31/10/2010 - 11:02

بوش في الكنيست.. بوش في شرم الشيخ../ عبد اللطيف مهنا

بوش في الكنيست.. بوش في شرم الشيخ../ عبد اللطيف مهنا
هل هو غير الأشبه بإعادة اكتشاف المكتشف، هذا الذي كان ممن شغلوا أنفسهم وشغلونا معهم، على مدى أكثر من أسبوع، بالاستخلاصات، التي بدوا وكأنما هم يعثرون عليها لأول مرة، من خلال قراءتهم ومقارناتهم لما ورد في خطابَي الرئيس الأمريكي الأخيرين... في الكنيست وهو يحتفل بالذكرى الستين لنكبة العرب في فلسطين، والمنتدى الاقتصادي في شرم الشيخ...

فهم، والحالة هذه، لم يكن منهم أكثر من أن يعيدوا علينا فيما استخلصوه ما يمكن وصفه بالمعتاد من التأكيدات الأمريكية التليدة والمستمرة على ثوابت السياسة الأمريكية حيال التزاماتها تجاه إسرائيلها، هذه التي كانت منذ اعترافها بقيامها، أو يوم إعلان اغتصاب فلسطين، الذي فاخر الرئيس الأمريكي في خطابه أمام الكنيست بأنه "بعد إحدى عشر دقيقة كانت الولايات المتحدة بفخر الدولة الأولى التي تعترف" بهذا الاغتصاب لوطن الغير وقيام كيان للمغتصبين على أنقاضه... التزامات مردها أن الولايات المتحدة، بإدارتها المتعاقبة المختلفة منذ ترومان وحتى جورج بوش الابن ومن سيخلفه، درجت على اعتبار هذه الإسرائيل قضية أمريكية داخلية ، وحاجة أو استثمار خارجي وجوده يخدم مصالحها الاستراتيجية في الوطن العربي والمنطقة، لا سيما، وإن هذا المستثمر يدأب بأن يظهر الحريص دائماً على الموائمة بين مصالحه ومصالحها. الأمر الذي رفع ويرفع العلاقة ما بين هذين، المستثمر واستثماره، إلى مستوى العلاقة العضوية، أو الأكثر من التحالف. ناهيك عن العلاقة التي يمكن وصفها بالروحية مجازاً العائدة إلى أن قطاعات دينية أمريكية واسعة وتأخذ في الاتساع، والتي يطلق على بعضهم المسيحيين المتصهينين، تنظر إلى إسرائل باعتبارها حاجة إيمانية تمهد وفق معتقداتهم لعودة المخلص، الخ ما هو معروف عنهم ولا حاجة بنا لسرده هنا. ثم إن الكثيرين من الأمريكان هم غالباً ما ينظرون لإسرائيل باعتبارها من تذكرهم ببداياتهم الأمريكية... كمهاجرين جاؤوا من أصقاع شتى واستعمروا أوطان الغير بعد أن أبادوا أهلها كشرط يرون أنه الضرورة للحلول محلهم، أو كاستعمار يمكن تصنيفه باستيطاني إحلالي إجلائي للآخر... وعليه، هم لا يرون في جريمة اغتصاب فلسطين وتشريد أهلها المستمرة منذ ستين عاماً، ينوي بوش الاحتفال بذكراها بعد 120 عاماً قادمة، أكثر مما يرونه في حكايات بطولات رعاة البقر في الغرب الأمريكي الأسطورية، أو مآثر الآباء الأمريكيين المؤسسين آنذاك، وبالتالي نحن كعرب بالنسبة لهم، وهذا ما يمكن تلمسه من خطاب بوش و إن لم يذكر في نصه، لسنا أكثر من هنود حمر. إذ أطنب فيه في مديح فعائل من نكبنا، وتجاهل ذكر نكبتنا.

إذن بوش في خطابه المدوي في الكنيست، والذي وصفه البعض بـ"وعد بلفور" الثاني، لم يقطع وعداً جديداً وإنما كرر التأكيد على قديم، ولم يزد على ذلك اللهم إلا في النبرة الأكثر علواً و التعهدات الأكثر وضوحاً، وإن شئت المقولات الأكثر صفاقةً ووقاحة، بل جرأة على إبداء العاطفة التي قد لا يفصح عن مثلها مسؤول أمريكي سواه، والتي استوجبتها منه احتفاليته الخاصة بالمناسبة... ربما قد يكون جديد هذا القديم هو أنه بدا، وهو ماثل أمام قادة إسرائيله ومن على منصه الكنيست، يتحدث إليهم كرابٍ أو حاخام تلمودي تعج كلماته تمجيداً لشعبه المختار، وتفوح منها رائحة توراتية، مستحضراً خلالها المزاعم الأسطورية، ليصبغ على إسرائيل "شرعية" لم تصبغها عليها ستون عاماً من القوة الغاشمة وفرض الأمر الواقع المدجج المدعوم بلا حدود من المتحكمين بقرار العالم. الأمر الذي يدفع من يستمع إليه وإلى ما حظي به من التصفيق من قبل الإسرائيليين، والذي لم يحظ به سواه من قبل، في المرتبة الثالثة كرمز نكبوي بعد بن غوريون المؤسس وشارون المحارب!

مالذي قاله بوش في الكنيست ولا يقوله أو لايتفق معه عليه سلفه وخلفه... منذ ترومان، وإن شئت، حتى المرشح الديموقراطي باراك أوباما، هذا إن كان سيقيَّد للأسود لاحقاً أن يصبح خلفه في المكتب البيضاوي؟!

