31/10/2010 - 11:02

تسوية أم مفاوضات؟../ معقل زهور عدي*

تسوية أم مفاوضات؟../ معقل زهور عدي*
حتى الآن لا أحد يدري تماما الآفاق الحقيقية للمفاوضات السورية – الإسرائيلية التي تجري في تركيا، لكن يمكن القول أن ثمة احتمالين :

الأول أن تكون تلك المفاوضات مناورة سياسية واسعة الهدف منها امتصاص حملات الضغط الأمريكية والعزلة التي تسببت بها للسياسة السورية، وتفادي مخاطر ما يمكن أن تقدم عليه الإدارة الأمريكية الجريحة في العراق من اجل التعويض عن الفشل وسقوط الهيبة مع اتضاح عجزها عن السيطرة وتوجيه الأحداث وفق أجندتها المعلنة في المنطقة.

وفق هذا الاحتمال يكون هدف السياسة السورية غير المعلن هو كسب الوقت ريثما يحين وقت الانتخابات الأمريكية في الخريف القادم، باعتبار أن كل المؤشرات تشير إلى ميل الإدارة الأمريكية القادمة لبدء عملية مراجعة للسياسة الأمريكية في العراق والمنطقة باتجاه التراجع عن أفكار المحافظين الجدد نحو سياسة أقل تطرفا وأكثر براغماتية.

يدعم ذلك التفسير عدم ظهور تذمر واضح من جهة إيران للمفاوضات الجارية في تركيا، وكأن القيادة الإيرانية مطمئنة لهدف ومآل تلك المفاوضات.
في الحقيقة أظهر تحالف إيران – سورية - حزب الله خلال السنتين الماضيتين قدرا من الفعالية والتماسك بحيث يصبح من غير المفهوم والمنطقي أن تعمد سورية للاستغناء عنه من أجل بديل غير واضح وغير مؤكد.
يجادل البعض في أن السياسة الإسرائيلية الماكرة لا يمكن أن تنخدع بمناورة كهذه لكن الواقع أن إسرائيل أيضا ربما كانت بحاجة لقدر من التهدئة حولها لتتفرغ لمواجهة خطر كبير يهددها وهو الخطر الإيراني.

هكذا يكون للطرفين مصلحة في مناورة كهذه لا يسفر عنها شيء حقيقي على صعيد الاتفاق النهائي.
ووفق ما يبدو على سطح الأحداث فان مجرد بدء المفاوضات في تركيا بصورة رسمية - وان غير مباشرة- والإعلان عنها ساهم بالفعل في إحداث ثغرة في الحصار المضروب حول سورية رغم أن الإدارة الأمريكية مازالت غير راغبة في تخفيف ذلك الحصار.

يحيلنا مثل ذلك الاحتمال إلى التروي في اتخاذ المواقف وإطلاق الأحكام، سواء لجهة التأييد الذي يتصف بشيء من الخفة والتهافت أو لجهة الاستنكار الذي يتصف بالتسرع والدخول في معارك وهمية.

لكن ماذا عن الاحتمال الآخر؟
يتمثل الاحتمال الثاني في وجود مسودة اتفاق يجري التمهيد لإعلانها في الوقت المناسب، فربما تكون إسرائيل قد أدركت بعد حرب تموز 2006 أكثر من أي وقت مضى مدى محدودية قدرتها العسكرية مما دفعها للبحث في شروط إرساء حالة سلام تعاقدي مشابه لتجربتها مع مصر والأردن والتي تعتبر ناجحة من وجهة نظر إسرائيلية حتى الآن، على أية حال ليس جديدا التفكير الإسرائيلي في أهمية إرساء تسوية مع سورية باعتبار أن ذلك يمكن أن يكون مفتاحا للتطبيع مع جميع الدول العربية والدخول لأسواق الخليج من الباب الواسع.

لكن ما ينبغي التفكير به أيضا هو الثمن الباهظ الذي ستطالب به إسرائيل لقاء جلاء قواتها عن الجولان المحتل الذي يشكل موقعا استراتيجيا ممتازا وموردا مائيا هاما ومنطقة زراعية وسياحية طالما حلمت بها الأطماع الصهيونية.

في مرحلة ما قبل حرب تموز 2006 كانت المعادلة السياسية الإسرائيلية للسلام تتحدد بالسلام مقابل السلام بدلا عن السلام مقابل الأرض، بكلام آخر( سوف نغض النظر عن دفع الجيش الإسرائيلي نحوكم أو ضربكم بالطيران مقابل نسيان الجولان لعقود قادمة، كما أنكم ستجدون أنفسكم مجبرين على توقيع معاهدة سلام معنا والاعتراف بنا بغض النظر عن عودة الجولان إليكم أو بقائه تحت يدنا فقط لتأمنوا شرنا وقوتنا.)

على الأرجح فان حرب تموز 2006 قد قضت على تلك المعادلة، وأجبرت الإسرائيلي على التفكير مليا في تقديم بعض التنازلات التي لم يكن مستعدا لتقديمها، كما أن تغير موازين القوى الدولية وانكفاء مشروع الهيمنة الأمريكي قد أحدث أثره أيضا في إجراء مراجعة للسياسة الإسرائيلية ربما تكون قد مهدت لإعادة بعث مسألة التسوية مع سورية من جديد.

ترغب إسرائيل بدون شك في إنهاء تحالف سورية مع إيران وحزب الله، لكن السؤال الذي يبقى معلقا هو حول استعداد إسرائيل لتقديم ثمن لذلك مثل الانسحاب من الجولان.
في المرحلة القادمة يبدوان الصراع يتجه بصورة خاصة نحو إيران وحزب الله كهدفين لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل بينما لا يبدو مركز سورية محسوما سواء تم التوصل لاتفاقية تسوية أو لم يتم.

يمثل الاحتمال الثاني تحديا حقيقيا للفكر السياسي الوطني – الديمقراطي في سورية، وربما يصبح محطة رئيسة للفرز السياسي داخل التيارات المعارضة، وإذا كان من المبكر الحديث عن اتفاقية لم تتحدد بنودها بعد، فان من غير المبكر القول إن موازين القوى الدولية والعربية في الصراع مع العدو الصهيوني ليست مناسبة اليوم لانتزاع تنازل منه بحجم الانسحاب من الجولان دون ثمن باهظ.

ما من سوري ولا عربي إلا ويرغب في عودة الجولان اليوم قبل الغد، لكننا نرغب في عودته كما عاد جنوب لبنان محررا عزيزا، أما الاتفاقيات والمعاهدات التي تتم في ظروف اختلال التوازن فمن حقنا أن نخاف منها، ونحسب لنتائجها ألف حساب.

التعليقات