31/10/2010 - 11:02

تقرير فينوغراد والحرب النفسية../ أحمد إبراهيم

تقرير فينوغراد والحرب النفسية../ أحمد إبراهيم
القائل بأن “إسرائيل” هي الأقوى في الحروب الميدانية، ثم هي الأقوى في الحروب النفسية ليس بكذّاب، ذلك لأن المستمع اعتاد أن يصدق ويصدق وهو يستمع لمن يكذب ويكذب من دون ان يوقفه مرة واحدة او يقول في وجهه “انت كذّاب” بل ظل يصدقه إلى ان يعلن عنه انه اصدق الصادقين، وأيضا لأنه اعتاد وتروض على مقولة “اكذب اكذب فلا بد أن تجد من يصدقك”.

“إسرائيل” التي نراها اليوم تسبح في مأزقين داخلي وخارجي أمست امام مظاهرتين احداهما قامت بالفعل يوم أمس الأول (الاثنين) في شوارع تل أبيب، والاخرى ستقوم اضخم منها غدا (الخميس).

المظاهرتان تدينان أداء قادة “اسرائيل”، وكل الرؤوس النووية التي تدير “اسرائيل” عسكريا واداريا، فتقوم هي “اسرائيل” بإدانة اولمرت وبيرتس وحالوتس من خلال لجنة فينوغراد العلنية في تقرير من جزأين علني وسري.

فاللجنة قدمت جزءاً من تقريرها علنا عبر الفضائيات واحتفظت بالجزء السري، لأن المخفي أعظم كما يقال، فقام أولمرت ولم يقعد قائلا: “لن استقيل، سأتحمل مسؤولية اخطائي” بمعنى سأعوض ما فاتني، وكأنه يقول سوف أخوض حرباً انتقامية وشيكة على لبنان عروسة العرب في الأيام المقبلة، انتقاماً لفشله.

بمعنى آخر صريح، هل نصدق اولمرت بالإعلان عن رغبته في الانضمام للمبادرة العربية؟ أم نصدق آخر تصريحات الرئيس بوش الذي نصب أولمرت مرة أخرى رجل سلام، ام نبقى نصدقهما معا من دون أن نقول لأي منهما ولو مرة واحدة انت تكذب؟

في الثمانينات كنت طالبا بجامعة اليرموك بالأردن، ولم تكن هناك لاقطات هوائية “دشات” أو الانترنت، ولم يكن امام المستمع من الاذاعات الاجنبية غير إذاعة “إسرائيل” التي تصلك ذبذباتها وانت في غرفة نومك أو في الحرم الجامعي او في الاتوبيس أو حتى وأنت في صالون الحلاقة، فما من خبر تبثه الاذاعة وانت تسمعه على نغمات قرقعة أواني الفطور في كافتيريا، إلا ويهمس من يهمس في اذنيك “يا ولد تحمل ترى هذه إذاعة “إسرائيل”، وان هناك ستين من حملة شهادات الدكتوراه في علم النفس يعملون في هذه الاذاعة لصياغة الاخبار باللغة العربية”، فكنا نصدق ذلك طبعا.

اليوم يبدو اننا بدأنا نصدق مرة اخرى ما بثته مئات الفضائيات مباشرة عن ان هناك لجنة تحقيق “اسرائيلية” برئاسة القاضي المتقاعد الياهو فينوغراد الذي قام بتقديم نتائج تحقيق استغرق ستة أشهر في مؤتمر صحافي حول العدوان الذي شنته “إسرائيل” على لبنان وتضمن انتقادا حادا لاداء رئيس الوزراء “الإسرائيلي” إيهود أولمرت، ومجموعة من القادة “الاسرائيليين” واتهامهم ب”فشل خطير” على ادارة الحرب في لبنان التي تمت في شهر يوليو/ تموز 2006.

اللجنة الحالية يترأسها رئيس المحكمة العليا السابق الياهو فينوغراد، ويسانده قاض آخر وجنرالان سابقان وخبير في السياسة العامة وخبراء في الاعلام، ولا ادري كم هو عدد حملة شهادات الدكتوراه في علم النفس والخبراء في التحليل النفسي قبل أن تعلن اللجنة تقريرها في بث مباشر وحي شارك فيه العديد من الفضائيات العربية.

ومما جاء في تقرير فينوغراد “ان قرار شن الحرب من دون خطة موضوعة بإحكام أظهر فشلا حادا”. واضاف قائلا: “ان سحق حزب الله والتراجع من دون الجنديين كان طموحا يستحيل تحقيقه”.

