31/10/2010 - 11:02

تصحيح المسار العربي بعد الأزمة المالية الحديثة../ د.يوسف نور عوض*

تصحيح المسار العربي بعد الأزمة المالية الحديثة../ د.يوسف نور عوض*
لم تقتصر الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم على جوانبها المالية فحسب بل فتحت الباب أمام كثير من التساؤلات التي لم يقدم لها الكثيرون حتى الآن إجابات شافية، بل سارع البعض إلى تقديم إجابات قديمة لم تثبت صحتها في الماضي ولا يبدو أنها صحيحة في الوقت الحاضر، ولكن من الأمور المهمة التي شغلت الأذهان ما إذا كان من الأفضل للعالم أن يستمر بنظرية القطب الواحد.

ويبدو واضحا أن هناك إحساسا شاملا بان سبب ما حدث هو استمرار العالم تحت سيطرة قوة واحدة أضفي عليها الكثير من الصفات التي لا تمثل واقعها الحقيقي سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية، بدليل أن الولايات المتحدة لم تستطع حتى الآن أن تحقق نصرا حاسما في العراق أو أفغانستان، وهي تفكر جديا في عدم التورط في حرب جديدة في إيران أو جعل اسرائيل تورطها في مثل هذه الحرب.

وكما أسلفنا فإن المواقف الدولية تراوحت في توصيف هذا الوضع، ويبدو أن الموقف الأوروبي اقٌرب إلى الواقعية، ذلك أن أوروبا قررت من خلال الاتحاد الأوروبي أن دورها لا يقتصر على أن تساعد الولايات المتحدة للخروج من أزماتها من أجل إبقاء الوضع على حاله، فقد علمتها التجربة الجورجية الكثير، كما أن أوروبا ليست بالقوة العسكرية أو الاقتصادية السهلة، وبالتالي فقد أرادت أن تنتهز هذا الوضع لتؤسس موقعها من جديد في خريطة العالم، وقد أثبتت من خلال القرارات التي اتخذتها في مواجهة الأزمة العالمية اقتصاديا أنها تملك القدرة على فعل الكثير.

ولكن الأمر مختلف جدا في الواقع العربي، ذلك أن العالم العربي يعيش في ثقافة مغلقة وهو غير قادر في واقع الأمر على الخروج منها. فهو لم يتساءل عن مصير الأموال العربية في المصارف الأمريكية والعالمية وما إذا كان من الأجدى أن توضع مثل هذه الأموال الضخمة في مهب الريح، وهو لم يتساءل عن كيفية اغتنام هذه الفرصة لإعادة هيكلة واقعه بل ذهب فورا إلى التحدث عن انهيار النظام الرأسمالي، ويعني ذلك استعادة للثقافات القديمة التي كانت تبشر بالاشتراكية وسيطرة الدولة وكأن العالم الغربي قد تخلص أصلا من تلك الثقافات، ومن ناحية أخرى بدأت تظهر النعرات الطائفية بين السنة والشيعة وغيرهما، وكان غياب الدور الأمريكي يعني في نهاية الأمر تصفية حسابات بين توجهات داخلية، وإذا عدنا نسأل عن أسباب ذلك كله بدا لنا الوضع كما يلي:

أولا: ليس هناك فكر حديث في العالم العربي ولا يختلف تفكير الشباب عن تفكير الشيوخ، فهو في معظمه فكر اجتراري مبني على رؤى تقليدية ليس هناك ما يغيرها لأن نظام التعليم العربي يكرس الذهنية الثابتة ولا يفتح الباب أمام التغيير والتقدم. ويصنف العالم العربي كثيرا من الدول في خانة ثابتة دون أن ينفذ إلى جوهر تلك الدول، وعلى سبيل المثال فإن بريطانيا موصوفة بأنها دولة استعمارية وهي التي سلمت اسرائيل لليهود، وبالتالي يجب عدم الثقة بها والشماتة بها في كل أزمة يمر بها الواقع البريطاني، ولا يعطي الفكر العربي مساحة للتفكير في الانجازات البريطانية في كثير من الدول وفي مقدمها الهند التي أصبحت واحدة من أكبر الديموقراطيات في العالم الحديث.

ثانيا: لا يوجد نظام دولة في العالم العربي، وقد فرقت في السابق بين نظام الدولة ونظام الحكومة، وهذا باب طويل، ولكن العرب الذين عاشوا في الغرب وخاصة في بريطانيا يعرفون على وجه الدقة ما هو مفهوم الدولة وكيف يتعاملون معها. ولا شك أن غياب نظام الدولة يجعل كثيرا من العرب يتحدثون في الصالح العام بمنطق لا يحقق كثيرا من الفوائد لأفراد الجمهور.

