رقماً صعباً في المعادلة الإقليمية القائمة الآن، وخشية من تحدث دمشق داخل المؤتمر عملية استقطاب عربية لجهة مواقفها وسياساتها في المنطقة، ورؤيتها لطبيعة التسوية "أنابوليس".

خامساً: إن ما عجز عن تحقيقه العدوان الإسرائيلي في تموز عام 2006 على لبنان، والضغوطات المستمرة منذ زمن على دمشق، يراد تحقيقه من خلال مؤتمر القمة العربي عبر التلويح لها إما بإفشال المؤتمر، وإما أن تتنازل دمشق عن ثلاث: علاقتها بالمقاومة في لبنان، وعلاقتها بالمقاومة في فلسطين، وعلاقتها بالمقاومة في العراق. وبهذا يتم تجريدها من أوراق سياسية لا زالت تمثل مصدرة قوة لها.

بيد أن هذا الضجيج المرافق لانعقاد مؤتمر القمة، قد لا يكون إلا أوهام للعديد من القوى التي تريد لدمشق أن تنزل من عليائها الوطني والقومي إلى مستوى الهبوط والذيليّة للمخططات والأوامر الأمريكية. فلا المؤتمر قادر " بحكم أزمة النظام العربي الرسمي المركبة والمزمنة "على الارتفاع بمستوى طموحات الشعوب العربية، ولا النظام السوري بقدرته السياسية ومواقفه قادر على اختراق المواقف العربية التقليدية ورفع مستوى التوقعات. وربما كل ما في الأمر أنها قمة عربية سوف تمر على مسامع الرأي العام العربي بدون توقعات أكبر.

التعليقات