لقد تعهد بالاحتفال بعيد إنشاء إسرائيله بعد 120 عاماً، و"بعد انتصارها على أعدائها وأعداء الولايات المتحدة"، الذين هم ليسوا سوى العرب والمسلمين. وهذا أمر لا خلاف عليه لدى الأمريكان الجمهوريين والديموقراطيين، وإن اختلفت لغة أو طريقة التعبيرعنه. وحيث هي عنده "أكثر الديموقراطيات الحرة في الشرق الأوسط"، وتجسد في نظره "الحق الطبيعي للشعب اليهودي" في اغتصاب أوطان الآخرين، لأنها كما يقول نتيجة "التزام بالوعد القديم لإبراهيم وموسى وداوود، يمنح الشعب المختار وطناً له" أو كيان يقوم على أنقاض شعب آخر، فإن كل ما صدر عن الأمم المتحدة من قرارات حول الصراع العربي الصهيوني عبر الستين عاماً التي خلت، والتي لا تنسجم كلياً مع هذه الرؤية البوشية وهذا الوعد الالهي، ما هي إلا كما وصفها بقرارات "العار"! وهذه الكلام، إذا ما تجاوزنا الأسلوب البوشي الخاص، ليس في جوهره ما يزيد على ما ردده جون بولتون سابقاً من على منبر الأمم المتحدة، ولاحقاً زلماي خليل زاد، المندوبان الأمريكيان لدى الهيئة الدولية. بل هو ما غدا من ثوابت ما يستنفر الفيتو الأمريكي عادة للإجهاز على كل ما زاد عن حده من قرارات "العار" الأممية حيال هذا الصراع.

لقد قال بوش ما سيقوله أي مسؤول أمريكي عندما خاطب الإسرائيليين مؤكدا بأن "التحالف بين الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية لا يمكن تحطيمه"، وعندما اسمعهم شعاره: معاً ضد "الإرهاب"، بمعنى ضد من عاداكم، وحتى عندما بشّرهم بما لم يسبقه إليه أحد، حين ذكّرهم، وهم من يعيشون عقدة الديموغرافيا المزمنة، إن عديدهم هو 307 ملايين "لأن أمريكا إلى جانبكم"...

... هذا في الكنيست، ومالذي قاله بوش في شرم الشيخ، محاولاً التخفيف من حدة تشاؤم مستمعيه الذين كانوا المراهنين على أريحيته السلامية عادةً، أو هؤلاء الذين يدعوهم بـ"المعتدلين" العرب الذين أحبطهم ما سمعوه منه في الكنيست؟ مالذي قاله والذي لم يكن قد قاله، أو لم يكن المعروف لكل العرب سلفاً؟!

لقد جاء إلى شرم الشيخ، بعد أن تجاهلهم قبل سواهم وهو يحتفل بنكبة العرب في فلسطين... وأهانهم وأهان كل العرب بتجاهل وجود شعب منكوب وقضية دامت ستين عاماً... تجاهل كل ما له علاقة بالمعاناة الفلسطينية، الناجمة عن هذه النكبة... كل ما كان ينتظره المراهنون إياهم من "راعي السلام" إياه حول مفاوضات ليفني – قريع، محيلاً حكاية "الدولة الفلسطينية المستقلة" الموعودة، التي هي بنت ما يعرف برؤيته المعروفة "بحل الدولتين" إلى حين احتفالية إسرائيل القادمة بعد 60 عاماً لاحقة بذكرى قيامها المائة والعشرين، أو كما قال نصاً:

"إسرائيل ستحتفل بعيدها ال 120 بعد 60 عاماً، وستكون للفلسطينيين دولتهم المستقلة"!!!
وفي شرم الشيخ، كان منه ما كان متوقعاً لا غير، أي الدعوة إياها ل "حل الدولتين"، مقرونةً بدعوته إلى عزل "إيران وسوريا وحزب الله وحماس"، ومطالبة الفلسطينيين بالتحرك من أجل "مكافحة الإرهاب"... ومناشدة الإسرائيليين "تقديم تضحيات قاسية"، والإهابة بالعرب إلى "الوقوف معاً في مواجهة حماس... وإرهابيي حزب الله"... دون أن ينسى أن يتنبأ أيضاً، كما فعل في الكنيست، عندما قال، أن "إيران وسوريا ستكونان دولتين مسالمتين... والقاعدة وحزب الله وحماس سيهزمون"!!!

...في الكنيست، وفي شرم الشيخ، وفي كلا النبوءتين اللتين أطلقتا لم يقل بوش ما لم يوافقه إن لم يقله علناً كل من حل في البيت الأبيض منذ ترومان وحتى باراك أوباما، هذا، كما قلنا، إن وصل الأخير الأسود للبيت الأبيض، وهو:
أن الولايات المتحدة تصر على إنها، وبكل وضوح، هي بمثابة العدو الأول الدائم للأمة العربية، وما إسرائيلها إلا مجرد تفصيل من تفاصيلها العدوانية... الفارق فقط هو الأسلوب البوشي الأكثر وقاحة والمشرّب بنكهة توراتية، والمصاغ، في كل الأحوال، بصفاقة فجة على الطريقة الأمريكية... لعل حالة العجز والانحدار العربية المستشرية هي مدعاة مثل هذا الوضوح وهذه الوقاحة... وربما هنا نحن بدورنا أيضاً، نعيد اكتشاف المكتشف!!!

التعليقات