ثالثا: تعيش معظم الدول العربية في حالة خوف من بعضها بعضا وهي تتآمر مع الأجنبي ضد مصالحها ومصالح شعوبها، وقد تأسس هذا الواقع منذ الحقبة الناصرية حين قسم عبد الناصر العالم العربي إلى تقدميين ورجعيين، وكان همه أن يزيل من صنفهم الرجعيين من سدة الحكم، وكانت النتيجة أن قويت أواصر الصداقة بين هؤلاء والدول الأجنبية وخاصة الولايات المتحدة. ولم يصحح العالم العربي هذه النظرة حتى الآن بسبب ضعف الثقافة ولم يبعث الاطمئنان بين سائر الأنظمة العربية بحيث يفتح مجالا كبيرا للتعاون بدل الخصومات الرائجة.

رابعا: في ظل هذا الواقع بدأت التيارات الدينية تزدهر ليس على أنها جزء مكمل للمجتمع ومعبر عن ثقافته بل بكونها بديلا سياسيا يتصارع مع الواقع السياسي القائم، وفتح ذلك المجال أيضا أمام الصراعات الطائفية التي تضعف المجتمع بصورة عامة بأشد مما يحدثه العالم الخارجي.

وإذا عدنا نتساءل عن كيفية الخروج من هذا المأزق كله تطلب ذلك أن نخرج العالم العربي من هذه الثقافة السائدة وان نحاول الدخول إلى العالم الحديث، ويحدث ذلك بعدة طرق:

أولا: يجب أن نعترف بأنه لا داعي مطلقا للصراعات بين الدول العربية وأن يعتنق البعض نظريات في الحكم لم تثبت صحتها ويحاول بها أن يضعف واقع الأمة العربية، وفي ظل هذا الواقع يجب أن تسود سياسة الاطمئنان عند كل أنظمة الحكم ملكية كانت أم جمهورية وأن يعي العرب أن شكل الحكم ليس هو المهم، بل المهم هو الكيفية التي تدار بها الدولة لأننا نجد في العالم العربي سائر أنواع الحكم ولن يؤثر ذلك على كفاءة الدولة، وحين تسود هذه الثقافة يحدث التطوير والتحديث من الداخل.

ثانيا: يجب أن ننظر إلى الأمور نظرة موضوعية وخاصة عندما نتحدث في القضايا الكبرى مثل قضية فلسطين التي لا نعرف كيفية الدخول إليها على الرغم من جعلها مركزا من مراكز حياتنا السياسية، فهل المطلوب هو إقامة دولة فلسطينية أم المطلوب هو تحرير فلسطين كلها؟ وفي الحالين يجب أن تكون هناك سياسات تجيب على الهدف لا أن تكون هناك صراعات بين فرقاء لا يعرفون في الحقيقة ماذا يريدون أو حتى إذا عرفوا فهم لا يتكلمون لأفراد الجمهور صراحة.

ثالثا: يجب أن تحدث ثورة حقيقية في نظام التعليم العربي ليس بالإكثار من فتح المدارس بل بالتركيز على المحتوى والقيمة والنوع وأن نتأكد أن الأجيال العربية ستكون قادرة على فهم واقع العالم الذي تعيش فيه، لا أن نجتر ثقافات ميتة لم تورث العالم العربي سوى الجهل والخراب.

رابعا: يجب أن يتأكد العالم العربي أن الأيديولوجية لن تقوده إلى شيء سوى التعصب وضياع الوقت في أمور لن تحقق هدفا، وخير من ذلك أن ينظر العالم العربي إلى واقعه بصورة أفضل وأن يكون التعاون هو أساس العمل، وقد عرفنا أخيرا أن مئات المليارات من أموال العرب قد ضاعت في هذه الأزمة لأن الدول العربية وضعت بيضها كله في سلة الدولار ولو كانت قد استثمرت هذه الأموال في مشروعات حقيقية على امتداد العالم العربي لكان لها اليوم عائد أفضل ولكن الأموال ضاعت ولم يستفد منها أحد، وهذا واقع سيتكرر بصورة مستمرة لأن الدولار عملة سياسية وليس عملة اقتصادية، وهو خاضع للتقلبات السياسية أيضا، فلماذا يغامر العرب بوضع أموالهم في سلة خاسرة؟

ومؤدى ما نذهب إليه هو انه من الضرورة أن يبدأ العالم العربي التفكير في مستقبله ليس من منطلق الخوف والتراجع والانحياز الأعمى لبعض القوى الدولية بل من منطلق المصالح التي تحقق للشعوب خيرها، ولن يحدث ذلك إلا إذا كانت هناك حالة اطمئنان تمكن النظم العربية من أن تبني واقعها الحديث في حالة من الاستقرار والشفافية، وليس بدافع الخوف من المجهول الداخلي والخارجي.
"القدس العربي"

التعليقات