31/10/2010 - 11:02

بين سعدات والبرغوثي../ راسم عبيدات

بين سعدات والبرغوثي../ راسم عبيدات
......بين فينة وأخرى عندما تتجدد المفاوضات حول صفقة التبادل بين إسرائيل وحماس، تكثر التسريبات والتكهنات، حول مصير القادة الفلسطينيين وتحديداً سعدات والبرغوثي، وهل هم من ضمن صفقة التبادل أم لا؟ وفي الفترة الأخيرة كانت هناك تسريبات مصدرها الصحافة الإسرائيلية، بأن إسرائيل توافق مبدئياً على إطلاق سراح البرغوثي، وهي بصدد دراسة ملف الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات.

وكذلك راجت تكهنات أخرى بأن إسرائيل قد تقدم على إطلاق سراح القائد البرغوثي، قبل إتمام صفقة "شاليط" كبادرة حسن نية تجاه الرئيس الفلسطيني عباس، ولتقوية ما يسمى معسكر الاعتدال في الساحة الفلسطينية، ولأن من شأن إطلاق سراح البرغوثي ضمن صفقة "شاليط" تقوية حماس وتيار المقاومة، وهو بمثابة شهادة نعي ووفاة للسلطة الفلسطينية، وللعملية السلمية والمفاوضات، والتي تلفظ أنفاسها الأخيرة، ناهيك عن أن هناك أحاديث يجري تداولها بأن بعض الأطراف الفلسطينية غير متحمسة أو راغبة في أن يطلق سراح البرغوثي في هذه الفترة بالذات، في إطار الخوف على مراكزها ومصالحها وامتيازاتها.

وما يعنينا قوله هنا أنه رغم أن القيادة الإسرائيلية، سارعت إلى نفي مثل هذه الأخبار، فمن السذاجة الاعتقاد أن الحكومة الإسرائيلية، يهمها أمر السلطة الفلسطينية ووجودها ومصيرها، بالقدر الذي تضع فيه مصالحها وأمنها فوق كل هذه الاعتبارات. وهي تدعم هذه السلطة وتقف إلى جانبها فقط بالقدر الذي تحفظ لها أمنها وتلبي اشتراطاتها، وما دون ذلك فلتذهب السلطة إلى الجحيم.

وهذه ليست مجرد شعارات أو مزايدات أو أقوال، فرغم تسلم السلطة الفلسطينية لمهام الأمن في نابلس وبأشراف مباشر من الجنرال الأمريكي "دايتون" إلا أن إسرائيل أصرت على إذلال السلطة واقتحمت نابلس واغتالت واعتقلت ودمرت وأغلقت وصادرت، دون أن تقيم أي اعتبار أو قيمة لا لسلطة ولا لأجهزة أمنية. وكذلك ما يجري على الأرض من تسريع لوتائر الاستيطان وبأرقام خيالية وفلكية، بل وقبل يومين فقط تقدمت مجموعة من المستوطنين بشكوى أمام المحكمة المركزية الإسرائيلية في القدس ضد البرغوثي وسبعة مناضلين آخرين معتقلين من فتح، مطالبين بتعويضات قدرها 450 مليون شيكل، من منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية لتسببهم في قتل اثنين من المستوطنين وجرح آخرين على حد زعمهم وقولهم.

نحن واثقون أن القيام بهذا العمل في هذه الفترة بالذات، لم يأت من فراغ، بل هو مدعوم ومبارك من وزراء وأعضاء كنيست، ناهيك عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت المثقل بالفضائح،والذي وصل إلى نهاية طريقه السياسي، لا يمتلك القدرة والقرار على إطلاق سراح مروان البرغوثي، وأولمرت غير قادر على مد طوق النجاة لنفسه وليس لأبو مازن وسلطته، وكيف لو جرى حديث عن إطلاق سراح الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات،والذي اتخذ أولمرت قراراً شخصياً بهدم سجن أريحا على رأسه ورأس رفاقه بتواطؤ أمريكي- بريطاني وسلوك مريب وغير مبرر من السلطة الفلسطينية.

