31/10/2010 - 11:02

الكاميرا غير الخفية في معبر الحرية/رشاد أبو شاور

الكاميرا غير الخفية في معبر الحرية/رشاد أبو شاور
هناك زفة حول افتتاح معبر (رفح)، وإيحاء بأنه جاء نتيجة براعة تفاوضية (مضنية)، وأن ما تحقق (معجزة)، وليس منجزاً متواضعاً يبخس كفاح أهلنا في قطاع غزة بمخيماتهم، ومدنهم، وقراهم...

معبر رفح كان تحت سيطرة وهيمنة جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية، وفيه لاقى الفلسطينيون (المغادرون) لذلك الجزء من وطننا ـ قطاع غزة ـ و(العائدون) إليه صنوفاً من الأهوال، والعذاب، والاضطهاد، يمكن أن تروي في أفلام وثائقية تسجيلية، وروايات تسجيلية، وحكايات لا تنتهي.

المعبر هو رواية الصبر الفلسطيني، والعناد، والكبرياء، والعض على الجراح، والسير على طريق الجلجلة، وهو تجسيد لبشاعة العنصرية الصهيونية، وانعدام المشاعر الإنسانية، وسفالة المستقوي المارق على كل القوانين.

أن يرحل المحتلون غلاظ القلوب عن معبر رفح فهذا أمر يريح الفلسطينيين، يخفف معاناتهم بعض الشيء، يمكنهم من التنفس هواءً نظيفاً لا يلوثه الاحتلال.

ولكن (معبر) رفح في واقع الحال ليس منفذاً حدودياً فلسطينياً سيادياً مع مصر، فالسيادة عليه ناقصة، والحرية في الإشراف مقيدة، بل ومشوهة.

أشهر مضت والمفاوضات جارية بتدخل مصري رسمي، وأوروبي، وأمريكي، حتى تم فتح (المعبر). وعلى رأي كثيرين: إذا كان المعبر يقتضي كل هذه المفاوضات، فكم سنة تحتاج مفاوضات الحل النهائي: القدس، حدود الدولة، الاستيطان، حق عودة اللاجئين؟!

المصرحاتيون الفلسطينيون ـ وهم فئة مولعة بالكاميرات ـ يجملون افتتاح المعبر، يتحدثون عنه وكأنه انتصار استراتيجي تاريخي غير مسبوق، فالفلسطينيون ولأول مرة منذ أربعين سنة احتلال حزيران (يونيو) 67 ـ يعبرون بدون رقابة!.. كما يصرحون متباهين، منتفخين أمام الكاميرات!

يقفز المصرحاتيون على (الرقابة)، والتي لا شبيه لها في أي حدود في العالم.
فلأول مرة ـ وهذه في مواجهة أول مرة التي يرددونها ـ توضع كاميرات رقابة على حدود بلد يفترض أنه حر وسيد، وتبث لجهة تحتل هذا البلد!

نعم: المصرحاتيون لا يتحدثون عن الكاميرات المنصوبة في المعبر، والتي ترصد كل حركة، وهنة، وصفحة وجه، وحركة ثوب أو (قمباز)، أو مد اليد إلى عقال، أو غطاء رأس امرأة أو...
انتبهوا: أو دخول إلي (الحمامات) للوضوء، أو قضاء الحاجة، أو غسل الوجه، أو شرب جرعة ماء!

الآن يمكن القول ان الكاميرا غير (الخفية) ترصد كل نأمة في معبر (الحرية)، أي معبر رفح، ليتأملها، ويحللها (مراقبون) يتابعون وهم في (تل أبيب) وغيرها، فالبث حي وعلى الهواء مباشرة.

من طاروا أمام الفضائيات يزفون البشرى بأن معبر رفح يعمل تحت شعار: العبور إلى الحرية ، أداروا ظهورهم للكاميرات المنصوبة ببراعة في زوايا المعبر، وشدوا أجسادهم أمام كاميرات مراسلي الفضائيات، وبين الكاميرات ثمة اختلاف، فكاميرات تفتح عدساتها، لا تغفل ولا تنام، تتجسس على المغادرين والآيبين، غير كاميرات فضائيات تنقل التصريحات!
العبور إلى الحرية! هل يعني العبور إلى داخل قطاع غزة، أم يعني مغادرة القطاع والعبور إلى حرية مرتجاة في العالم الفسيح، الضيق على الفلسطيني؟!

