31/10/2010 - 11:02

بعث الخلافة العثمانية أم محاولة لملء الفراغ؟../ هاني المصري

بعث الخلافة العثمانية أم محاولة لملء الفراغ؟../ هاني المصري
قامت تركيا بدور أكثر من جيد منذ الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة وصولاً إلى ما بعد مجزرة أسطول الحرية.
فقد ألقى المسؤولون الأتراك وخاصة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان عدة خطابات نارية هامة جداً في القمم العربية والدولية، وكانت له وقفة جادة من الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس عندما حدثت ملاسنة بينهما أدت إلى انسحابه بينما بقي عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية جالساً على المنصة.

وكان لتركيا موقف مميز من الحرب الإسرائيلية على غزة حيث طالبت وعملت على إنهاء الحصار وساهمت وساعدت في حملات تسيير سفن الحرية التي جاء أسطول الحرية آخرها وليس أولها.

كما ساهمت تركيا في الجهود الرامية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطني،ة واحتفظت بعلاقات جيدة مع مختلف الأطراف الفلسطينية. وقامت تركيا بإلغاء مناورات عسكرية مع إسرائيل وعبأت الشعب التركي ضد الاحتلال الإسرائيلي لدرجة أصبحت هناك مطالبة شعبية تركية واسعة للحكم بقطع العلاقات مع إسرائيل، ودعت بعض القطاعات السياسية والشعبية التركية إلى شن الحرب على إسرائيل، ردا على جريمتها بانتهاك السيادة التركية، وقتل تسعة من الأتراك وجرح عشرات آخرين كانوا على متن سفينة مرمرة خلال عملية القرصنة الإسرائيلية التي استهدفتها.

كل ما سبق أدى إلى أن المواطن الفلسطيني والعربي والإسلامي قدر باعتزاز الموقف التركي لدرجة أن العلم التركي أخذ يرفرف في الشوارع والساحات العامة وفي سيارات الأجرة والمنازل.

إن هذا التقدير للموقف التركي يعود إلى:

أولاً: حاجة المواطن العربي إلى من يقف إلى جانب حقوقه ومصالحه، ومن يساعده في الدفاع عن كرامته المهدورة بسبب الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه المستمر وسياسته الاستيطانية والعنصرية وجراء غياب الموقف العربي القادر على الوقوف في وجه إسرائيل وإجبارها على الاستجابة لتحقيق الحد الأدنى من المطالب والحقوق الفلسطينية والعربية.

ثانياً: إن المواطن العربي لا يرى أن من واجب تركيا الانتصار له، وبالتالي فهي تقوم بأكثر من المطلوب منها، أو أكثر من المتوقع منها، وخصوصاً أنها دولة متحالفة مع إسرائيل ومن أوائل الدول التي اعترفت بها، وهي تتعاون معها أمنياً وعسكرياً ومائياً، كما أنها عضو في حلف الأطلسي، وعلى أرضها قواعد عسكرية أميركية تعتبر من أهم القواعد المقامة خارج الولايات المتحدة الأميركية.

إن حجم العلاقات التركية الإسرائيلية لا بد وان يساهم في معرفة أهمية ما يحدث من تدهور في العلاقات بين البلدين، ويمكن أن يحد من مستوى هذا التدهور، لأن بين تركيا وإسرائيل مشاريع عسكرية بقيمة 2 مليار دولار سنوياً. كما أن حجم التبادل التجاري بينهما العام الماضي بلغ 83ر3 مليار دولار. كما أن أكثر من 500 ألف سائح إسرائيلي يزور تركيا سنوياً، لدرجة أن الأيام القليلة التي تلت مجزرة أسطول الحرية أدت إلى إلغاء حجوزات 80 ألف إسرائيلي كانوا يخططون لزيارة تركيا.

إن التعاون التركي- الإسرائيلي كبير ومتنوع جداً بحيث من الصعوبة على الطرفين الاستغناء عنه بسهولة.
في هذا السياق وجدنا كيف أن ردة الفعل التركية على أهميتها، ورغم أنها لا تقارن بالردود الرسمية العربية النمطية والتي لا تسمن ولا تغني من جوع، إلا أنها جاءت محدودة ومحسوبة.

لقد تم استدعاء السفير التركي، ولم يتم قطع أو تجميد العلاقات الدبلوماسية، كما تم إلغاء بعض المناورات العسكرية المشتركة، ولم يتم المساس بالتعاون والمشاريع العسكرية، كما تم استدعاء عائلات أعضاء السلك الدبلوماسي الإسرائيلي، حرصاً على حياتهم.

حتى الآن لم تمس العلاقات التركية ـ الإسرائيلية جوهرياً. ولمن نسي عليه أن يتذكر أن تركيا صوتت منذ أيام قليلة، بعد إلحاح وضغط أميركي، إلى جانب انضمام إسرائيل للمجلس العالمي الاقتصادي الذي سعت إسرائيل إليه منذ عشرة أعوام ولم تنجح إلا مؤخراً، وبدون الموافقة التركية لن تقبل عضوية إسرائيل.