فأولمرت وكل ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي لو أصبح حبل الود بينهم وبين السلطة الفلسطينية وحسب المأثور الشعبي"حشيش" لن يطلقوا سراح الأمين العام للجبهة الشعبية، ضمن ما يسمى ببوادر حسن نيتهم أو صفقات تبادلهم، فهم أولاً يعتبرونه المسؤول الأول عن قتل أكثر وزرائهم تطرفاً، وهو رحبعام زئيفي، ناهيك عن أن إطلاق سراحه سيشكل دعماً لخيار ونهج المقاومة الفلسطينية،وهي تعلم جيداً أن سعدات ليس سين أو صاد من القيادات الفلسطينية، والذي قد يساعد إطلاق سراحه على حدوث تغير في مواقف الجبهة الشعبية من المفاوضات والتسوية بصيغها ومرجعياتها الحالية، وطرح إطلاق سراحه لو أثير، فقد يتسبب بانتحار سياسي لأي حزب أو حكومة يتجرأ أحد فيها على طرح مثل هذا الموضوع. ناهيك عن أنه قد يتم محاكمته، بتهم دعم ومساندة "الإرهاب"وخيانة الدولة.

بحكم معرفتنا وخبرتنا بطبيعة الحكومة الإسرائيلية، وبكل ألوان طيفها السياسي، وبالعقلية التي تحكمها والقائمة على الغطرسة والعنجهية، ونفي الآخر وتعمد إذلاله وتحقيره، لن نلحق السراب والأوهام ، ونعلق الآمال على إطلاق سراح قادتنا ضمن بوادر حسن النية وصفقات الإفراج الإسرائيلية، فنتائج حسن النوايا وصفقات الإفراج ماثلة أمامكم جيداً، وهي لم تنجح في تحرير أسير واحد خارج إطار ما يسمى التصنيفات والتقسيمات الإسرائيلية، رغم أننا نعتبر أن إطلاق سراح أي أسير فلسطيني، دون أي ثمن سياسي أو ابتزاز، هو مكسب للشعب الفلسطيني.

إلا أنني على قناعة تامة بأن الفرصة المتاحة والمتوفرة لإطلاق سراح سعدات والبرغوثي وغيرهم من الأسرى الفلسطينيين، والذين تصنفهم إسرائيل "بالملطخة أيديهم بدماء الإسرائيليين"، لن تكون خارج إطار صفقة التبادل بالجندي الإسرائيلي المأسور"شاليط"، وأنا على ثقة وقناعة تامة بأن الأخوة في حركة حماس والذين يتولون عملية إدارة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، رغم الحجم الهائل من الضغوطات التي تمارس عليهم، وما يتعرض له شعبنا في القطاع من قتل وتدمير وحصار وتجويع زادت وتائره، بعد أسر الجندي الإسرائيلي، سيبقون متمسكين بشروطهم من أجل إتمام صفقة التبادل، لأن هناك عددا لا بأس به من الأسرى، إن تم تجاوزهم في صفقة التبادل تلك، فإنهم سيتحولون من شهداء مع وقف التنفيذ إلى شهداء فعليين.

وكذلك فإطلاق سراح القادة الفلسطينيين من وزراء ونواب وقادة فصائل وأحزاب، له قيمة رمزية ومعنوية عاليتين في أوساط شعبنا الفلسطيني، كما أن من شأن ذلك أن يعزز من نهج وثقافة المقاومة والصمود في أوساط شعبنا الفلسطيني، والذي لم تجلب له خمسة عشر عاما من المفاوضات المارثونية والعقيمة وتحقق له سوى المزيد من الدمار والتراجع والانكسار وتبديد الحقوق والمنجزات، وتعميق حالة الانقسام والضعف الداخلي.

ومن هنا فإن الرهان الوحيد على إطلاق سراح القادة الفلسطينيين سعدات والبرغوثي، هو فقط من خلال صفقة "شاليط"، لأن أية وسائل أخرى غير كفيلة بإطلاق سراحهم وخاصة أن إسرائيل تجد الدعم والرعاية والمساندة والضمانة والحصانة والقفز عن الشرعية الدولية وقراراتها ،من قبل أمريكا وأوروبا الغربية، وما وصلت إليه الحالة العربية من ضعف وانكسار وانهيار.

التعليقات