31/10/2010 - 11:02

الى الجحيم / الياس خوري

الى الجحيم / الياس خوري
كيف نقول للاسرائيليين الخارجين من غزة اذهبوا الي الجحيم؟
هذه هي العبارة الوحيدة التي يجب ان تقال.

ومن حولها يجب ان يتشكل وعي فلسطيني جديد كي نمنع الامنية الاسرائيلية القديمة برمي غزة في البحر من التحقق.
اسحق رابين تمني رمي القطاع في البحر قبل ان يضطر الي ابتلاع مشروع سلام ناقص، اوصله فيه تردده الي الموت برصاص المتطرفين الاسرائيليين.
اما الجنرال شارون، الذي سبق له ان اعلن ان نتساريم هي تل ابيب، وانه لن يفكك مستوطنة واحدة، فلقد اجبره النضال الفلسطيني علي ابتلاع كلامه، وها هو يقود بنفسه اول انسحاب اسرائيلي من فلسطين منذ حرب الخامس من حزيران (يونيو).
جوابنا الوحيد للاحتلال هو ان يذهب الي الجحيم.
وكي يذهب الي حيث يجب، علينا ان نعي ان المعركة لا تزال في البداية.
الانسحاب من طرف واحد، هو الاسم الآخر للانسحاب بلا قيد ولا شرط. شارون يخدع الاسرائيليين عبر تصويره الانسحاب من دون تنسيق مع الفلسطينيين في وصفه انتصارا، لأنه يجنب الاسرائيليين دفع ثمن السلام في الضفة الغربية. وهو يعيد اليوم صوغ كذبته الكبري التي قاد من خلالها الجيش الاسرائيلي الي الهاوية اللبنانية.
كان الهدف من اجتياح لبنان، الخلاص من منظمة التحرير وتحطيم الارادة الوطنية الفلسطينية عبر اغراق الفلسطينيين في دمهم مثلما حصل في مذبحة شاتيلا وصبرا.
طرد المقاتلون الفلسطينيون من لبنان، ليذهبوا الي... فلسطين. عندما سئل ياسر عرفات وهو يغادر لبنان الي اين سوف يذهب، اجاب: الي فلسطين. يومها قالوا ان الرجل فشل في السياسة فانصرف الي كتابة الشعر! لكن الانتفاضة الاولي اثبتت ان المسافة بين الشعر والسياسة لا وجود لها في الشرط الفلسطيني. فكانت نتيجة الاجتياح الشاروني الليكودي هي عودة منظمة التحرير الي فلسطين، مما مكن ياسر عرفات بأن يكون اول عضو في قيادة فتح يدفن في وطنه.
الجنرال باراك، كان له رأي آخر. المؤسسة العسكرية وحزب العمل كانا يخططان للبقاء في فلسطين عبر خدعة دويلة فلسطينية غير قابلة للحياة. لذا قرر باراك الانسحاب من لبنان بلا قيد ولا شرط من اجل تخفيف الضغط علي اسرائيل والتفرغ لبيع الفلسطينيين دولة لا حياة لها ولا مستقبل.
وجاءت الانتفاضة الثانية بكل عناصرها الايجابية والسلبية، كي تقول للاسرائيليين ان هزيمتهم المدوية في لبنان كانت الشرارة الاولي التي اشعلت الانتفاضة الثانية. اي ان خطة التراجع من اجل شن هجوم عام، التي صاغها باراك ونفذها شارون بوحشية، اوصلت الي قرار ثان شبيه بقرار الانسحاب من لبنان.
الجيش الاسرائيلي ينسحب من غزة كما انسحب من لبنان، بلا قيد ولا شرط. كل الدم الفلسطيني الذي سفك ويسفك، من غزة الي شفاعمرو، لن يغطي مشهد جيش ينسحب وذيله بين ساقيه. لن نصدق الكذبة، المنتصر لا ينسحب، واذا انسحب فانه لا ينسحب هكذا. الفرق شاسع بين الانسحاب الاسرائيلي من سيناء والانسحاب من لبنان. في لبنان هربوا تحت جنح الظلام تاركين الكثير من المعدات، ومسلمين عملاءهم الصغار لمصيرهم الاسود. وفي غزة سينسحبون علي الطريقة اللبنانية، اي سيهربون تاركين انقاض مستوطناتهم وذاكرة الحمق العنصري التي زينت لهم انهم يستطيعون الاستيلاء علي بلاد الفلسطينيين الي الابد.
ومثلما اخطأ الحساب الباراكي في لبنان فان الحسابات الشارونية يجب ان نثبت خطأها في غزة.
اي ان المخطط الشاروني لتحويل غزة سجنا كبيرا، والتفرغ لابتلاع الضفة يجب تخطئته علي الارض وعبر نضال يومي، سوف يكون الحلقة الاكثر صعوبة في هذه المرحلة من النضال الفلسطيني التي سيتوجها اعلان الدولة المستقلة في عاصمتها القدس.
اي كي نستطيع ان نقول لهم اذهبوا الي الجحيم، علينا ان نفكر ونتصرف علي اساس ان النضال يبدأ اليوم.
هذا هو التحدي في لحظات التعب. التاريخ متعب وشاق ولا يرحم. والشعب الفلسطيني الذي تعلم ان رحلة المعاناة طويلة وتطول، سوف يواجه في لحظة الاندحار الاسرائيلي من غزة مهمة ان يبدأ من جديد، معلنا انه لا يزال في الاول، تاركا التعب لعدوه الذي يلعق اليوم جراحاته العنصرية، ويواجه ازمته الايديولوجية الكبري، عبر انسحابه من الارض التي يطلقون عليها اسم ارض اسرائيل الغربية .
اذهبوا الي الجحيم، بهذا الشعار يستعد الفلسطينيون للاحتفال بالاندحار الاسرائيلي. كلمة انسحاب يجب ان لا تستخدم في هذا السياق، انهم يندحرون لأنهم عاجزون عن البقاء. وعليهم ان يتابعوا الانسحاب حتي حدود الرابع من حزيران (يونيو)، وعندها يبدأ البحث.
بين الاندحار من الجنوب اللبناني والاندحار من غزة مسافة خمسة اعوام وآلاف الشهداء والجرحي والبيوت المهدمة.
وهناك ايضا جدار السجن العنصري.
وهناك ايضا وايضا جدار الانحطاط العربي.
كم ستكون المسافة الزمنية بين غزة والقدس؟ وما حجم التضحيات التي سيكون علي الشعب الفلسطيني دفعها كضريبة لهذا الزمن العربي المنقلب؟
لا ادري، لكن ما اعرفه هو ان علي الحركة الوطنية الفلسطينية ان تستيقظ وتقود المرحلة الجديدة. اي علي فتح واليسارالفلسطيني صوغ استراتيجية جديدة تفرض ايقاع الوحدة الوطنية وتؤسس لشكل جديد من النضال الطويل والمثابر الذي يستعيد التفوق الاخلاقي للضحية الفلسطينية ويفرض علي الجلاد الاسرائيلي الانسحاب من القدس كي يستطيع الاحتفاظ بتل ابيب، وعندها سوف نري كيف يصنع السلام وفي اي شروط!
قولوا للجيش وللمستوطنين ان يمضوا الي الجحيم، وتعالوا نحتفل للحظة قبل ان نعود الي دوامة التاريخ التي لا ترحم.

التعليقات