إن تركيا وافقت أيضاً، بعد ضغوط أميركية شديدة، على الاكتفاء ببيان يصدر عن مجلس الأمن استنكاراً لمجزرة أسطول الحرية. صحيح أن الإدارة الأميركية طالبت بعدم ذكر إسرائيل ولم تكتف بعدم إدانتها، إلا أن البيان كان ضعيفاً، رغم انه من المتعذر صدوره بهذه الصيغة لولا الموقف التركي.

ما سبق لا يعني أن العلاقات التركية ـ الإسرائيلية ستبقى على ما هي عليه بل هي مرشحة للتدهور أكثر، ولكن ليس بالضرورة بسرعة وبشكل دراماتيكي.

فإصرار تركيا على اعتذار إسرائيل وتعويض العائلات الثكلى وعلى مواصلة تسيير سفن الحرية حتى يتم كسر الحصار، وإعلان اردوغان بأنه ينوي السفر إلى غزة، ومطالبة تركيا بتشكيل لجنة تحقيق دولية ومحاسبة إسرائيل على الجريمة التي ارتكبتها، والتنافس القائم بين الدور التركي الصاعد في المنطقة والدور الإسرائيلي المتراجع، كل ذلك يقدم أسباباً لتدهور العلاقات بين البلدين.

كما أن حجم العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية بين تركيا وإيران والعرب والمسلمين كبير جداً ومرشح للتزايد، وزيادته يمكن أن تعوض تركيا أية خسارة يمكن أن تلحق بها من تدهور العلاقات مع إسرائيل، إذا تم الربط ما بين المسألتين، وهذا الربط قائم بالنسبة لإيران ولكنه غير قائم بالنسبة لمعظم حكام العرب والمسلمين.

تبقى هناك نقطة بالغة الأهمية، هي أن تركيا الحالية دولة تحتل الموقع 17 في الاقتصاد العالمي وهي معتدلة وعلمانية وإسلامية ودولة متوازنة وتسعى لدور إقليمي، ودولة شرق أوسطية وتسعى للانضمام للاتحاد الأوروبي وترتبط بعلاقات ممتازة بالولايات المتحدة الأميركية وبكل الأطراف، وهذا الأمر هو الذي ساهم بتمكينها من لعب دورها المشار إليه، وجعله يحرج دول الاعتدال العربي، لأنه بين أن هناك هامشاً واسعاً يمكن أن تلعبه الدول دفاعاً عن مصالحها وحقوقها وكرامتها حتى لو كانت معتدلة. فالاعتدال لا يجب أن يعني الاستسلام أو التنازل والمهادنة.

لقد استمعنا وشاهدنا طائفة متنوعة من الآراء العربية بعد مجزرة أسطول الحرية، بين من هلل للدور التركي وبالغ به إلى حد اعتبار ما جرى مقدمة لاستعادة الخلافة العثمانية ولقيام تركيا بشن حرب لتحرير القدس وفلسطين، وبين من شكك وقلل من أهمية هذا الدور دفاعا عن النظام العربي الذي وقف عاجزاً عارياً عندما تصدت تركيا بفعالية للوحشية الإسرائيلية، وعلقت مصير العلاقات التركية ـ الإسرائيلية بإنهاء الحصار عن قطاع غزة، وهنا أتساءل ماذا عن القدس وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة؟

إن التركيز على الحصار وليس على الاحتلال يعطي إشارة إلى حجم ومدى الموقف التركي حتى الآن على الأقل.
إن ما يشهده الدور التركي من تغيير مهم ولكنه يرجع أساساً إلى ردة فعل تركية على رفض انضمامها للاتحاد الأوروبي، والى محاولة تركية ذكية لملء الفراغ الناجم عن غياب مشروع عربي، وعن إعادة النظر الأميركية في سياسات الحروب الاستباقية والتدخلات المباشرة في أزمات العالم إبان عهد إدارة بوش السابقة، وعن تزايد احتمالات الحرب في المنطقة على خلفية الملف النووي الإيراني وصعود إيران في المنطقة. فتركيا تقدم نفسها كمنقذ وطرف مقبول من كل الأطراف. لذا لن تجازف بسهولة ولا بسرعة للانحياز بشكل خاطف لطرف من الأطراف.

أن تطور الموقف التركي عامل استراتيجي يجب أخذه بالحسبان بدون مبالغة وتهويل أو نقصان وتهوين، وعلى أساس الإدراك بان الدور التركي لا يمكن أن يحل محل دور العرب أصحاب القضية الذي يؤدي غياب مشروعهم وغياب دورهم الفاعل إلى جعل المنطقة العربية أشبه بالرجل المريض الذي تتنافس الدول الإقليمية والدولية على وراثته قبل أن يفارق الحياة!!

التعليقات