لو تركنا فينوغراد جانبا ونظرنا إلى الواقع الميداني “الاسرائيلي” وطرحنا السؤال: هل المسؤولية كل المسؤولية تقع فقط على عاتق رئيس الوزراء أو وزير الدفاع او رئيس الاركان؟ ام تقع على كل القيادة “الاسرائيلية” بالتكافل والتضامن؟ حيث ان رئيس الاركان السابق دان حالوتس استقال بالفعل، ولم يبق في وجه مدفع التقرير الا اولمرت ووزير دفاعه عمير بيرتس، وتشير التقارير الأولية إلى ان هذه المجموعة ستبحث في اتخاذ رد فعل موحد إزاء مضمون التقرير.

يا ترى ما هو هذا القرار الموحد تجاه قضايا غير موحدة بل ومشتتة ومنوعة من فساد ورشى وفضائح جنسية وتلاعب بالاسهم وتضليل للرأي العام، حيث يواجه أولمرت تحقيقات في قضايا فساد بينها تحقيق بشأن دوره كوزير للمالية في بيع بنك عام ،2005 والموافقة على تقديم دعم حكومي عام 2003 لمصنع يمثله أحد اصدقائه، وشرائه لمنزل بالقدس عام 2004 في الوقت الذي قال فيه مراقب نفقات الدولة انه حصل عليه بالتحايل وبخصم كبير للغاية.

انها الاسطوانة نفسها لتلك الحرب النفسية التي استخدمها الاحتلال “الإسرائيلي” دائماً في كل حروبه ضد العرب، تتكرر اليوم من خلال تقرير لجنة فينوغراد. انها حرب نفسية في وجه الأمتين العربية والاسلامية اللتين كادتا تتحدان على بعض المنصات التي اقيمت في كل من الرياض وشرم الشيخ وتركيا وعواصم أخرى، فكما أقامت “إسرائيل” دائما استراتيجية حربها النفسية انطلاقا من اذاعتها وانتهاء بمعسكراتها، وكلها تقوم على إشاعات ومزاعم وأكاذيب لتوحي للعالم العربي بأن “إسرائيل” قوة عظمى لا تقهر، وأنها ستبقى قوية في أي وقت، وإن واجهت الفشل أحياناً فستعود هي الأقوى لأنها القوة الرادعة الوحيدة في المنطقة التي لا يستطيع أحد أن يقف في وجهها ويرد على نفاقها وأكاذيبها.

وما تقرير لجنة فينوغراد الا للتعويض عن تلك الصواريخ والقذائف التي لم تكن كافية للسحق والإبادة، وكأنه يحمل إدانة لقادة الكيان لفشلهم في إيقاع المزيد من القتل والتدمير والمجازر، فجاء التقرير بهذه الضجة الاعلامية لتدرس تل أبيب تأثيراتها في الدول العربية التي تواجه انقسامات شديدة مع الأسف الشديد. حيث ان وثائق الجيش “الاسرائيلي” كانت تشير باستمرار إلى استغلال التصدعات والانقسامات في المجتمع العربي، لكن نتائج عدوان يوليو/ تموز المنصرم اكدت ان “اسرائيل” لم تستطع تحقيق هدفها، وان حربها النفسية فشلت كما فشلت طائراتها وهي تحلق فوق بيروت وجنوب لبنان وتلقى منشورات لإخافة السكان “من يحميكم يا مواطني لبنان؟”، فكان الرد من خلال الصمود اللبناني والمقاومة اللبنانية والوحدة الوطنية وإفشال العدوان وأهدافه، وهو فشل مزدوج لكل من “إسرائيل” والولايات المتحدة، لأن واشنطن كانت تراهن على انتصار “إسرائيل” لإطلاق مشروعها للشرق الأوسط الجديد.

حقاً ان “إسرائيل” تواجه اليوم حبل المشنقة، وهي تبحث عن أي قشة تتعلق بها للخروج من المستنقع؟

هناك حوادث تجري في كل بلاد الدنيا، حوادث فساد ورشى واستغلال جنسي وخيانات وغيرها لدرجة أنه في بلاد الشرق هناك عواصم تعرف ببلاد “البقشيش” أو عواصم الرقيق الابيض، ولم يكن العيب ان تكتشف “إسرائيل” فضيحة جنسية أو مالية أو إدارية، وإنما العيب كل العيب أن يقال عن الجيش الذي لايقهر انه عاد بعد العدوان دون سحق حزب الله، ودون استعادة الجنديين، ودون تجريد المقاومة اللبنانية من سلاحها.

"الخليج"

التعليقات