هم لا يريدون أن توجه إليهم أسئلة، فانتصارهم المثلوم سيتهاوي إن تلقي أسئلة جدية محرجة.

لماذا الكاميرات التي تبث صور كل داخل، وكل مغادر، لمعبر رفح؟! أليست تبث صور الفلسطينيين إلى مراكز مراقبة في (تل أبيب) حيث أجهزة الأمن، والمطاردة، والمستعربين؟!
ما دامت في المعبر رقابة (أوروبية)، واتفاقات مع الجانب (المصري)، فلماذا فوق كل هذا تكون كاميرات تعمل ليل نهار في المعبر راصدة ملامح، وهمسات الفلسطينيين؟!
أين هي الحرية، والسيادة يا.. سادة؟!

وهل هذه هي نتيجة المفاوضات التي تصفونها بـ(المضنية)؟!
ألا يستحق كفاح وجهاد أهلنا في قطاع غزة نتائج أفضل من هذه ؟!

أم أن كونداليسا رايس كانت ستغضب عليكم لو تمسكتم بما يكفل السيادة الحقيقية ـ ومن تغضب عليه كونداليسا قد ينتهي مستقبله السياسي! ـ التي تضمن كرامة شعبنا وحقه في الخروج والدخول إلي وطنه؟

من قرأ رواية الكاتب البريطاني جورج أوريل (1948) عن القمع، والرقابة، ومسخ آدمية الإنسان، لن يدهش مما يمارس على الفلسطينيين، وتحديداً رقابة الكاميرات في معبر رفح، لكنه سيدهش، وربما يصاب بحالة هذيان عصبية إن كان عربياً، أو مطلق إنسان حر لا يحب العوج، من فرط سعادة المصرحاتيين الذين يتغنون بالسيادة، بل ويتباهون بهذه (المنجزات) التاريخية!

الكاميرات المنصوبة في معبر رفح ليست كاميرات خفية مهمتها التسلية وإمتاع الجمهور، ولكنها كاميرات تجعلنا عراة تماماً أمام عيون المحتل الذي اضطر للانسحاب من داخل القطاع، ليحقق احتلالاً بتكلفة أقل، وأكثر جدوى.

كم عدد الكاميرات يا ترى في المعبر؟
وهل تصور فقط أم تصور وتنقل الصوت، يعني تنقل حركة الفلسطينيين صوتاً وصورة؟!

المصرحاتيون لا يتوقعون هذه الأسئلة، وهم يستغفلون شعبنا المعذب على طرفي المعبر في رفح: المصرية والفلسطينية.
لقد صدق فلسطينيون كثيرون أن معبر رفح هو معبر الحرية لكل فلسطيني، فتجشموا عناء السفر، وحضروا ليعبروا إلى أهلهم في القطاع، ولكن كانت المفاجأة تنتظرهم : المعبر لمن معه بطاقة إقامة من الاحتلال، أو (بزنس مان)، أو (ضيف) أجنبي...

كاميرات تنقل صور الداخلين والخارجين، الذين يضللون بيسر وسهولة الإجراءات، وكأنها منة!
كاميرات ترصد كل حركة ، تلتقط ملامح أي مطلوب، تسهل متابعته، وملاحقته في العالم، أو على الطريق وهو يعود إلى غزة، ومدنها، ومخيماتها.
كاميرات على معبر رفح، كاميرات في جنين تنقل إلى (العالم) بعض مشاهد القتل اليومي، وموسم اصطياد الفلسطينيين، وكاميرات.. للتصريحات..
الكاميرات الخفية في معبر رفح، لعبة جديدة، تختلف عن الكاميرا الخفية التي تلعب مع المشاهدين.

ولأن الأمر ليس لعبة، فإن المطلوب أن نشير باصبع الفضح للكاميرات (المخفية) عن العيون، والتي إظهارها يكشف أن العبور إلى الحرية هو عنوان لحلقة غير مسلية، غير ممتعة، غير صادقة.. فالعبور إلى الحرية دفع الشعب الفلسطيني ثمنه غالياً، ولكن هناك منذ (أوسلو) وحتي (رفح) من يبدد هذه التضحيات، لقاء نيل (الرضي)، والظهور أمام الكاميرات.

التعليقات